بعد مرور أكثر من عامين على المأساة التي هزت العالم، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عن نتائج تحقيق مطوّل أجراه خفر السواحل الأمريكي بشأن الغواصة "تيتان" التابعة لشركة "أوشن جيت"، والتي انفجرت أثناء رحلة استكشافية إلى حطام سفينة "تيتانيك". التحقيق، الذي امتد على مدار عامين وتضمن تقريرًا مفصلًا من 335 صفحة، ألقى الضوء على سلسلة من الإهمالات التقنية والإدارية التي أدت إلى مقتل جميع من كانوا على متن الغواصة الخمسة.
تصميم غير مؤهل لمخاطر الأعماق
أولى الملاحظات التي أوردها التحقيق أن الشركة المصنعة "أوشن جيت" لم تلتزم بالمبادئ الهندسية الأساسية في تصميم الغواصة، رغم معرفتها المسبقة بطبيعة البيئة البحرية الخطرة التي ستعمل فيها. كما لم تُجرِ أي تحليل شامل لتحديد دورة حياة الغواصة وتوقع أدائها على المدى الطويل، ما جعلها عرضة للفشل مع تكرار الاستخدام.
تجاهل التحذيرات وتكرار الحوادث
رغم تعرض "تيتان" لسلسلة من الحوادث الفنية في رحلات سابقة، تجاهلت الشركة تقييم تأثير تلك الحوادث بشكل علمي، واستمرت في تشغيل الغواصة دون اتخاذ إجراءات تصحيحية. وتبيّن أن الشركة اعتمدت بشكل مبالغ فيه على نظام المراقبة اللحظية لحالة الغواصة، دون تحليل فعلي للبيانات التي كان يمكن أن تنذر بالخطر.
مواد خطرة.. وبيئة عمل أكثر خطورة
واحدة من أخطر العوامل كانت استخدام الشركة لألياف الكربون في بناء الهيكل الخارجي للغواصة، وهي مادة لم تُختبر بشكل كافٍ لتحمّل ضغوط الأعماق الكبيرة، مما أدى إلى ضعف في السلامة الهيكلية. وفي الوقت ذاته، كشفت التحقيقات عن بيئة عمل "سامة" داخل أوشن جيت، حيث استُخدمت سياسة فصل الموظفين كأداة لترهيب المعترضين على سياسات السلامة، ومنعهم من التعبير عن مخاوفهم الفنية.
ثقافة قيادة متهورة
أشار التقرير إلى أن ستوكتون راش، الرئيس التنفيذي للشركة، روّج لـ"تيتان" على أنها غير قابلة للتدمير، مما منح الركاب شعورًا زائفًا بالأمان. وبدلًا من إعطاء الأولوية للسلامة، فضّلت الإدارة العليا تغليب الأهداف المالية وتوقعات العملاء، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح البشر.
نتيجة مأساوية كان يمكن تفاديها
التحقيق خلص إلى أن انهيار هيكل الغواصة أدى إلى انفجار داخلي عنيف بسبب الضغط المائي الهائل، والمُقدّر بنحو 4930 رطلًا لكل بوصة مربعة، مما أسفر عن مقتل جميع الركاب فورًا. وبيّن التقرير أن التدخل المبكر بالنظر إلى سلسلة الإخفاقات السابقة كان من الممكن أن ينقذ الأرواح لو تم اتخاذ القرار بعدم إطلاق الرحلة.
مأساة تحمل دروسًا قاسية
ما حدث لـ"تيتان" لم يكن مجرد حادث عابر، بل نتيجة تراكمات من الإهمال الإداري والتقني، وثقافة مؤسسية معيبة تجاه السلامة. التقرير الذي أصدره خفر السواحل الأمريكي لا يكشف فقط أسباب الكارثة، بل يوجه رسالة قوية إلى كل من يعمل في بيئات خطرة: لا مجال للمجازفة حين تكون الأرواح على المحك.
أخبار متعلقة :