في خطوة ذات رمزية تاريخية وسياسية لافتة، اختار رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن يوجّه خطابه بمناسبة العيد المئوي للقوات المسلحة من أمام معبد الأسد في البجراوية شمال السودان، أحد أبرز شواهد حضارة كوش ومروي العريقة.
معبد الأسد… إرث يتجاوز الألفي عام
يرجع تاريخ معبد الأسد إلى أكثر من 2000 عام، إذ شُيّد في عهد مملكة مروي القديمة تكريمًا للإله أباداماك، إله الحرب والحماية في الميثولوجيا المروية.
ويُصوَّر أباداماك برأس أسد وجسد إنسان، رمزًا للشجاعة والقوة والبأس العسكري، وكان المعبد مركزًا روحيًا وعسكريًا مهمًا في زمن الملوك الكوشيين الذين حكموا وادي النيل الأوسط.
المعبد نفسه يتميز بنقوش وزخارف فريدة تُجسّد مشاهد حربية وطقوس دينية، تحاكي عقيدة مقاتلة شرسة، وتوثّق انتصارات عسكرية على مدى قرون، مما جعله أيقونة معمارية وحضارية ذات بعد عسكري واضح.
رسائل البرهان من أمام المعبد
اختيار البرهان لهذا الموقع لم يكن عشوائيًا، بل جاء محمّلًا برسائل سياسية وعسكرية إلى الداخل والخارج، أبرزها:
ربط الحاضر بالماضي: التأكيد على أن الجيش السوداني امتداد لسلسلة طويلة من القوة والسيادة، وليس جيشًا وليد اللحظة.
هوية حضارية مستقلة: الإشارة إلى أن السودان أمة ضاربة الجذور في التاريخ، لا تختزل هويتها في بعدها العربي فقط، بل هي وريثة حضارة نوبية أفريقية عظيمة.
تحفيز المؤسسة العسكرية: تذكير الضباط والجنود بأنهم أحفاد محاربين أسطوريين لا يعرفون الانكسار.
رسالة للمجتمع الدولي: دعوة للتعامل مع السودان كدولة صاحبة إرث حضاري عريق، ورفض أي محاولات لتهميشها أو التقليل من مكانتها.
رمزية الموقع في العقيدة القتالية
الإله أباداماك، الذي يُعبد في هذا المعبد، كان يُجسّد العقيدة الهجومية القوية للجيش المروي، الذي توسع نفوذه إلى مناطق بعيدة، ما يعكس رسالة البرهان الضمنية بأن القوات المسلحة السودانية قادرة على التحول من الدفاع إلى الهجوم إذا اقتضت الظروف.
في النهاية؛ من أمام معبد الأسد، حيث نُقشت الانتصارات على الحجر قبل آلاف السنين، أراد البرهان أن يوجّه للعالم رسالة مفادها أن الجيش السوداني سيظل الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات، تمامًا كما فعل أجداد مروي وكوش في مواجهة الغزاة عبر التاريخ.
أخبار متعلقة :