الكويت الاخباري

دردشة مع الشاعرة الأردنية مها العتوم: كثيراً ما توقظني القصيدة لكتابتها! - الكويت الاخباري

حاورها زياد خداش:

مها العتوم من الشاعرات الأردنيات اللواتي حفرن بصمتهن الخاصة في المشهد الشعري الأردني؛ بصمة حين نراها أو نتأملها نشعر بمدى الجهد الذي بذلته لتصل إلى مساحة خاصة لا تُعرف مها إلا بها، وهذا ما يحلم به الشعراء أن تكون لهم لغتهم ووجهم الشعري الخاص.. أجمل ما يميّز شعرها انغماسها الكبير في المشاهد الريفية التي عاشتها حتى الذوبان في طفولتها بريف مدينة جرش، وهي من الشاعرات اللواتي لم يقفلن الباب أمام قصيدة النثر وإن كانت من المتمسكين بالتفعيلة.. في رصيدها العديد من الكتب الشعرية، وآخر ما صدر لها "امرأة الوقت" من إصدارات "دار تكوين"، التي يشرف عليها الشاعر السوري أدونيس.. معها هذه الدردشة:


* من أين يأتيك الشعر يا مها؟ وكيف ترتبين له الجو وأين تُجلسينه؟
- أحياناً تلمع القصيدة في الذهن كالبرق، بجملة أو بإيقاع يفرض نفسه على الذهن، هذه اللحظة يحتاج الشاعر وتحتاج الشاعرة إلى استثمارها، وليس سهلاً استعادتها إذا مرت وانتهت، لكن هذا لا يعني أن القصيدة مجرد إلهام، أو نداء غيبي، بل إن الشعر الحقيقي يأتي بعد ذلك، في قدرة الشاعر والشاعرة على بناء القصيدة وإحكام بنائها، ولعل العمل على القصيدة بعد انتهائها هو المهمة الأصعب، وهنا تظهر الحرفة في تخليص القصيدة من الزوائد وحفحفتها وتشذيبها وتهذيبها لتبدو كأنها خلقت هكذا كاملة مكتملة، وأحياناً أخرى أذهب أنا إلى القصيدة، أذهب ملأى بالقراءات والأفكار، ولعلي أذهب لغاية معينة وتأخذني القصيدة إلى غير ما ذهبت له.
أما ترتيب الجو للشعر بالنسبة لي فهو في القراءة المستمرة والمتواصلة، والرغبة في الكتابة والاستعداد الذهني لالتقاط اللحظة المواتية للكتابة.. أكتب في أي وقت وإن كنت أفضل الليل، لكني كتبت في الباص وفي السيارة وفي الصباح والمساء وفي الحلم وفي اليقظة وفي لحظة الاستيقاظ من النوم، بل كثيراً ما توقظني القصيدة لكتابتها كأنها تتمة للنوم أو لحلم راودني في منامي.

* لماذا تشدكِ هذه الأجواء.. ما الذي في الريف ما يأخذنا عميقاً في الإحساس؟ الفضاء الريفي مفضّل لديك في الكتابة.
- الريف هو المكان الذي نشأتُ فيه، وهو مرتبط بالطفولة من جهة، ومرتبط بمن شكلوا طفولتي وقصيدتي من جهة أخرى، ولذلك فهو ليس خياراً، وإنما جزء من تركيبتي وتاريخي الشخصي والشعري، أحب قريتي "سوف" ولم أتعمد الكتابة عنها، ولكنها بطبيعتها الجبلية، وبخضرتها الدائمة، وببيت أهلي فيها ووجود والديّ، لكل ذلك تظهر في القصيدة بصورة أو بأخرى، أحياناً أفكر بمكافأتها بكتابة قصيدة عنها، فتكافئني هي بالحضور في كل قصيدة، وهو ليس مقصوداً، ولا أفكر فيه عند الكتابة، ولكنها البئر التي غرفت منها مفرداتي وصوري.
* الطفولة أيضاً هي إحدى ينابيعك.. قال شاعر أميركي نسيت اسمه إن الشعراء يكتبون القصائد لتكون آلة زمن العودة إلى الطفولة.. هل تشعرين بذلك؟
- أفضل ما يفعله الشعر لي، ولكل شاعر وشاعرة، هو رأب الصدع بيني وبين العالم الذي بدأ منذ مغادرة الطفولة وظل يتوسع إلى اليوم، لولا الشعر لسقطت في الفراغ السحيق بين ما كان عليه العالم في طفولتي كما بنيته وبنته التربية والأحلام والمكان والزمان فيما يُسمى الطفولة، وبيّن العالم عارياً على حقيقته وقاسياً بالتجارب المختلفة التي خضتها وأخوضها، لكن القصيدة تعود إلى هناك لتداوي جروحها وحتى جروح الطفولة نفسها، الحياة ليست لعباً كلها كما كانت في الطفولة، ولكنها لعب أيضاً بما يتوفر من أدوات بعد النضج وأهم هذه الأدوات هي اللغة، ليس لتزجية الوقت والتسلية، ولكن لاستيعاب الحياة والحفاظ على تلك الطفلة بشغفها وشغبها ولأظل قادرة على مواصلة الحياة ومواجهتها.

* يبدو أنكِ متمسكة بالتفعيلة شكلاً للقصيدة.. ورغم أنكِ كتبت قصيدة النثر إلا أنني أحس بأنك ابنة التفعيلة؟
- أشعر بذلك كذلك، أنا مسكونة بالإيقاع، ولكن المسألة ليست متعلقة بالشكل، ولا حتى بالموضوع، وإنما في البناء ككل، أذهب أحياناً إلى القصيدة العمودية التي أحب إرث الشعر العربي القديم فيها، وأقرؤه باستمرار، ولكني عند كتابة القصيدة العمودية أجد نفسي محبوسة في البناء القديم وغير قادرة على التجديد أو تقديم نفسي وفرض بصمتي، وكتبت قصيدة النثر، ولكني لم أستطع أن أقدم قصيدة نثر خاصة بي، لاسيما أن قصيدة النثر مزالقها كثيرة، وحدودها مائعة، ولكن في التفعيلة أجد فضاء مفتوحاً، وقدرة على التجديد والتغيير والتماسّ مع القصيدتين، وتقديم قصيدة تفعيلة خاصة بي. ولكن هذا ليس متعمداً، الشعر هو الشعر وليس الشكل ولا الموضوع، والقصيدة هي التي تستدعي شكلها الذي تكتب به، وقصيدة التفعيلة هي التي تستدعيني وأقدم من خلالها نفسي وهواجسي وآلامي وأحلامي.

* في ديوانكِ الأخير "امرأة الوقت"، ثمة الكثير من الأسئلة، فهو غني وواسع ومستفز.. هناك قصيدة لكِ اسمها "إربد"، سأسألك عن إربد، مدينتي الجميلة.. كيف أثّرت عليكِ، وماذا تركت فيكِ.. هل تُعلمنا المدن الجميلة الشعر؟
- إربد من أجمل مدن العالم، وأنا شخصياً ارتبطت بها كما ارتبطت بـ"سوف"، ولأنها شكّلتني، وصاغت شخصيتي، وفيها نضجت قصيدتي.. في "سوف" طفولتي، وفي إربد شبابي، وهما محطتان أساسيتان بالنسبة لي، وهما من علمتاني الشعر.

* ثمة قصيدة مثيرة في "امرأة الوقت" تحت عنوان "دون شروط.. كيف تتخيلين كتابة الشعراء بشروط؟
- الشرط الأساسي للشعر أن تكتب نفسك على حقيقتها دون أوهام، ودون شروط مسبقة، ودون كليشيهات شكلية تشبه الفقاعات الشعرية أكثر من الشعر، القصيدة الحقيقية هي التي تُملي شروطها وتحدد شخصية وهوية شاعرها وشاعرتها. المشكلة هي الفوضى الشعرية القائمة اليوم، التي تضيع الشروط، لكنها فوضى لطالما كانت موجودة وقائمة دائماً، ولكن التاريخ يغربل، والزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الشعر.

* سأسالكِ عن تجربتك الأولى في "دوائر الطين".. يبدو أنه كتاب العودة إلى البدايات وثمة صراع بين الطفولة والبلوغ وثمة قلق وجودي.. كيف تنظرين نقدياً إلى المسافة الجمالية بين الكتاب الأول والأخير؟
- بين الديوانين مسافة زمنية طويلة، وأظن أنني تغيرتُ وتغيرتْ قصيدتي، الديوان الأول يشبه لغة الطفل حين يتعلم الكلام، والحقيقة أني لا أستطيع العودة إلى هذا الديوان أو القراءة منه في الأمسيات الشعرية، ومع ذلك سيظل علامة على الأسئلة التي درتُ في فلكها وما زلت أفعل، لكن تتغير الأدوات والأساليب والإجابات وتوليد الأسئلة في فهم الذات والعالم.

* زرتِ فلسطين يا مها.. ما الذي تتذكرينه من زيارتك؟
- فلسطين لا تُشبه إلا الحلم في أيقونيته وقربه وبعده مني، حين وقفنا على مشارفها أنا ومجموعة من الشعراء والشاعرات انتابتنا موجة من البكاء، كيف ترى حلمك واقفاً على قدميه، مترجلاً من قيود الجغرافيا والتاريخ والاحتلال. رأيتها بعيني قلبي ولذلك ظل جزء مني هناك لم أستطع استعادته حتى الآن لا بالحلم ولا بالقصيدة، ما زلت أتمنى أن أكتب قصيدتها كما رأيتها وكما شعرت بها، لعلي أستعيد ذلك الجزء مني الذي تركته فيها، ستظل فلسطين بوصلتنا وفردوسنا المفقود الذي نأمل ونحلم باستعادته حقيقة وقصيدة.

 

أخبار متعلقة :