الكويت الاخباري

أحمد الأشعل يكتب: مصر والأردن.. تحالف لا تهزه العواصف - الكويت الاخباري

زيارة رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي إلى عمّان لحضور اجتماعات اللجنة العليا المشتركة المصرية–الأردنية لم تكن مجرد محطة في أجندة دبلوماسية مزدحمة، بل كانت حدثاً يعيد التأكيد، أن العلاقات بين القاهرة وعمّان هي واحدة من أكثر العلاقات العربية رسوخاً واستقراراً في العقود الأخيرة. ففي وقت تتقلب فيه موازين القوى الإقليمية، وتتصاعد الأزمات من فلسطين إلى الخليج، يظل المحور المصري–الأردني ثابتاً كجبلين متقابلين يحميان وادياً عربياً ممتداً من الانكسار. ومن هنا تأتي أهمية اللجنة العليا المشتركة التي انعقدت في دورتها الـ33، فهي ليست اجتماعاً بروتوكولياً أو تبادل كلمات دبلوماسية، بل منصة لتجديد العهد على شراكة قائمة على الثقة والمصالح المتبادلة.

مصر والأردن ليستا مجرد جارتين في الخريطة السياسية للعالم العربي، بل هما شريكتان في التاريخ والمصير. فمنذ عقود، كانت القاهرة وعمّان على موقف واحد في دعم القضية الفلسطينية، ورفض أي حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني أو تفرض عليه واقعاً جديداً بالقوة. وفي كل محطة مفصلية، نجد أن صوت العاصمتين يخرج موحداً: لا للتوطين، لا للتهجير، لا للمساس بالقدس. وهذه العلاقة لا تقوم فقط على البعد السياسي، بل تمتد إلى مجالات الاقتصاد والطاقة والنقل والتعليم والصحة، وهو ما ظهر جلياً في هذه الزيارة، حيث شهدت المباحثات نقلة نوعية في ملفات التعاون، بدءاً من زيادة التبادل التجاري، مروراً بمشاريع الطاقة المشتركة، وصولاً إلى خطط استثمارية جديدة تشمل فكرة إنشاء مدينة إدارية أردنية مستوحاة من تجربة العاصمة الإدارية المصرية، وهو مشروع إذا تم سيضع بصمة مصرية في قلب التنمية الأردنية.

هذه الشراكة ليست مجرد تعاون، بل هي شبكة أمان حقيقية. ففي هذا الزمن، التحالفات التي تقوم على المصالح المؤقتة سرعان ما تنهار عند أول أزمة، لكن الشراكة المصرية–الأردنية أثبتت أنها شراكة إستراتيجية طويلة المدى، تقوم على رصيد كبير من الثقة وتجارب عديدة من الدعم المتبادل، سواء في الملفات السياسية أو الإنسانية أو الاقتصادية. وعلى الصعيد الإقليمي، تتقاطع أولويات البلدين في الحفاظ على استقرار المنطقة، ومواجهة الإرهاب، ورفض أي محاولات لفرض حلول أحادية على الشعوب العربية. أما على الصعيد الاقتصادي، فيدرك الطرفان أن التكامل هو السبيل لتعزيز القدرة على مواجهة التحديات العالمية، من أزمات الطاقة والغذاء إلى تقلبات الأسواق.

ولا يمكن الحديث عن العلاقات المصرية–الأردنية دون الوقوف أمام موقفهما المشترك من القضية الفلسطينية، الذي ظل ثابتاً مهما تغيرت الحكومات أو تبدلت الظروف. فالأردن بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه مع الضفة الغربية، ومصر بحكم ثقلها الإقليمي ودورها التاريخي في دعم الشعب الفلسطيني، يدركان أن أي مساس بهذه القضية سيكون له انعكاسات خطيرة على الأمن القومي العربي كله. ومن هنا جاءت الرسائل الواضحة خلال هذه الزيارة: لا تهجير، لا استيطان، ولا تنازل عن حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وهي رسائل تكتسب قوتها من وضوحها، ومن أنها تصدر بصوت واحد من بلدين يملكان ثقلاً سياسياً حقيقياً في المنطقة.

ورغم أن البعض قد يرى أن مثل هذه الاجتماعات الدورية لا تحمل زخماً إعلامياً كبيراً، فإن الحقيقة أنها هي التي تصنع المستقبل. ففي غرف الاجتماعات وعلى طاولات التفاوض يتم وضع الأسس لمشاريع ستظهر نتائجها بعد سنوات، وتبنى شبكات تعاون اقتصادية وفنية وأمنية تصمد أمام التحديات. واللجنة العليا المصرية–الأردنية نموذج للعمل العربي المشترك بعيداً عن الشعارات، حيث تجمع الوزراء والخبراء من البلدين لتنسيق الجهود في مجالات محددة وملموسة، من تطوير الموانئ والمعابر، إلى تنسيق السياسات الزراعية والصناعية، وصولاً إلى دعم الشركات والمستثمرين.

ما بعد هذه الزيارة لن يكون كما قبلها، فالأجواء التي سادت المباحثات، وحجم الملفات المطروحة، والاتفاق على آليات متابعة وتنفيذ، كلها مؤشرات على أن العلاقات المصرية–الأردنية تدخل مرحلة أكثر عمقاً. إنها مرحلة الانتقال من التنسيق التقليدي إلى الشراكة الشاملة، التي تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن. والأهم أن هذه العلاقات تقدم نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه العمل العربي المشترك إذا توافرت الإرادة والرؤية: علاقات تقوم على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والمواقف الثابتة من القضايا المصيرية، وتحالفات لا تهزها رياح السياسة العابرة، بل تزداد صلابة كلما اشتدت العواصف.

أخبار متعلقة :