الكويت الاخباري

"القوى الخفية" دمرت الرياضة الشبابية في أميركا - الكويت الاخباري

تحوّلت الألعاب الرياضية في العصر الحديث من مجرد نشاط بدني ممتع ومجاني إلى صناعة تجارية مكلفة وآلة لكسب الأموال يقودها الأغنياء.

وألقى ذلك بظلال سلبية على شرائح واسعة من المجتمعات، حيث أدى إلى استبعاد الأطفال من الأسر محدودة الدخل من الالتحاق بالأندية الرياضية وزيادة الضغوط النفسية والبدنية على الرياضيين، بسبب التركيز المفرط على الفوز بدلا من المتعة وتحقيق الفائدة الصحية.

وبحسب موقع "فوكس" الأميركي الذي سلّط الضوء على هذه الظاهرة، فإنه على مدى العقود القليلة الماضية تحولت الرياضة الشبابية في الولايات المتحدة إلى "تجارة كبيرة"، إذ حلت الفرق الخاصة المدفوعة محل فرق الحدائق والمجتمعات المجانية وغالبا بتكاليف باهظة.

وعلى مر التاريخ كانت الرياضة الشبابية تحظى بمكانة كبيرة لدى العائلات الأميركية، وهي مصطلح يشير إلى الأنشطة الرياضية التي يشارك فيها الأطفال والمراهقون والشباب في مراحل الدراسة، قبل الانتقال إلى المستوى الاحترافي أو الجامعي.

وأنفقت الأسر المتوسطة أكثر من مليار دولار على الرياضة الأساسية لأطفالها خلال عام 2024، بزيادة قدرها 46% منذ عام 2019، بمتوسط 25 ألف دولار تقريبا للأسرة الواحدة، وذلك وفق مسح أجراه معهد آسبن للدراسات الإنسانية ومقره واشنطن.

تغيّر الهدف الأساسي للرياضة

وتغيّر الهدف الأساسي للرياضة، إذ بات الأهالي ينظرون إليها على أنها وسيلة للحصول على مكتسبات معينة، مثل حصول أولادهم على منح جامعية بدلا من كونها وسيلة ممتعة لقضاء الإجازات.

ومع سيطرة برامج على شاكلة "ادفع لتلعب"، تجد الأسر نفسها إما عاجزة عن الدفع أو منجرفة في التيار رغم رغبتها في نهج أكثر هدوءا.

وعادت هذه البرامج بنتائج سلبية على الأطفال، سواء أولئك الذين يُحرمون من اللعب بسبب التكاليف العالية أو الذين يخضعون لضغوطها ما يعرّضهم للاكتئاب والقلق.

الأسر المتوسطة في الولايات المتحدة أنفقت أكثر من مليار دولار على الرياضة الأساسية لأطفالها خلال عام 2024 (غيتي)

كما يتسبب ذلك بأعباء بدنية واقتصادية ونفسية على الآباء والأمهات الذين أصبحت حياتهم تدور حول نقل أبنائهم من وإلى الفعاليات الرياضية، والأسوأ أن ذلك فتح الباب "لتحويل الرياضة إلى ساحة صراع ثقافي، وبديل ناقص عن شبكة أمان اجتماعي حقيقي" على حد وصف الموقع ذاته.

إعلان

وتقول ليندا فلاناغان وهي مؤلفة كتاب استعادة اللعبة إن "فكرة أن تكون الأنشطة الرياضية هي المبدأ المنظّم لحياة الأسرة هو أمر جنوني، فالرياضة ليست بهذه الأهمية" وفق رأيها.

مأسسة الرياضة

وبدأ ما يُعرف "بمأسسة" (إضفاء الطابع المؤسسي) الرياضة الشبابية في أميركا في سبعينيات القرن الماضي، حين أدت معدلات التضخم إلى تقليص إدارات الترفيه البلدية لميزانياتها والتخلص من البرامج الرياضية المجانية، لتستغل الشركات الخاصة والمنظمات غير الربحية هذا الفراغ، وتأتي ببرامج رياضية جديدة مقابل رسوم.

في الوقت نفسه كانت تكاليف الدراسة الجامعية في ارتفاع والمنافسة على القبول تتصاعد، ما جعل الآباء يبحثون بيأس عن نوافذ أخرى.

وعن ذلك قالت جيسيكا كالاركو أستاذة علم الاجتماع في جامعة ويسكونسن- ماديسون: "قدمت الرياضة تلك الميزة بطريقتين. فمن جهة يمكن للرياضيين الموهوبين الذين لا تستطيع أسرهم تحمّل نفقات الجامعة السعي وراء منح رياضية".

وتابعت "من جهة أخرى، يمكن لأبناء الطبقة الوسطى، الذين قد لا يحصلون على القبول بفضل تحصيلهم الأكاديمي وحده، الاعتماد على الرياضة كشكل غير مُعترف به كثيرا من أشكال التمييز الإيجابي".

وأوضحت كالاركو "حين ينفق الآباء آلاف الدولارات على رياضة أطفالهم، ينظرون إلى ذلك على أنه فرصة لمساعدتهم على دخول مدرسة لم تكن لتقبلهم لمؤهلاتهم الأكاديمية فقط".

ويتم تشجيع الأطفال اليوم على التخصص في رياضة واحدة طوال العام، وتبدأ الضغوط عليهم من سن الرابعة أو الخامسة، ولأن التركيز أصبح منصبا على الفوز أكثر من الترفيه والمتعة، يتم التخلي عن الراحة واللعب الحر.

ارتفاع معدلات التضخم تسبب بتقليص إدارات الترفيه البلدية لميزانياتها والتخلص من البرامج الرياضية المجانية (غيتي)

وازداد معدّل الإصابات بالرباط الصليبي الأمامي بين الأطفال نتيجة اللعب المكثف بنسبة 25.9% بين عامي 2007 و2022.

كما أظهرت الدراسات أن القلق بين رياضيي المدارس الثانوية في ارتفاع وأن أكثر من نصفهم يعانون من التوتر، بينهم 15% وصفوا أنفسهم بأنهم "متوترون للغاية".

رأي الخبراء

يرى الخبراء أن هذا التحول يُعد جزءا من نزعة أوسع في المجتمع الأميركي، فغياب شبكة الأمان الاجتماعي يدفع الآباء إلى البحث عن ضمانات لمستقبل أبنائهم، بما في ذلك عبر الرياضة.

لكن الاستثمار في الرياضة ليس مجديا دائما، فقط نحو 6% من رياضيي المدارس الثانوية يلعبون في الجامعات وفئة أقل تحصل على منح، وعليه فإنه "إذا كان هدف العائلات هو التعليم فربما كان من الأفضل استثمار الأموال في حسابات ادخار جامعية".

أخبار متعلقة :