واشنطن – قبل ساعات قليلة من مغادرته موسكو في طريقه إلى ولاية ألاسكا، غازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأميركي دونالد ترامب بإشادته "بجهود ترامب النشطة والمخلصة" لوقف الحرب في أوكرانيا، لكنه أيضا حاول تخفيف تركيز القمة على تلك الحرب عبر إظهار الاهتمام بمناقشة قضايا أخرى كالتجارة والحد من التسلح.
وفي الوقت ذاته، بعث بوتين برسائل قوية لواشنطن قبل القمة بأيام من خلال اختراق القوات الروسية بعض خطوط الدفاع الأوكرانية في مواقع تماس بشرق أوكرانيا، ما دفع لزيادة قلق الكثير من الخبراء الأميركيين الذين يدركون عدم إلمام ترامب بتفاصيل الصراع، واستعجاله لتحقيق وقف إطلاق النار يكون له الفضل في تحقيقه دون اكتراث بتبعات ذلك على الأمن الأوروبي أو بمصالح واشنطن طويلة الأجل.
ومع ذلك، يدخل ترامب الاجتماع بفهم واضح لحدوده، إذ لا يمكنه التفاوض أو الالتزام بأي مطالب روسية نيابة عن أوكرانيا. وبشكل عام، ورغم أهميته الرمزية، من غير المرجح أن يسفر اللقاء عن اتفاق ملموس أو انفراجه نحو إنهاء الحرب.
تأرجح ترامب
وعكست 3 مواقف على مدار الأشهر الستة الأخيرة تأرجح الرئيس ترامب الكبير تجاه الحرب الأوكرانية الروسية، ولاعبيها الأساسيين، الرئيسين فولوديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين.
وجاء الموقف الأول في مشهد تاريخي سينمائي داخل البيت الأبيض يوم 28 فبراير/شباط، عندما هاجم ترامب ونائبه جي دي فانس زيلينسكي في بث متلفز على الهواء مباشرة، وهو ما اعتبره المسؤولون الأوكرانيون وقادة حلف الناتو الآخرون كارثة.
وقال ترامب لزيلينسكي "لقد فعلت ما يكفي من التحدث، أنت لا تنتصر بهذا"، ثم انتقد ترامب في وقت لاحق زيلنيسكي عبر تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، كتب فيها "لم يحترم الولايات المتحدة في مكتبها البيضاوي العزيز، يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام".
إعلان
وكان المشهد الثاني يوم 24 يونيو/حزيران الماضي، عندما التقى ترامب زيلينسكي وقادة آخرين في حلف الناتو بقمة في مدينة لاهاي، حيث أشاد علنا بالتحالف وأصلح علاقاته مع الرئيس الأوكراني.
وأشار ترامب من هناك إلى توتر علاقاته الشخصية مع بوتين في ظل استمرار الحرب، قائلا عن الرئيس الروسي "إنها فوضى بالنسبة له، اتصل قبل أيام، وقال: هل يمكنني مساعدتك في إيران؟ قلت: لا، يمكنك مساعدتي فيما يتعلق بروسيا".
وفي 8 يوليو/تموز الماضي، جاء الموقف الثالث الذي أشار فيه ترامب إلى أنه سئم الرئيس بوتين، وقال للصحفيين خلال اجتماع لمجلس وزرائه إنه "غير سعيد" بالزعيم الروسي، وأنه سمح للبنتاغون بمعاودة إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. وأضاف ترامب "بوتين لا يعامل البشر بشكل صحيح، لذلك نحن نرسل بعض الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا، وقد وافقت على ذلك".
ولم يطمئن هذا التأرجح حلفاء أوكرانيا في واشنطن، خاصة مع إدراكهم الواسع أن صبر ترامب قد شارف على النفاد.
أجندة وتوقعات
وفي ظل الصراع الدموي المستمر لأكثر من 3 أعوام، يعتزم ترامب إعادة بناء أساس للحوار المباشر والشخصي مع بوتين، وهذا الجهد ليس رمزيا فحسب، بل يعكس التزاما إستراتيجيا باستعادة قنوات الاتصال التي قد تنهي الحرب بشكل مقبول أيضا لأوكرانيا.
وفي السياق، أشار خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن ترامب "وبمشاركته المباشرة سيحدد خطوطا حمراء واضحة، بالرغم من أنه يبقى أن نرى ما سيكون شكلها النهائي؟ وسيدين ترامب بشدة الهجمات الروسية على أهداف مدنية بأوكرانيا، ويطالب بوتين بإيقافها، والأهم من ذلك أن ترامب سيدعو لوقف إطلاق نار غير مشروط".
واعتبر بوستزتاي أن "أجندة القمة ستدور حول العديد من القضايا المثيرة للجدل"، وأن أبرزها -حسب اعتقاده- "عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو، حيث سيطمئن ترامب بوتين بأن مثل هذه الخطوة غير مطروحة، مما يشير إلى أنه لا يوجد توسع آخر للتحالف شرقا".
وبعيدا عن الناتو -يضيف بوستزتاي- مرجحا "أن تتطرق المحادثات لضمانات أمنية أوسع نطاقا بنهاية المطاف من القوى الغربية لأوكرانيا، وهي إجراءات تهدف من وجهة نظر غربية لتحقيق الاستقرار في المنطقة دون إثارة المزيد من التصعيد، وستكون مطالبات روسيا الإقليمية والهيكل المستقبلي للقوات المسلحة الأوكرانية ودورها وتسليحها من النقاط الرئيسية في المناقشة".
غياب زيلينسكي
ومن وجهة نظر ترامب، يُعد غياب زيلينسكي أمرا طبيعيا، إذ إن القمة لا تهدف للتوصل لاتفاق نهائي، ويعتقد الخبير بوستزتاي "أن ترامب يريد إرساء الأساس للمفاوضات من منظور أميركي دون أن يقاطعه زيلينسكي، معتمدا بهذا النهج على تجربته مع زيلينسكي خلال اجتماعهما أواخر فبراير/شباط الماضي".
وحول مدى واقعية التوصل لاتفاق سلام بالنظر للتباين الكبير بين مواقف موسكو وكييف، قال بوستزتاي ردا على سؤال الجزيرة نت "إنه، حتى لو تلقت روسيا تأكيدات بأن أوكرانيا لن تنضم للناتو، وتم التوصل لاتفاق بشأن مستقبل القوات المسلحة الأوكرانية، فإن اتفاق السلام بين روسيا وأوكرانيا ليس واقعيا في المستقبل القريب على أي حال".
إعلان
وأضاف "لن تتنازل أوكرانيا عن الأراضي التي تحتلها روسيا، هذا محظور أيضا بموجب الدستور الأوكراني، في المقابل، لن تتخلى موسكو عن مطالبها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا".
مجموعة نتائج
ويمكن أن تسفر القمة عن مجموعة من النتائج، كما كتبت خبيرة السياسة الخارجية الأميركية إيما آشفورد، في مجلة فورين بوليسي، مضيفا أنه على الجانب الإيجابي، يمكن أن تبدأ محادثة مستمرة ومثمرة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن اتفاق سلام كامل -اتفاق مستساغ لأوكرانيا وأوروبا- غير مرجح.
وتابعت متسائلة "لماذا توافق روسيا، التي تنتصر حاليا في ساحة المعركة ولديها اقتصاد متضرر، لكنه لا يزال مرنا إلى حد كبير، على وقف القتال مقابل لا شيء؟".
في المقابل، وعلى الجانب السلبي -تواصل آشفورد- ربما يكون بوتين قد نصب فخا لترامب، وبعد أن وعد ترامب بإنهاء الحرب سريعا خلال حملته الانتخابية، فإن الأخير، قبل كل شيء، يائس من توقف القتال، ويخشى المراقبون من أنه نتيجة لذلك، قد يوافق على شروط بوتين بغض النظر عما تريده أوكرانيا.
وفعلا قال ترامب مؤخرا إن روسيا وأوكرانيا ستحتاجان إلى "تبادل الأراضي" (دون تحديد أي منها). لكن ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا مستعدة للتخلي عن أي شيء.
وإذا رفض الرئيس زيلينسكي صفقة، بغض النظر عن مدى أحادية الجانب، في ذهن ترامب، فإن كييف ستكون -فجأة- العقبة الرئيسية أمام السلام، وقد يؤدي ذلك لقيام ترامب مرة أخرى بإطلاق العنان لغضبه على زيلينسكي، مع عواقب وخيمة محتملة على قدرة أوكرانيا على مواصلة خوض الحرب.
أخبار متعلقة :