الكويت الاخباري

مصطفى الشيمي يكتب: حرف الراء - الكويت الاخباري

كان يعرف أنّ العمر يمضي، لكنّه لم يندم يومًا على قلبٍ وهبه لامرأة واحدة.. أحبّها منذ شبابه، وحين غابت عنه قسرًا لم يفتح بابًا آخر. كان يقول لمن يلومه:
ـ أعيش وحيدًا خيرٌ لي من أن أعيش بنصف قلب.

ذات مساء، زاره صديق قديم، سأله بقلق:  "إلى متى ستبقى هكذا؟ الناس تمضي في حياتها، وأنت ما زلت عند الباب الأول".
ابتسم وقال وهو يحدّق في الفراغ:


ـ الباب الأول لم يُغلق… وما زلت واقفًا أمامه، أتمسّك بالفراغ الذي تركته، فالانتظار وحده هو ما يُبقيني حيًا. ومن يومها، صار الزمن عنده يمرّ بلا أبواب جديدة، والعمر كله بدا له ممرًّا طويلًا ينتهي عند ذات العتبة.

وهكذا، عامًا بعد عام، كان الشتاء يعيد إليه شعور الانتظار الأول؛ فيجلس قرب النافذة يراقب المطر، كطفل ينتظر طرقًا على الباب. لم يكن يبوح كثيرًا، لكن من يعرفه كان يرى في صمته شوقًا عنيدًا لا يخفت.

أقوى ما بقي لم يكن وجهها، بل طريقتها في نطق الراء؛ كانت تنغمه كما لو تغني، ومنذ رحيلها صار يقلّدها بغير قصد، يسمع صداها يعود في وحدته ثم يبتسم، كأنه يراها جالسة أمامه. 

ظل يعيش على هذا الصدى سنواتٍ طويلة، يردّد الحروف وكأنها تعينه على الصبر، حتى بدأ جسده يشيخ ويضعف، وصار الليل يثقل عليه أكثر من النهار. في إحدى الليالي حاول أن ينهض ليشعل مصباح الغرفة، لكنه عجز. جلس في العتمة طويلًا، ثم همس لنفسه:
 

ـ لو كانت هنا… لما تركتني وحدي في هذا الظلام.
بهدوء أسند رأسه إلى الوسادة، وأغمض عينيه يسافر بعيدًا عن الوحدة. ومع كل ليلة يثقلها الصمت، كان يشعر أن النهاية تقترب خطوة بخطوة.

حتى جاء موعده، لم يكن في عينيه وجع المرض بقدر ما كان فيهما شوق ناقص. لم يكن في ملامحه خوف ولا مقاومة، بل انتظار. عيناه تجولان في السقف كما لو تبحثان عن وجه مألوف. تمتم بصوت متهدّج:
ـ نجلااا… تأخرتِ كثيرًا.

ثم استسلم لابتسامةٍ هادئة، وترك رأسه يستريح إلى الوراء. اللقاء الذي تأجّل عمرًا بأكمله قد حان أخيرًا. 

أغمض جفنيه كمن يسلّم نفسه لموعد لم يتحقق ـ موعد لم يُلغَ… بل تأجَّل فقط. والباب الأول الذي ظل واقفًا عنده، انفتح أخيرًا.

أخبار متعلقة :