الكويت الاخباري

"البستاني" دراما إسبانية عن الحب زمن القتل - الكويت الاخباري

في عالم مظلم تغيب فيه القيم الأخلاقية، حيث لا وجود لأبطال تقليديين، ينشأ إلمر بطل مسلسل "البستاني" (The Gardener) في دراما إسبانية جديدة طرحتها نتفليكس، وهو موجه لعشاق الإثارة والجريمة، إذ يقدّم عالماً يسوده العنف، وتُمارَس فيه الجريمة والقتل كأفعال يومية مألوفة.

ورغم تصنيفه ضمن فئة الإثارة الرومانسية، فإن "البستاني" يميل بوضوح إلى الطابع الميلودرامي، خاصة في تناوله للعلاقات الإنسانية المعقدة. ويستعرض المسلسل مواضيع مثل العنف، وأزمات الهوية المرتبطة بصدمات الماضي، والتلاعب العاطفي، والحب غير التقليدي، ويطرح في الوقت ذاته تساؤلات أخلاقية عميقة حول طبيعة الخير والشر.

لا حب أو خوف أو غضب أو قلق

يحكي المسلسل قصة "إلمر" (ألفارو ريكو) الشاب الذي يعمل بصمت في مركز والدته "لاتشاينا" (سيسيليا سواريز) لزراعة النباتات، حيث يختبئ خلف أصص الزهور حاملًا سرًا خطيرًا. وتدير والدته في الخفاء شركة قتل مأجورة صغيرة بهدف جمع ما يكفي من المال لشراء منزل والدتها القديم في المكسيك الذي يحمل لها ذكريات الطفولة.

إلمر ليس شريكًا عاديًا، فقد وقع عليه الاختيار لتنفيذ المهام القاتلة بعد أن نجا في طفولته من حادث سيارة مروّع أدى إلى ضرر دائم في الفص الجبهي الأمامي من دماغه، وهو ما أفقده القدرة على الشعور بالعواطف: لا حب، لا خوف، لا غضب، لا قلق، فقط برودة قاتلة تُمكّنه من تنفيذ ما لا يجرؤ عليه الآخرون.

وهذا العيب غير المتوقع يجعله مرشحا مثاليا للقيام بعمليات القتل بهدوء أعصاب ودم بارد، واستخدام مركز البستنة ستارا للتخفي خلفه خاصة وأن النباتات لا تطلق أحكاما ولا تتطلب أي مشاعر فقط بعض الصبر والاعتناء الصامت، وهو ما يجيد إلمر تقديمه.

وما لم تحسب الأم حسابه أن يصاب ابنها بورم في المخ يضغط على منطقة معينة تعيد إليه بعد سنوات طويلة المشاعر التي تفاجئه وتصدمه كونه يجهل كنهها أو كيفية التعرف إليها والتعامل معها بروية.

إعلان

وتبدأ الأزمة حين يقع إلمر في حب ضحيته التالية فيوليتا (كاتالينا سوبيلانا) معلمة روضة الأطفال اللطيفة والتي تخفي هي الأخرى أسرارها المظلمة الخاصة مما يضعه في صدام مع والدته لرفضه تنفيذ المهم، وبالوقت نفسه رفض العلاج والعودة إلى سابق عهده من اللاشعور والفراغ السحيق الذي هو أهم أدوات عمله الجانبي.

وتجري الأحداث في ظل محاولات من الأم للتلاعب به بخسة وذكاء لإجباره على العلاج وكذلك القتل، وهو ما يتزامن مع الشكوك التي تنتاب الشرطة تجاههم بما يهُدد بفضح أمرهم والزج بهم في السجن.

قراءة فنية في ثنائية العنف والرومانسية

أول ما يلفت الانتباه إلى مسلسل "البستاني" قصته التي تتبع تطور شخصية إلمر ومحاولات الحبكة للتوازن بين العاطفة والواقعية في ظل سيناريو جريء ومختلف قرر صانعوه جعل علاقة البطل بوالدته أكثر إثارة من علاقته بحبيبته وطرحها الكثير من التساؤلات العميقة.

ومن بين مميزات العمل الأخرى اقتصاره على شخصيات محدودة ومواقع تصوير قليلة بما يتناسب مع مدينة صغيرة تجري بها الأحداث، وهو ما ساعد على منح المشاهد شعورا مزيجا بين التلصص وعدم الارتياح حيث الكثير من التوتر والقلق وبعض التكثيف.

وقد تميز السيناريو أيضا بالتصاعدية والتطورات المفاجئة مما حافظ على إبقاء اهتمام المشاهد مستعرا خاصة في ظل الطبقات المتعددة للقصة، مع حوار واقعي حاول إبراز طبيعة الصراع العميق الذي وقعت به الشخصيات ومدى تأثيرها النفسي عليهم.

أما بصريا، فقد تبنى المخرج ميغيل سايز كارال رؤية بصرية قاتمة حيث الإضاءة الخافتة أو المظلمة والألوان الهادئة والداكنة التي تتماشى مع طبيعة القصة وجو التوتر والغموض. مع اللجوء إلى زوايا مدروسة وحركات كاميرا تؤدي إلى مزيد من القلق وشعور بعدم اليقين، والتركيز على تعابير الوجه لنقل المشاعر الداخلية التي تعتري الشخصيات، كما جرى اللجوء إلى اللقطات الأوسع لإظهار البيئة المحيطة التي هي نفسها جزء من حالة الغموض.

كذلك لعبت الموسيقى التصويرية -التي تمثلت في ألحان هادئة لكن مؤثرة- دورها كعنصر رئيسي ساهم بتعزيز تأثير المشاهد والمشاعر التي تنقلها بما يتناسب مع الأحداث والشخصيات.

وأخيرا مع الأداء التمثيلي، نجح الممثلون بتجسيد شخصياتهم ونقل مشاعرهم خاصة ألفارو ريكو الذي برع بأداء الشخصية المنعزلة والباردة ونقل المشاعر المتضاربة التي يختبرها البطل للمرة الأولى بشكل مفاجئ.

كذلك برعت سواريز في دور الأم المتلاعبة والمهووسة بالسيطرة على ابنها لتحقيق أهدافها، ومن الممثلين الثانويين الذين أجادوا أدوارهم أيضا فرانسيس لورينزو وماريا فاسكيز، ودور محققي الشرطة الذين أضافوا طبقة منعشة للقصة.

أما عن العيوب الفنية، فقد تنوعت بين تطورات الحبكة التي بدت مبالغا بها بعض الشيء مثل الورم الذي يعيد للبطل القدرة على الشعور ما أن تظهر فيوليتا في حياته، كذلك جاءت الكثير من الأحداث متوقعة مما أحبط رواد الإثارة الإسبانية الخالصة الذين وجدوا أنفسهم أمام عمل هجين من الجريمة والرومانسية والميلودراما، لا يمنحهم إجابات كافية على الأسئلة العديدة التي يطرحها.

إعلان

مؤشرات على العودة لموسم ثان

يُعد مسلسل "البستاني" من أعمال الإثارة المثيرة للجدل، إذ لا يكتفي باستعراض الحب الرومانسي أو العلاقات الخارجة عن إطار الزواج، بل يغوص بعمق في الحب الأمومي حين يتحوّل إلى علاقة معقدة، وأحيانًا سامة، تتجاوز حدود الأمومة التقليدية لتصل إلى شكل من الاعتماد المرضي والسيطرة الكاملة. ويبقي هذا التعقيد العاطفي المشاهد في حالة من التردد، عاجزًا عن الانحياز لطرف دون آخر، وهو ما يُشكّل جزءًا من جاذبية العمل وسحره.

أما النهاية المفتوحة التي رسمها صُنّاع المسلسل، فقد جاءت مقدمة لاحتمال انطلاق موسم ثانٍ، خاصة مع ظهور خيوط درامية جديدة توحي ببداية فصل جديد. ومع ذلك، لم تصدر نتفليكس حتى الآن أي تأكيد رسمي بشأن تجديد المسلسل، رغم أن القرار قد يرتبط بأداء المشاهدات في الفترة المقبلة.

ويصنف مسلسل "البستاني" بأنه دراما إسبانية قصيرة من 6 حلقات، تأليف ميغيل سايز كارال، إخراج ميخائيل روايدا ورافا مونتيسينوس، وبطولة ألفارو ريكو، وسيسيليا سواريز، وماريا فاسكيز، وكاتالينا سوبيلانا، وفرانسيس لورينزو، وماريا فاسكيز.

أخبار متعلقة :