الكويت الاخباري

خريطة إسرائيل تفضح خطط نتنياهو - الكويت الاخباري

في تصريح يعرّي جوهر المشروع الصهيوني، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ارتباطه العميق برؤية "إسرائيل الكبرى"، محددا بذلك ملامح عقيدة توسعية ممتدة منذ نشأة الحركة الصهيونية، تتجاوز حدود الدولة المعترف بها دوليا، وتفتح شهية الاستيطان والضم على حساب أراضٍ عربية وفلسطينية.

لم يكن هذا التصريح زلة لسان أو استفزازا عابرا، بل إفصاحا متعمدا عن مشروع أيديولوجي راسخ ظل حاضرا في الفكر والسياسة الإسرائيلية، يتجدد كلما سنحت الظروف الإقليمية والدولية.

يستعرض هذا المقال الجذور التاريخية والفكرية لمفهوم "إسرائيل الكبرى" منذ بواكير الصهيونية التصحيحية وصولا إلى ظهوره الصريح مجددا في خطاب نتنياهو، ويحلل أبعاد هذا التصريح بين خلفيته الأيديولوجية وحساباته السياسية الراهنة.

كما يناقش ردود الفعل الإقليمية والدولية والدلالات القانونية والسياسية المترتبة عليه، بما في ذلك الأسئلة الصادمة حول جدوى اتفاقيات السلام والتطبيع، ومدى الحاجة إلى وحدة الصف في مواجهة مشروع استعماري يعلن نفسه بلا مواربة.

مفهوم "إسرائيل الكبرى" والسياق التاريخي

يشير مصطلح "إسرائيل الكبرى" إلى رؤية توسعية لحدود الدولة الإسرائيلية، تستند في بعض صيغها إلى أوصاف توراتية وأخرى تاريخية.

وتختلف النسخ المطروحة لهذه الرؤية، إذ يمتد بعضها ليشمل كامل أرض فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر) وأجزاء من دول الجوار، بينما تتبنى الصيغ الأكثر تطرفا ضم أجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر، بل وربما العراق وشبه الجزيرة العربية.

برز هذا المصطلح بقوة بعد حرب يونيو/حزيران 1967، حين سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، إلى جانب سيناء، والجولان.

لكن جذور الفكرة أعمق من ذلك؛ فقد تبنى تيار الصهيونية التصحيحية بقيادة زئيف جابوتنسكي- الأب الروحي لتيار الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو- فكرة "إسرائيل الكبرى" باعتبار أن الوطن القومي اليهودي يجب أن يمتد ليشمل فلسطين الانتدابية بشطريها؛ الغربي والشرقي، أي كامل فلسطين التاريخية بما فيها الضفة وغزة، إضافة إلى شرق الأردن (الأردن الحالية). ورفع التصحيحيون آنذاك شعار: "ضفتا الأردن لنا" تأكيدا لاعتقادهم بحق إسرائيل في الضفة الشرقية للنهر.

إعلان

تاريخيا، تفاوت الموقف الإسرائيلي من هذه الرؤية. فبعد توسعها الكبير في 1967، أعادت إسرائيل سيناء لمصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد 1979، لكنها ضمت القدس الشرقية، والجولان رسميا بقوانين أحادية رفضها المجتمع الدولي.

أما الضفة الغربية وقطاع غزة، فبقِيا تحت الاحتلال المباشر من دون إعلان ضم رسمي، رغم سياسات الاستيطان الكثيف التي عززت السيطرة الفعلية عليهما.

وفي ظل اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، التي فتحت الباب نظريا أمام قيام دولة فلسطينية، تراجع استخدام مصطلح "إسرائيل الكبرى" في الخطاب الرسمي، لكنه ظل حاضرا في أوساط اليمين القومي والديني.

حزب الليكود، منذ تأسيسه، عارض بشدة إقامة دولة فلسطينية، ووضع في برامجه المبكرة تعهدا بعدم التنازل عن الضفة وغزة. ورغم أن نتنياهو قدم في خطاب 2009 ما بدا أنه قبول مشروط بفكرة الدولة الفلسطينية، فإن سياساته اللاحقة عكست تنصلا عمليا من حل الدولتين.

واليوم، تأتي تصريحاته الأخيرة لتعيد إحياء مصطلح تجنب قادة إسرائيل النطق به علنا لعقود، لما يحمله من دلالات استعمارية خطيرة، في إشارة إلى عودة النزعة التوسعية إلى قلب الخطاب الرسمي على أعلى المستويات.

نتنياهو ورؤية "إسرائيل الكبرى": بين العقيدة الأيديولوجية والبراغماتية السياسية


صدرت تصريحات بنيامين نتنياهو المؤيدة لرؤية "إسرائيل الكبرى" في ظرف سياسي وأمني بالغ الاحتقان، حيث استغل أجواء ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لتبرير حرب إبادة في غزة، ونهج مماثل من القتل والتهجير في الضفة الغربية.

ففي 12 أغسطس/آب 2025، وخلال مقابلة مع قناة i24 News الموجهة للجمهورين؛ المحلي والدولي، أهداه المذيع اليميني المتطرف شارون غال قلادة تحمل خريطة لـ"أرض الميعاد" بحدود موسعة تشمل فلسطين المحتلة، وأجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر. وعندما سأله إن كان يشعر بـ"ارتباط" بهذه الرؤية، أجاب نتنياهو بحزم: "جدا"، مضيفا أنه يقوم بـ"مهمة تاريخية وروحانية" لتحقيق أحلام أجيال متعاقبة من الشعب اليهودي.

صدور هذه العبارات أمام جمهور داخلي وباللغة العبرية، وفي حضرة إعلامي قومي متشدد، لم يكن صدفة. فهي تحمل رسائل طمأنة لقاعدته اليمينية المتطرفة وحلفائه في الائتلاف الحاكم- مثل سموتريتش وبن غفير- بأن رؤيته لا تقل تطرفا عن أجنداتهم.

كما أنها تأتي في ظل تصويت الكنيست، في يوليو/تموز 2025، بأغلبية واسعة لصالح قرار رمزي يدعم ضم الضفة الغربية، إضافة إلى قانون أقرته حكومة نتنياهو 2023، ألغى فك الارتباط مع غزة، وكرس السيادة القانونية الإسرائيلية على المستوطنات.

هذه التطورات الميدانية تجعل من "إسرائيل الكبرى" امتدادا لفظيا لسياسات الضم الزاحف على الأرض، لا مجرد شعار عابر.

البعد الأيديولوجي حاضر بقوة في شخصية نتنياهو السياسية، فهو وريث المدرسة "التصحيحية" في الصهيونية التي أسسها جابوتنسكي، والتي ترى أن حدود إسرائيل الحالية ليست سوى مرحلة مؤقتة نحو مشروع أوسع.

لكنْ ثمة أيضا بعد براغماتي واضح، إذ يوظف نتنياهو هذا الخطاب في لحظة داخلية حرجة ليعزز شعبيته المتراجعة بفعل طول أمد الحرب على غزة، وعدم قدرته على تحقيق أهدافه المعلنة، وتزايد الاحتجاجات ضد سياساته، وفي الوقت ذاته ليكسب أوراق ضغط في ملفات إقليمية، مثل مسار التطبيع.

إعلان

بهذا، تتداخل القناعة الأيديولوجية مع الحسابات السياسية، في خطاب يترك الباب مفتوحا أمام جميع السيناريوهات، ويعكس بوضوح أن المشروع الصهيوني في نظر نتنياهو لم يكتمل بعد، وأن إعلان التمسك بـ"إسرائيل الكبرى" ليس مجرد موقف دعائي، بل جزءا من رؤية إستراتيجية تتغذى من التطورات الميدانية والتحالفات السياسية الراهنة.

هل يتكرر سيناريو جنوب أفريقيا مع إسرائيل؟

أثارت تصريحات نتنياهو عن ارتباطه برؤية "إسرائيل الكبرى" موجة ردود فعل عربية وإسلامية كثيرة، عكست إجماعا نادرا على رفضها بوصفها تجاوزا صارخا للخطوط الحمراء.

فقد صدرت إدانات قوية من الأردن، والسعودية، وقطر، ومصر، حملت لهجة تحذيرية من تداعيات هذا النهج التوسعي على أمن المنطقة وسيادتها.

وركزت القاهرة، على نحو خاص، على خطورة أي إيحاء يمس سيناء، مستندة إلى معاهدة السلام التي تقوم على احترام الحدود والسيادة. أما الإمارات، والبحرين، والمغرب، فعبرت عن رفضها المساس بحقوق الفلسطينيين، وتمسكها بحل الدولتين، لكن بلهجة أكثر دبلوماسية.

على المستوى الإسلامي الأوسع، أدانت منظمة التعاون الإسلامي الخطاب واعتبرته استفزازا خطيرا، وأكدت فصائل فلسطينية أن تصريحات نتنياهو تجسد الطبيعة الاستعمارية للمشروع الصهيوني.

وفي المقابل، جاء الموقف الدولي- وخصوصا الغربي- باهتا ومفتقرا لأي إدانة واضحة. فلم تصدر الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي تصريحات حادة، مكتفيَين بالتعبير عن "القلق" في الكواليس، وكأن الأمر شأن داخلي إسرائيلي أو زلة لسان لا تستحق التصعيد.

هذا الصمت يعكس ازدواجية معايير فاضحة، إذ من الصعب تصور أن يمر تصريح مماثل من مسؤول غربي عن ضم أراضٍ من دولة حليفة، دون ردود فعل غاضبة وعقوبات محتملة.

وتقييم هذه المواقف يكشف أن تصريحات نتنياهو ليست مجرد كلام عابر، بل إعلانا أيديولوجيا عن رفض كامل فكرةَ الدولة الفلسطينية المستقلة، وإقرار بنية التوسع على حساب أراضٍ عربية، ما يقوض أي أساس للتعايش أو التسوية.

تجاهل هذا الخطاب أو التعامل معه بتساهل يفتح الباب لتحويله إلى سياسة أمر واقع على الأرض، خاصة في ظل استمرار الاستيطان والضم الزاحف. وإذا لم يقابل بخطوات ردع حقيقية، فإن ما يُصرح به اليوم قد يتحول غدا إلى خرائط وحدود جديدة تفرض بالقوة، تاركا المنطقة أمام واقع استعماري جديد، ومتسببا في دفن أي أفق لحل سياسي عادل.

وأمام ذلك، يبرز السؤال: هل تكفي الإدانات؟ الإجماع بين المحللين أن الجواب لا. المطلوب تحرك عملي يتضمن خطوات مثل مطالبة إسرائيل بتراجع علني، وتحريك ملف القضية في مجلس الأمن والجمعية العامة، وطلب رأي استشاري جديد من محكمة العدل الدولية مستند إلى هذه التصريحات كدليل على نوايا الضم.

إضافة إلى إعادة تقييم اتفاقيات التطبيع القائمة، وفرض ضغوط دبلوماسية واقتصادية، ولو جزئية، لإشعار إسرائيل بأن خطابها التوسعي سيقابل بعزلة إقليمية ودولية.

إن التجربة التاريخية لجنوب أفريقيا تقدم درسا واضحا: المواقف العنصرية العلنية لقادة نظام الأبارتهايد كانت وقودا لحركة نزع الشرعية عنه، وصولا إلى المقاطعة الشاملة التي أجبرته على التفكك.

اليوم، تصريحات نتنياهو تمنح حركة المقاطعة (BDS) وحلفاءها مادة سياسية وأخلاقية قوية لتسويق وصف إسرائيل كدولة فصل عنصري، تماما كما خلصت إلى ذلك منظمات كالعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش.

دلالات سياسية وقانونية خطيرة

رغم محاولات بعض الأوساط الإسرائيلية التقليل من وقع تصريحات نتنياهو واعتبارها مجرد استدعاء للتاريخ، فإن مضمونها يتعارض بوضوح مع أبجديات القانون الدولي، خاصة ما يتعلق بسياسة الضم، ورفض الاستيلاء على الأراضي بالقوة.

حين يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه "مرتبط جدا" برؤية "إسرائيل الكبرى"، فهذا يعني عمليا رفض الحدود المعترف بها دوليا، والتعامل مع أي وجود فلسطيني مستقل في الضفة الغربية أو غزة كأمر مؤقت محكوم بالزوال لصالح السيادة الإسرائيلية.

إعلان

وهنا يبرز سؤال جوهري: ماذا لو قال مسؤول غير إسرائيلي إن بلاده تسعى لضم أراضٍ مجاورة وإحلال سيادتها مكان الدولة القائمة؟ لا شك أن الرد الدولي سيكون سريعا وحادا، مع فرض عقوبات فورية، وربما تدخلات سياسية أو عسكرية.

المفارقة أن تصريحات نتنياهو، رغم خطورتها، لا تواجه الموجة ذاتها من الإدانات والإجراءات، ما يعكس ازدواجية واضحة في المعايير.

والسؤال الأكثر إثارة للجدل: لماذا تدان فصائل فلسطينية بشدة وتصور كحركات متطرفة عندما تعلن أنها تريد إقامة دولة فلسطينية من النهر إلى البحر وإعادة اللاجئين إلى أرضهم وفق القرار الأممي 194، بينما يتعامل مع تصريحات رسمية إسرائيلية تدعو علنا للتوسع والضم وكأنها شأن داخلي عابر؟

إن هذا المعيار المزدوج لا يكتفي بتقويض أي إمكانية لحل عادل، بل يشكل نسفا لكل القيم والقواعد القانونية المستقرة حتى الآن. والأخطر أن السياسة الإسرائيلية، سواء في ممارساتها العملية على الأرض أو في خطابها الإعلامي، تطيح بأي احتمال لقبول الاحتلال أو حتى التعايش معه، إذ تحول الصراع إلى مشروع استعماري مفتوح الأمد لا يترك مجالا لتسوية أو سلام حقيقي.

وهنا يحق التساؤل: هل كان السلام بين مصر وإسرائيل مجرد هدنة مؤقتة وخديعة إسرائيلية؟ وهل كانت اتفاقيات أوسلو ووادي عربة إلا محطات في إستراتيجية خداع أوسع؟ وهل مشاريع التطبيع الحالية أو المستقبلية سوى استمرار لهذا النهج؟

وإذا كان الاحتلال يكشف عن وجهه الحقيقي بهذه الصراحة، أفلم يُصب أولئك الذين رفضوا فكرة التعايش معه وأصروا على أن هذا توصيفه الواقعي؟ ثم، أليس هذا الخطاب مدعاة لأن يعود العقلاء إلى رشدهم ويوحدوا صفوفهم تجاه احتلال هذا هو وصفه؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أخبار متعلقة :