تزايد إنتاج النفط في العراق يخلق آثارا بيئية كارثية (الجزيرة)
تزايد إنتاج النفط في العراق يخلق آثارا بيئية كارثية (الجزيرة)
18/8/2025-|آخر تحديث: 08:45 (توقيت مكة)
يجلس مصطفى، الناشط البيئي (23 عامًا)، الذي يُعدّ صوتًا للأهوار وسكانها، بين أبيه وجده حاملًا إرث ثلاثة أجيال. فالأب، هو حلقة الوصل بين جيلين سابقين وتجمعه بهم علاقة متجذّرة بالأرض والماء، صامدة في وجه التقلبات السياسية والعنف البيئي. يقاومون الحياة في مواجهة الانتهاكات البيئية المتطرفة و
النفط مقابل الماء
تعتمد عمليات استخراج النفط في العراق على تقنية تُعرف بـ"الحقن المائي"، وهي ممارسة صناعية تقوم على ضخ كميات كبيرة من المياه في باطن الأرض للحفاظ على الضغط داخل المكمن النفطي، مما يساعد على دفع الخام إلى السطح. هذه التقنية تُعد معيارًا عالميًّا في استخراج النفط، إلا أن تطبيقها في بيئة مثل العراق، التي تعاني أصلًا من شح مائي، يمثل عبئًا إضافيًّا على موارد البلاد الطبيعية.
وفقًا لتقديرات فنية مستقاة من وزارة النفط العراقية وشهادات خبراء ميدانيين، فإن كل برميل نفط يتم استخراجه يتطلب ضخ ما بين 1.5 و
هذه الكميات الهائلة من الماء تحصل عليها الشركات النفطية إما من الأنهار أو من محطات مخصصة لمعالجة المياه، بعضها كان مخصصًا في الأصل للاستخدام البشري. وتزداد خطورة هذا الاستخدام حين نعلم أن المناطق الجنوبية، مثل البصرة وميسان وذي قار، تواجه نقصًا حادًّا في مياه الشرب، مع تراجع نوعية المياه إلى مستويات خطيرة بفعل الملوحة والتلوث. في البصرة مثلًا، بلغت نسبة ملوحة المياه مستويات تجاوزت المعايير الصحية، مما تسبب في موجات تسمم جماعي خلال السنوات الأخيرة. وقد شهدت مدينة البصرة لعدة أيام في شهر يوليو/تموز احتجاجات غاضبة ضد ملوحة الماء وتلوثه وعدم وصوله إلى عدد من المناطق.
ورغم إعلان الحكومة عن خطط لوقف استخدام المياه العذبة في استخراج النفط، توثق صور الأقمار الصناعية وتقارير الجهات البيئية استمرار سحب المياه من نهر دجلة ومحطات المعالجة. وفي حالات كثيرة، لا تستخدم الشركات النفطية المياه المالحة أو المُعالَجة كما تزعم، بل تسحب المياه من شبكات مخصصة للري الزراعي أو محطات تنقية مياه الشرب.
كل هذا يحدث في وقت لا تتجاوز فيه حصة الفرد من المياه في العراق 300 متر مكعب سنويًّا، وهو ما يُصنف دوليًّا ضمن الفقر المائي الحادّ، في حين أن الحد الأدنى الآمن وفقًا للأمم المتحدة هو 1000 متر مكعب للفرد سنويًّا.
في ظل هذا الواقع، يصبح من الصعب الحديث عن “تنمية مستدامة” أو “توازن بين الموارد”، فبينما يُستخدم الماء لدفع النفط إلى الأسواق العالمية، يُترك المواطن في الجنوب يواجه العطش والمرض وتدهور الزراعة، التي كانت يومًا مصدر فخر وعيش للعائلات.
وبينما تتشقق الأرض تحت أقدام سكانها، تكفّل فريق التحقيق بتوثيق الكارثة، مستندًا إلى صور الأقمار الصناعية، ووثائق حكومية داخلية، وشهادات من أهل المنطقة، ليكشف ما بدا وكأنه إبادة بيئية متعمدة لأحد أقدم نظم المياه الرطبة في العالم.
في قرية "أبو خصّاف" بمحافظة ميسان يقود مصطفى الزورق بحذر، متفاديًا الطين والنباتات الدخيلة. وعندما علق القارب بالقاع، استخدم "المردي" (عصا تقليدية) لدفعه يدويًّا نحو "بركة أم النعاج"، إحدى البحيرات الباقية وسط الأهوار، التي كانت ملاذًا لطيور مهاجرة نادرة، منها طائر الفلامنجو الذي تناقص ظهوره مع الجفاف.
في الأفق، تلوح ألسنة اللهب من حقل الحلفاية النفطي، حيث تعمل شركة بتروتشاينا وتملك توتال إينرجيز حصة. مشهد يلخص المفارقة بين استنزاف الموارد الطبيعية وتراجع ما بقي من محمية الفلامنجو.
أهوار الحويزة: جنة تحترق بالنفط
مع بداية الصراع الروسي الأوكراني عام 2022، سعى الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على النفط الروسي، ولم يتمكن من خفض الاستهلاك، فزاد واردات إيطاليا من النفط العراقي بنسبة 15% بين 2021 و2023، مما زاد الضغط على البيئة المحلية.
في يوليو/تموز 2016، أُدرجت أهوار الحويزة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، بعد انضمامها في 2007 إلى اتفاقية رامسار الدولية لحماية الأراضي الرطبة، التي تشمل بحيرات وأنهارًا ومستنقعات وشعبًا مرجانية وغيرها. تعتبر الأهوار من أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم في بيئة جافة وشديدة الحرارة.
في 24 يونيو/حزيران 2025، أعلنت وزارة النفط العراقية تصدير أكثر من 102 مليون برميل نفط بإيرادات تجاوزت 6 مليارات دولار، مع زيادة الإنتاج من وسط وجنوب العراق. لكن ارتفاع الإنتاج النفطي زاد الطلب على الماء، وأدى إلى تلوث النظام البيئي الهش بالغازات السامة.
ورغم إصدار قانون حماية البيئة في 2009، فإنه لم يدخل في التنفيذ والرقابة، مما يترك الأهوار معرضة لانتهاكات شركات النفط. وحصلت الجزيرة على تأكيدات من نواب عراقيين بعدم تمكنهم من الاطلاع على عقود الخدمة الفنية أو تقارير الأثر البيئي الخاصة بشركات النفط.
يشعر سكان الأهوار، بمن فيهم مصطفى وعائلته، بتهديد مباشر على رزقهم الذي يعتمد على الصيد وتربية الجاموس، وهي مهنة توارثوها عبر أجيال قبل ظهور شركات النفط.
يقول مصطفى: "بالنسبة للحكومة، النفط نعمة ومصدر أموال، لكن بالنسبة لنا، الماء هو الحياة. للأسف، نحن مجرد كعكة تُقسم بين الحكومة وشركات النفط".
يعود مصطفى من رحلته في الهور، مُلقيًا نظرة على نقطة التفتيش العسكرية، ويقول: "الخطة واضحة، فصل المجتمعات المحلية عن الهور لاستغلال النفط بحرية".
جفاف الأهوار تحت ضغط النفط
يتمدّد حقل الحلفاية -وهو أكبر مشروع تديره بتروتشاينا خارج الصين- على مساحة 288 كيلومترا مربعا أي ما يعادل ثلاثة أضعاف باريس، ويضمّ مطارًا داخليًّا لنقل العاملين بين ميسان وبغداد والبصرة. بعد وصول الشركة بنحو عام، شُيِّدت ستّ محطات على ضفاف نهر دجلة تسحب يوميًّا نحو 60 ألف م³ من المياه العذبة، تُعالج ثم تُحقَن مباشرةً في الآبار لرفع الضغط وزيادة الإنتاج.
ووثقت دراسة صادرة عن مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد (1984–2015) فقدان العراق ثلث مسطّحاته المائية الدائمة، وانكماش أهواره التاريخية بـ86%، في حين ازدادت الرقعة المائية الدائمة في تركيا بـ25%. كذلك تراجع تدفّق شطّ العرب منذ السبعينيات بفعل السدود التركية والإيرانية والسورية.
تدعي شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق، أنها تبذل كل ما في وسعها للحد من الأثر البيئي لأنشطتها الاستخراجية. لكن بفضل مُبلغ عن مخالفات، تمكن فريق التحقيق من الحصول على وثيقة داخلية من تحالف الشركات الذي يدير حقل الزبير -الذي تمتلك إيني الإيطالية أكبر حصة منه بنسبة 32.81%- كشفت عن قلق تلك الشركات من شح المياه منذ عام 2014. تشير تلك الوثيقة إلى أن حقل الزبير يحتاج إلى كميات هائلة من المياه للحفاظ على ضغط البئر وتعظيم استخراج النفط.
مع تزايد إنتاج النفط في العراق يزداد الضغط على الموارد المائية ويجد القطاع النفطي نفسه أمام تحديات كبيرة لتأمين كميات كافية من المياه إذ تعتمد شركات النفط بشكل أساسي على المياه لاستمرار عمليات الضخ في الآبار، وهو ما قد يعيق توسع الإنتاج في المستقبل إذا لم تتمكن الحكومة من توفير مصادر جديدة للمياه، وغياب الحلول المستدامة قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج ويُفاقم أزمة المياه ويهدد استقرار القطاع النفطي كله.
يقول ماجد الساعدي، مدير زراعة ميسان، للجزيرة نت: «لا نستطيع إيقاف الإنتاج النفطي، لكن يمكن تقليل الضرر لو التزمت الشركات». وتشير دراسة ميدانية قام بها ماجد الساعدي لم تنشر من قبل حصل فريق التحقيق على نسخة منها إلى أن بعض الحقول تُدخل مياه صرف ومياه تناضح عكسي (RO) بشاحنات خاصة، مما يخلّف تلوّثًا إضافيًّا للتربة والمياه.
ويوثق ملفٌّ سرّي أرسلته الدائرة إلى وزارة الزراعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 -وحصل فريق التحقيق على نسخة منه وينشر لأول مرة- مستويات مرتفعة من الهيدروكربونات والمعادن الثقيلة، وضررًا بمحطات التحلية قرب الأهوار، ويوصي بحظر زراعة الأراضي المحيطة بالحقول وإنشاء محكمة بيئية.
في حين يواصل الناشطان مصطفى ومرتضى https://www.instagram.com/p/DIBYK2SsWg6/?utm_source=ig_web_copy_link&igsh=cm5neW4wZ2NtOWhj معدات الاستكشاف في عمق أهوار الحويزة، تؤكد صور الأقمار الصناعية التي حللتها "Placemarks"عام 2025 بدء أعمال الحفر داخل منطقة محمية بموجب اتفاقية رامسار، حيث رُفعت لافتة هور الحويزة فوق موقع مرشح لأن يتحول إلى حقل نفطي جديد في المنطقة.
في 31 مارس/آذار 2025 قدّم النائب رائد حمدان المالكي طلبًا إلى لجنة الثقافة والسياحة والآثار بشأن عقدٍ وُقِّع في 21 فبراير/شباط 2023 بين شركة نفط ميسان و«جيو‑جيد بتروليوم» الصينية لتطوير حقلٍ تحت الأهوار؛ معتبِرًا العقد خرقًا للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية. أعقب ذلك احتجاجٌ سكّاني في مايو/أيار، إلا أن وزارات النفط والموارد المائية والبيئة لم تُجب حتى الآن عن استفسارات النواب أو الأسئلة التي أرسلها فريق التحقيق.
تمدُّد النفط وانحسار الماء
كانت مساحاتٌ مائيةٌ شاسعة تغطّي جنوب العراق من الناصرية حتى البصرة، تشكِّل نظامًا واحدًا يربط أهوار الحويزة والحمار والوسطى. يروي أنيس، جدُّ مصطفى، كيف كان يدفع قاربه بعصا «المردي» مسافةَ 200 كم إلى البصرة، وهو يحفظ الدروب المائية حتى إنه كان يستطيع الإبحار ليلًا مُغْمض العينين. «عشنا في مملكة واحدة، مملكة الماء»، يقول بصوتٍ واهن، في حين يزحف التوسّع النفطي اليوم على تلك الممرّات التي اختفت تقريبًا.
زيادة مقلقة في معدل الإصابات بالسرطان في العراق بين عامي 2022 و2025 (الجزيرة)
زيادة مقلقة في معدل الإصابات بالسرطان في العراق بين عامي 2022 و2025 (الجزيرة)
حصة البصرة من الماء.. والصناعة أوّلًا
يؤكّد جمعة شياع، مدير الموارد المائية في البصرة، أن الإطلاقات (التدفقات) الواصلة إلى المدينة لا تستقر إذ تبلغ نحو 90 م³ في الثانية شتاءً وتهبط صيفًا إلى 60. تُوزَّع الحصة كالآتي: 18م³ للشرب، و20م³ للزراعة، و13م³ للصناعات النفطية وتوليد الكهرباء، والباقي لصدّ اللسان الملحي الآتي من الخليج. وفي الوقت نفسه يحقن حقل الرميلة الذي ينتج نحو مليون ونصف مليون برميل نفط يوميا -بحسب مدير الصيانة فيه عباس حمزة- نحو مليون برميل ماء يوميًّا يأتي بمعظمه من محطة كرمة علي لمعالجة المياه قبل ضخّها في الآبار.
وحقل الرميلة هو أحد أكبر حقول النفط العملاقة في العالم، حيث يزيد مخزونه النفطي على مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، وتشير التقديرات إلى أن هناك نحو 17 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج في مكامن حقل الرميلة.
حصل فريق التحقيق على وثيقة صادرة عن شركة "بوناتي" (Bonatti S.p.A) لصالح " عمليات الرميلة" (ROO)، والتي تكشف عن خطة عمل مفصلة لتطوير مد أنابيب المياه إلى حقل الرميلة. تتضمن الوثيقة تفاصيل مشروع توصيل المياه من محطة كرمة في شمال البصرة علي بهدف تعزيز عمليات حقن المياه في الحقل.
5% فقط من الأهوار حيّة
«معدات ملوّثة باليورانيوم» وطفرة سرطانية
يقول النائب البصري مصطفى سند، الذي عمل مهندسًا في شركات النفط: «بعض الشركات سيّئة السمعة في التلوث، بل إن معداتها ملوثة باليورانيوم. لا نعلم إن كان يخرج مع النفط أو في الأجهزة ذاتها. السرطان ينتشر في البصرة بسرعة مرعبة». يسرد إصاباتٍ ضربت أسرته: شقيقه البالغ 41 عامًا العامل في «إيني» يحتضر بالسرطان، فتًى في الخامسة عشرة (ابن زوج أخته) مصاب بسرطان العظم، وخالتان توفيتا بالمرض، في عائلةٍ لم تعرف السرطان نصف قرن.
طبيبُ أورام في مستشفى «الثقلين» -فضّل حجب اسمه- يقول: «أرى ارتفاعًا هائلًا في الإصابات، خصوصًا بين الأطفال، والسبب هو التلوث النفطي. رجاءً لا تسألوني أكثر، فقد يعرضني ذلك للمساءلة».
في دراسة صادرة عن دائرة البحوث والدراسات في البرلمان العراقي، وُثّقت زيادة مقلقة في معدلات الإصابة بالسرطان في عموم البلاد بين عامي 2005 و2022، مشيرةً إلى أن أحد أبرز الأسباب هو ارتفاع نسب التلوث البيئي، لا سيما الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز المصاحب لاستخراج الوقود الأحفوري.
ويضيف النائب سند أن الشركات النفطية، حتى الوطنية منها، تعمل بمعزلٍ عن القطاع العام العراقي، خارج إطار الموازنة العامة والتعليمات الحكومية. ويزيد «يشتغلون وكأنهم في عالم موازٍ، لديهم قوانينهم الخاصة، لا يخضعون لقواعد الشفافية، ولا للرقابة في المزايدات أو المناقصات، تقريبًا مثل الصندوق الأسود».
ويحذر سند من ثغرة فساد في نظام «كوست بلس»، حيث تُسدّد الدولة نفقات الشركات وفق فواتير تقدّمها، مع منحة ربح ثابتة قدرها دولاران لكل برميل إضافي. هذا يشجع على تضخيم التكاليف بالتعاون مع مقاولين فرعيين. ويوضح ذلك قائلًا «مثلًا، في حقل الزبير، قد تربح الشركة 200 ألف دولار يوميًّا من زيادة الإنتاج، لكن الربح الحقيقي يُخبّأ داخل فواتير نفقات تصل إلى 10 مليارات دولار سنويًّا، مقابل أرباح معلنة لا تتجاوز مليارًا واحدًا".
آثار انحسار مياه الأهوار التي لم يبق منها إلا 5% حسب الوزير السابق حسن الجنابي (الجزيرة)
آثار انحسار مياه الأهوار التي لم يبق منها إلا 5% حسب الوزير السابق حسن الجنابي (الجزيرة)
صرخة الأهوار..
يقول الناشط البيئي مصطفى إن البطالة دفعته إلى قبول عمل مؤقت في حقل الحلفاية مقابل 17 دولارًا يوميًّا، لكنه استقال بعد فترة قصيرة واصفًا تجربته بأنها "شراكة في تدمير بيئي".
في ربيع 2025، قاد مع أبناء قريته احتجاجًا على ضفاف الهور، متهمين وزارة النفط والشركات بتجاهل الطابع البيئي والثقافي للموقع، وهو ما يعبر عنه قائلا "كانت صرختنا ردًّا على التجاوزات والتهميش".
خلف هذه الصرخة تقبع وثائق رسمية ننشرها هنا لأول مرة. فقد أبلغ النائب جاسم الموسوي محافظ ميسان في 27 أغسطس/آب 2024 أن التنقيب بدأ داخل «المنطقة المركزية» لموقع مُدرَج على قائمة التراث العالمي، وطالب بدراسة أثره البيئي قبل الحفر. وأكدت ملفات مديرية بيئة ميسان أن التداخل بين الحقل والمنطقة المحمية يبلغ 300 كم²، محذّرةً من تعارض المشروع مع التزامات العراق الدولية. كما تكشف مراسلات رسمية بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024 و2 فبراير/شباط 2025 تجاهل إدارة الحقل طلب خرائط تفصيلية، وقد أشار خطاب النائب رائد حمدان المالكي في 29 مارس/آذار 2025 إلى عقدٍ وُقّع بين شركة نفط ميسان و«جيو جيد» الصينية في 21 فبراير/شباط 2023 لتطوير الحقل الحدودي، متهمًا الوزارة بحرمان الهور من مياه الحياة وانتهاك المعايير البيئية.
عندما واجهنا خالد شمال، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، نفى السماح بسحب المياه العذبة للحقول، وإن اعترف بأن شركتين استغلّتا مياه شط العرب في ظل فقدان العراق نصف موارده المائية خلال عقد. أصدرت بغداد في مطلع 2025 أمرًا بوقف ضخّ المياه من محطة كرمة علي إلى الحقول خلال خمسة أشهر، لكن فريق التحرير وثّق بالصورة أعمال توسعة لأنابيب تغذية المياه تشرف عليها شركة «بوناتي سبا» الإيطالية، في تناقض صارخ مع قرار الإيقاف.
يتفاقم العطش جنوبًا: ففي 30 يونيو/حزيران 2025 حذّر محافظ البصرة أسعد العيداني من أن المحافظة تتلقى «أقل كمية ماء في تاريخ العراق»، وأن مشروع تحلية مياه البحر لن يرى النور قبل أربع أو خمس سنوات. هكذا يفرض النفط يده العليا، فيبدّد ما بقي من الأهوار، ويجرّد السكان من أبسط حقوقهم في الماء، بينما تستمر الشركات في الحفر مستفيدةً من ثغرات الحوكمة وغياب الرقابة الفعلية.
الخلاصة
أهوار الحويزة المدرجة على لائحة التراث العالمي واتفاقية رامسار، تواجه اليوم تهديدًا من ثلاثة امتيازات نفطية داخل المنطقة المحمية، حقول الحلفاية، والحويزة، ومجنون.كما أن شركة جيو-جيد الصينية مستمرة في أعمال المسح الزلزالي الثنائي الأبعاد لحقل الحويزة الذي حصلت عليه ضمن جولة التراخيص الخامسة. في عام 2023، وُقع عقد بين شركة نفط ميسان والشركة الصينية "جيو-جيد" لتطوير حقل نفط جديد "حقل الحويزة" يقع ضمن الأهوار، مما يعد انتهاكًا واضحًا للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، ويدل على غياب الشفافية في إعلام الرأي العام. تكشف صور الأقمار الصناعية ووثائق مسربة، عن بدء عمليات تنقيب جديدة في أهوار الحويزة، مما يعني إطلاق رصاصة الموت على الأهوار. يعد العراق أحد أكثر الدول تضررًا من الأزمة المناخية، رغم ذلك، تُستخدم المياه لاستخراج النفط، الذي يمثل نحو 95% من صادرات العراق، محتلًّا الرتبة السادسة عالميًّا في إنتاج النفط الخام. بين عامي 2021 و2023، أصبح العراق أكبر مصدِّر للنفط إلى إيطاليا، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 15%. بالرغم من إعلان الحكومة العراقية عن وقف إمدادات الحقول النفطية بالمياه العذبة، يوثق التحقيق التوسع الحاصل في البنى التحتية والاستمرار في استخدام المياه من محطات المعالجة المخصصة للاستخدام البشري.فريق العمل
إعداد : صفاء الربيعي، سارا مانيسيرا، دانيلا سالا
الصور: دانيلا سالا
تحرير : أصيل سارية
تم إنتاج هذا التحقيق بدعم من:
الاتحاد الأوروبي لدعم الصحافة الاستقصائية (IJ4EU)، وصندوق صحافة أوروبا (Journalismfund Europe)
المصدر: الجزيرة
أخبار متعلقة :