الكويت الاخباري

كيف نجت أميركا من ركود محقق رغم الرسوم الجمركية؟ - الكويت الاخباري

رغم التحذيرات المتكررة من دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم "يوم التحرير" في 2 أبريل/نيسان الماضي، أظهرت المؤشرات الاقتصادية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة صمودًا مفاجئًا، بل وانتعاشًا في بعض القطاعات، ما فاجأ المحللين وأربك التوقعات المتشائمة.

الرسوم المفاجئة وارتباك الأسواق

وجاء في تقرير للفايننشال تايمز، إنه عندما أعلن ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات، هوت الأسواق في اليوم ذاته، وتوقعت مؤسسات مالية كبرى دخول البلاد في ركود خلال عام 2025.

معدل الرسوم الجمركية الفعّالة في الولايات المتحدة وصل إلى 12% (شترستوك)

إلا أن إعلان ترامب بعد أسبوع عن تجميد مؤقت لمدة 90 يومًا لمعظم الرسوم، هدّأ الأسواق مؤقتًا، خصوصًا مع اقتراب موعد انتهاء هذه المهلة في 9 يوليو/تموز الحالي، قبل أن يعلن ترامب تمديد هذه المهلة إلى الأول من أغسطس/آب المقبل.

وعندما هدد الرئيس بإرسال رسائل تُعلن انتهاء المفاوضات وعودة الرسوم، لم تبدِ الأسواق قلقها كما حدث في أبريل/نيسان.

يشار إلى أن الرئيس الأميركي وقّع أمس الاثنين أمرا تنفيذيا يمدد تاريخ سريان الرسوم الجمركية "المتبادلة" حتى أول أغسطس/آب المقبل.

وقال إن الموعد النهائي المحدد لسريان الرسوم الجمركية الأميركية في أول أغسطس/آب ثابت، لكنه منفتح على أي تمديد في حال قدمت الدول مقترحات.

مخزونات الشركات تخفف الصدمة

وتجنبت الشركات الأميركية الصدمة الأولى من الرسوم بتخزين كميات ضخمة من البضائع المستوردة مطلع العام، وهو ما أدى في تناقض إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول بسبب زيادة غير طبيعية في الواردات.

لكن هذه المخزونات بدأت تنفد حاليًا، ما يعني عودة الشركات تدريجيًا إلى الاستيراد وفقًا للأسعار الجديدة.

وبحسب التقرير، بلغت الإيرادات الجمركية الشهر الماضي أكثر من ثلاثة أضعاف متوسطها خلال السنوات الأخيرة، مما وضع الشركات أمام خيارين:

امتصاص التكاليف الجديدة وتقليل هوامش الأرباح أو تحميل المستهلكين الفرق

إعلان

واختارت الغالبية الخيار الأول، وفضلت انتظار قرارات ترامب المقبلة قبل اتخاذ خطوات قد تنفّر المستهلكين بأسعار مرتفعة.

ويلاحظ الخبراء أن معدل التضخم لا يزال أعلى قليلًا من هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%، دون وجود تأثير مباشر واضح من الرسوم على أسعار التجزئة.

الرسوم ترفع الأسعار ببطء

وأظهرت دراسة أجراها البروفيسور ألبرتو كافالو من كلية هارفرد لإدارة الأعمال، أن هناك ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 1% إلى 2% في أسعار السلع المتأثرة بالرسوم، سواء المستوردة أو البديلة المحلية، وهو رقم أقل بكثير من معدل الزيادة الفعلي في الرسوم الجمركية.

وفقًا لمؤسسة الضرائب الأميركية، بلغ معدل الرسوم الفعّال على الواردات في أميركا الآن 12%، وهو الأعلى منذ ما يقرب من قرن. وإذا أعاد ترامب تفعيل الرسوم بالكامل، فسيرتفع المعدل أكثر، ما قد يؤثر في مستويات الثقة والاستهلاك.

تباطؤ في غير ركود

وبدأت بعض المؤشرات "الصلبة" تعكس التأثير الاقتصادي الحقيقي:

الإنفاق الاستهلاكي انخفض في شهر مايو/أيار مقارنة بالشهر السابق. أرقام التوظيف في يونيو/حزيران كانت جيدة نسبيًا، لكنها دعمت بشكل أساسي من التوظيف الحكومي، خصوصًا في قطاع التعليم. القطاع الخاص سجل أرقامًا دون المتوقع.

وتشير تقديرات بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا إلى أن معدل النمو السنوي المجمّع للاستثمار والاستهلاك الخاص تراجع من 2%–3% في بداية الربع الثاني إلى 1% حاليًا، وهو انخفاض يُقارن تاريخيًا بصدمة "الأحداث المفاجئة" التي سببت ركودًا في الماضي، بحسب تحليل بنك غولدمان ساكس.

اقتصاد مرن وديناميكي

ورغم كل هذه الضغوط، يبقى الاقتصاد الأميركي قويًا مقارنة بنظرائه من الاقتصادات الغنية، فمنذ عام 2022، ينمو الاقتصاد الأميركي بوتيرة مستقرة بين 2% إلى 3% سنويًا، وتُعزى هذه الديناميكية إلى قوة الاستهلاك المحلي، ومرونة سوق العمل، وتدخلات سياسية مالية مباشرة.

الإنفاق الاستهلاكي تراجع في شهر مايو/أيار مقارنة بالشهر السابق، في أول إشارة واضحة ضمن البيانات "الصلبة" إلى تأثير الرسوم (غيتي)

ومن ضمن هذه التدخلات، يُعد قانون ترامب الأخير، المعروف باسم "مشروع القانون الكبير والجميل"، مصدر دعم مالي قوي للاقتصاد على المدى القريب، رغم ما قد يسببه لاحقًا من أعباء تضخمية على الاحتياطي الفدرالي.

ووفقًا لتجربة بريطانيا بعد "بريكست"، فإن مجرد الغموض السياسي قادر على كبح الاستثمار فترة طويلة حتى دون تغييرات اقتصادية حقيقية.

وتشير تقارير فايننشال تايمز إلى أن الولايات المتحدة أصبحت حاليًا واحدة من أكثر الدول "تقلبًا وغموضًا" في سياساتها الاقتصادية، وهو ما يُترجم إلى ضعف في خطط التوسع والاستثمار طويل الأمد لدى الشركات.

ورغم أن تأثير الرسوم الجمركية لم يكن كارثيًا حتى الآن، فإن الاقتصاد الأميركي يتحرك على حافة دقيقة بين الصمود والانكماش. فالرسوم حتى اللحظة لم تُترجم إلى أزمة استهلاكية أو ركود تقني، لكن آثارها تُبطّن الأرقام الاقتصادية، وتخلق بيئة من الشك يصعب تجاهلها.

ويختتم التقرير: "ليست هذه لحظة انتصار لترامب، لكنها أيضًا ليست كارثة اقتصادية كما خشي بعضهم. ما يحدث هو معركة صامتة بين شعبوية السياسة وقوة السوق الأميركية".

إعلان

وبينما يترقّب الجميع نهاية المهلة في 9 يوليو/تموز الحالي، يبدو أن مصير النمو الأميركي رهينة قرارات فردية… أكثر من كونه نتاج قوانين السوق الحرة.

أخبار متعلقة :