فشلت مفاوضات جنيف على مدار 10 أيام في التوصل إلى معاهدة عالمية لخفض التلوث البلاستيكي، والحد بشكل ملموس وفعال من الأضرار التي يلحقها بصحة الإنسان والبيئة والمناخ، كما لم يتم الاتفاق على موعد لبدء المفاوضات، وهو ما يعيد الجهود العالمية إلى نقطة الصفر.
ورغم سعي ما يصل إلى 100 دولة لفرض قيود على الإنتاج، عارضت ذلك دول قوية منتجة للنفط، وشركات، وجماعات ضغط من صناعة الوقود الأحفوري والبلاستيك بحجة أن هذه القيود غير ضرورية وتهدد اقتصاداتها وصناعاتها، مما أفشل القمة ومخرجاتها.
وفشل جولة المفاوضات السادسة والنهائية للمعاهدة في جنيف -التي بدأت منذ عام 2022- يعني أن أي حلول الآن ستظل معتمدة على جهود تحسين إعادة التدوير، وإعادة الاستخدام وتصميم المنتجات، وهي الحلول نفسها التي زعمت الدول القوية أنها كافية لمعالجة المشكلة دون اللجوء إلى خفض الإنتاج.
وتقول فرح الحطّاب، ممثلة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفاوضات، تعقيبا على فشل المفاوضات "إن عجز الحكومات عن التوصل إلى اتفاق في جنيف يجب أن يكون جرس إنذار للعالم: فكل تأخير يدفع ثمنه الناس والكوكب على حد سواء".
وينتج العالم نحو 450 مليون طن من البلاستيك الجديد سنويا، وتُقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن هذه الكمية قد تزيد بنحو 70% بحلول عام 2040. وينتهي المطاف بكمية كبيرة منها في مكبات النفايات والمحيطات والتربة والهواء والغابات والأنهار، وتتحلل إلى جسيمات ثبت وصولها إلى مختلف أعضاء البشر والكائنات الأخرى.
وليس التلوث هو المشكلة الوحيدة. فالبلاستيك، المصنوع بالكامل تقريبا من الوقود الأحفوري، يسهم إسهاما كبيرا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد ولّدت المواد البلاستيكية 3.4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حول العالم عام 2019، أي 1.8 مليار طن، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة.
إعادة تدوير الحلول
وتثار تساؤلات كثيرة عن مدى فعالية إعادة التدوير، وصعوبته. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى استحالة إعادة تدوير أنواع البلاستيك معا. فلكل منها تركيبات كيميائية مختلفة، مما يجعلها مكلفة وتستغرق وقتا طويلا، وتتطلب فرزا يدويا مكثفا.
إعلان
وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا يعاد تدوير سوى 6% من المواد المصنعة، في حين تشير منظمة "السلام الأخضر"، إلى أن معظم البلاستيك الذي يحمل علامة "قابل لإعادة التدوير" لا يعاد تدويره بالفعل، إذ إن هناك تحديات كبيرة في جمع وفرز البلاستيك، بالإضافة إلى التكاليف العالية والآثار البيئية السلبية لعمليات إعادة التدوير.
وتقول جوديث إنك، رئيسة منظمة "ما وراء البلاستيك"، وهي منظمة تعمل على الحد من تلوث البلاستيك: "هناك عديد من الألوان المختلفة من البلاستيك، وعديد من الأنواع التي تسمى البوليمرات، ويوجد ما بين 16 ألفا و17 ألف مادة كيميائية مختلفة تستخدم في صناعة البلاستيك، لذلك من حيث التصميم، لا يمكن إعادة تدوير البلاستيك بسهولة".
ويرى الخبراء أن البلاستيك يختلف في تركيبته عن مواد مثل الورق والكرتون والمعادن والزجاج، التي يعاد استخدامها جميعها بمعدلات أعلى بكثير.
وتُقدر وكالة حماية البيئة الأميركية نسبة إعادة تدوير الزجاج بحوالي 31%، وأشياء مثل علب الفولاذ بحوالي 71%. ووفقا للجمعية الأميركية للغابات والورق، يُعاد تدوير ما يصل إلى 64% من الورق و74% من الكرتون.
ولإعادة تسويق حل التدوير، تقول صناعة البلاستيك إن الابتكارات في علوم المواد تسهم في دمج مزيد من البلاستيك المعاد تدويره في المنتجات، وتتيح إمكانية إعادة تدوير مزيد من المنتجات البلاستيكية.
ويشير روس آيزنبرغ، رئيس اتحاد مُصنّعي البلاستيك الأميركيين إلى الحاجة إلى "نهج شامل"، يشمل تطوير البنية التحتية لإعادة التدوير أو تحسين عملية الفرز لجمع مزيد من البلاستيك المستعمل. ويعني ذلك أيضا تسهيل إعادة التدوير ومساعدة المستهلكين على معرفة ما يمكن وما لا يمكن وضعه في صناديق إعادة التدوير.
ولكن هناك كثيرا من القيود على هذا، حسب هولي كوفمان، مديرة مشروع البلاستيك والمناخ والزميلة في معهد الموارد العالمية في واشنطن.
وتشير كوفمان إلى أن الاعتماد على المستهلكين في الفرز المسبق الدقيق أمر مرهق. وقد تتردد المدن في إجراء تحسينات مكلفة على البنية التحتية لبرامج إعادة التدوير الخاصة بها إذا لم يكن هناك حافز مالي أو سوق للمواد المعاد تدويرها.
كما لا توجد دائما مرافق إعادة تدوير محلية، أو أسواق للمواد المعاد تدويرها. فحيثما توجد بنية تحتية لجمع ومعالجة المواد، تكون مصانع إعادة التدوير في جوهرها مرافق لإنتاج البلاستيك، وتعاني من نفس مشاكل تلوث الهواء والماء والتربة التي تضر بالسكان المحليين، حسب كوفمان.
وتتضمن إعادة التدوير الميكانيكية أيضا خلط البلاستيك المستعمل بالبلاستيك الجديد، مع إضافة مواد كيميائية مختلفة. كما تتطلب خطوات أخرى تطلق جزيئات أو جسيمات بلاستيكية أصغر بكثير في البيئة يكون تأثيرها شديد الخطورة، كما ثبت علميا.
ويرى بعض العلماء أن إعادة التدوير تعد مجرد وسيلة لتخفيف الشعور بالذنب لدى المستهلكين، مع استمرار إنتاج البلاستيك بكميات كبيرة، في حين يعتبرها البعض "كذبة كبرى"، تسوّق لها الشركات الكبرى، كما ورد في تقرير لمركز سلامة المناخ.
إعلان
وقال ريتشارد ويلز، رئيس المركز: "يظهر هذا أن عديدا من شركات الوقود الأحفوري التي عرفت وكذبت لعقود من الزمن بشأن كيفية تسبب منتجاتها في تغير المناخ، كانت تعرف أيضا وكذبت على الجمهور بشأن إعادة تدوير البلاستيك".
وفي هذا السياق، رفعت ولاية كاليفورنيا الأميركية دعوى قضائية ضد شركة النفط والغاز العملاقة إكسون موبيل، متهمة إياها بالخداع بشأن إمكانيات إعادة تدوير البلاستيك. ولهذا السبب تقول كوفمان: "يجب أن يكون الهدف هو تقليل إنتاج البلاستيك واستخدامه ونفاياته بشكل كبير، وليس إعادة تدوير مزيد منه".
ماذا عن إعادة الاستخدام والتصميم؟
يقول رئيس اتحاد مُصنّعي البلاستيك الأميركيين روس آيزنبرغ إن "إعادة الاستخدام تعني إنشاء مواد تغليف أو منتجات مصممة للاستخدام عدة مرات، مثل الحاويات القابلة لإعادة التعبئة، أو الأكياس ذات السحاب الأكثر متانة التي يمكن غسلها وإعادة تعبئتها عدة مرات، مما يطيل عمرها ويقلل النفايات".
ويقول الخبراء إن إعادة الاستخدام مهمة للغاية، ولكن لا ينبغي بالضرورة استخدام المنتجات القابلة لإعادة الاستخدام في المواد الاستهلاكية بسبب خطر المواد البلاستيكية الدقيقة.
وغالبا ما يعني إعادة تصميم البلاستيك تسهيل إعادة تدويره. قد يكون ذلك باستخدام مادة واحدة في التغليف بدلا من عدة مواد، أو طباعة الملصقات مباشرة على العبوة بدلا من استخدام ملصق منفصل، ولكن هذا أكثر تعقيدا.
قالت كوفمان إنه يمكن أيضا تصنيع بدائل للبلاستيك من مواد مستدامة وأقل ضررا، بل ومتجددة، مثل الأعشاب البحرية. وقد أُحرز تقدم في هذا الصدد، لكن معظم الحلول لم تطبق على نطاق واسع بعد.
أخبار متعلقة :