زليخة الشهابي (1901-1992) مناضلة فلسطينية ولدت في مدينة القدس، رائدة في العمل النسوي، وهي أول امرأة تقود المظاهرات النسائية المناهضة للانتداب البريطاني. وهي مؤسِسة أول اتحاد نسائي فلسطيني، ومن أوائل الفلسطينيات اللائي جلسن على مقاعد الدراسة خلافا لما كان سائدا تلك الفترة، كما ساهمت فيما بعد في التشجيع على تعليم الفتيات.
المولد والنشأة
ولدت زليخة الشهابي في مدينة القدس عام 1901 لوالدين مقدسيين. وكان والدها إسحاق عبد القادر الشهابي من أعيان القدس المعروفين، واحتل وظائف إدارية عليا في عهد الحكم العثماني للمدينة المقدسة.
والدتها زينب المهتدي، وأشقاؤها صبحي وجميل، وعبد القادر الشهابي الذي كان من أهم الخطاطين زمن الانتداب البريطاني، وهو من خط الآيات الموجودة في المصلى القبلي، وشقيقتاها رسمية ورفقة.
وقد احتفظت عائلة الشهابي بمفتاح الصندوق الذي يحوي "شعرات" رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان موجودا في قبة الصخرة، وليلة 27 رمضان من كل عام يتم فتحه للاحتفاء والتبرك.
وكانت زليخة الشهابي بعد انتهاء تلك المراسيم تدعو كافة أفراد العائلة إلى بيتها -الكائن في شارع الزهراء خارج أسوار البلدة القديمة– لتناول طعام الإفطار، وفيه تحفظ العائلة المفتاح. وقد تحول عام 2013 إلى "معهد الموسيقى الوطني".
الدراسة والتكوين
تلقت زليخة الشهابي تعليمها في مدرسة دير راهبات صهيون في مدينة القدس، وكان والدها من القلائل الذين حرصوا مطلع القرن العشرين على إرسال بناتهم للمدارس لتعلم العلوم واللغات، وكانت من الطالبات الأوائل.
الوظائف والمسؤوليات
أسست أول منظمة نسائية فلسطينية في مدينة القدس باسم "لجنة السيدات العربيات" عام 1929 بعد أن جمعت 300 سيدة من كافة أنحاء فلسطين لتقديم احتجاج إلى المندوب السامي البريطاني ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ثم تفرغت مع رفيقاتها للعمل بجمع المساعدات وتوزيعها على المجاهدين والمصابين منهم وعائلاتهم، كما أسهمت مع ميليا سكاكيني بالقدس في تنظيم حملة مجانية لتعليم الفتيات (الفلسطينيات) العربيات مبادئ القراءة والكتابة، وفي عام 1936 أسهمت في تأسيس الاتحاد النسائي (الفلسطيني) العربي في القدس.
إعلان
وواصلت أعمالها بعد النكبة بنشاط مضاعف، مما جعلها كثيرة التنقل بين القدس والعاصمة الأردنية، غير أن إقامتها بقيت بالقدس. وأضافت لمسؤولياتها سنة 1959 رئاسة اتحاد الجمعيات الخيرية لمحافظة القدس.
أعمالها الإنسانية والاجتماعية
أنشأت زليخة من خلال "الاتحاد النسائي" بالقدس لجنة تنزل إلى الميدان لإسعاف الجرحى، وأنشأت مستوصفا لمعالجة المعوزين والتطعيم ضد الأمراض السارية والمعدية، وآخر للعناية بالحوامل، ومركزا لرعاية الأطفال.
كما ساهمت في تأمين المأوى للأيتام، فدفع الاتحاد النسائي نفقات تعليم العشرات منهم في دار الأيتام الإسلامية، وبنت منتجعا شتويا في مدينة أريحا للنقاهة وبيتا للمعوزات، كما ساهمت في تأسيس دار للمسنين بالمدينة نفسها، و"جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" بالقدس لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
أما الصورة التي التصقت عنها في الذاكرة الشعبية الفلسطينية فهي أنها المرأة التي كانت تزور السجون والمعتقلات مشجعة لا مواسية، وكانت تحمل الهدايا الرمزية للمعتقلين السياسيين لإشعارهم بأن الشعب معهم.
وصرفت زليخة اهتماما خاصا للشؤون الرياضية، فأسس الاتحاد النسائي بإشرافها ناديا رياضيا له لجنته التنفيذية ونشاطه الخاص، وملعبا فسيح الأرجاء. ولما عقد الاتحاد في 16 يوليو/تموز 1946 مؤتمرا بالقدس حضرته أعداد كبيرة من النساء من مختلف العواصم العربية، وخفقت أعلام بلدانهن على جوانب ملعب المطران.
كما ضاعفت في عقد أربعينيات القرن العشرين نشاط الاتحاد النسائي بالميدان الثقافي، فواظبت على دعوة الأدباء والفنانين لإلقاء المحاضرات العلمية والوطنية، وللمناقشة في الشؤون الثقافية.
وقد كانت تحث الأسر على عدم شراء البضائع الإسرائيلية، وتعلم النساء وسائل الإنتاج المنزلي حتى يستطعن تأمين دخلهن الذاتي، وكانت تعمل معهن جنبا إلى جنب في صناعة المراهم والعطور وبيعها في البازارات الخيرية، لدعم الاقتصاد الفلسطيني المحلي وعدم المساهمة بأي شكل من الأشكال في دعم الاقتصاد الإسرائيلي.
ولزليخة الشهابي نشاطات عدة في مجال تعليم الفتيات وتوعيتهن ورعايتهن، فقد استأجرت عددا من المباني وحولتها إلى مدارس للتعليم الابتدائي والثانوي، ومركزا لتعليم الخياطة والتطريز خاصا بالفتيات اليافعات.
التجربة السياسية
من خلال "لجنة السيدات العربيات" كان لزليخة الشهابي دور بارز في مرحلة الإضراب والثورة الفلسطينية الكبرى (1936- 1939) فكانت مبادِرة بالذهاب إلى المحاكم لحضور جلسات محاكمة الثوار المعتقلين، ومعها عدد من السيدات، وذلك من أجل رفع معنوياتهم وإشعار السلطات بأن الشعب يقف إلى جانبهم.
وكانت زليخة في طليعة وفد نسائي فلسطيني من 27 سيدة للمشاركة في "المؤتمر النسائي الشرقي" الذي دعت إليه زعيمة الحركة النسائية بمصر هدى شعراوي لنصرة فلسطين وقضيتها.
وكانت فلسطين محور هذا المؤتمر النسائي العربي الأول، فألقت كلمتها باسم "لجنة السيدات العربيات" (الفلسطينيات) في القدس، وتحدثت عن تاريخ القضية وعن السياسة البريطانية في فلسطين.
إعلان
وحين انتخب المؤتمر وكيلات لهدى شعراوي من كل وفد، تم انتخابها ووحيدة الخالدي من الوفد الفلسطيني. وفي ختام المؤتمر دُعيت لإلقاء كلمة فلسطين، فشكرت الجميع وختمت بقولها "سنعود مقتنعات بأن أهل فلسطين ليسوا وحيدين في ميدان الجهاد المقدس لتحرير بلادهم".
وعادت زليخة إلى القدس وباشرت بتنفيذ اقتراح هدى شعراوي بتوحيد العمل النسائي تحت اسم واحد هو "الاتحاد النسائي العربي" فأعلنت حل "لجنة السيدات العربيات" بالقدس وتأسيس "الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني".
أولى المبعدات عن القدس
برزت زليخة الشهابي حجر عثرة ومعوقا في طريق الخطط الإسرائيلية على خلفية أعمالها الوطنية والسياسية، فكانت أولى المبعدات عن أرضها. وفي عام 1968 نفتها القوات الإسرائيلية إلى الأردن، بعد احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967، لكن وبتدخل من الأمم المتحدة ودول عربية عدة فُرض على إسرائيل أن تسمح لها بالعودة إلى بلادها ومزاولة عملها رئيسة للاتحاد النسائي بالقدس، وبعد عودتها تابعت نشاطها وأعمالها الخيرية حتى أقعدها المرض آخر أيام حياتها.
وفاتها
توفيت زليخة في القدس عام 1992، وشيع جثمانها من المسجد الأقصى المبارك بحضور العديد من الشخصيات الوطنية.
أخبار متعلقة :