حاوره زياد خداش:
من الصعب تجاهل دور الكاتب والشاعر أسعد الأسعد في المساهمة المميزة بتشكيل مشهد ثقافي مميز في فلسطين، خاصة في ثمانينيات القرن الماضي.. بحيث كان المثقف الكبير أول رئيس لاتحاد كتاب فلسطيني بالقدس، الاتحاد الذي لم يكن اتحاداً لأدباء يكتبون الشعر والقصص ويصدرون الكتب، بل كان مؤسسة مواجهة لكل محاولات الاحتلال في احتلال وعينا. اتحاد ساهم في التصدي لمخططات المحتلين في تطبيع العلاقات، وصاغ خطاباً نضالياً تصدى لكل محاولات كسر إرادة شعبنا.
الأسعد كان أيضاً رئيساً لتحرير أشهر مجلة ثقافية فلسطينية عربية هي مجلة "الكاتب" والتي لم تكن فقط مجلة أدب وشعر، بل كانت رافعة فكرية نقدية وطنية، ولد ونهض من صفحاتها عديد من القامات الفلسطينية في حقلَي الفكر النقدي والنضال الوطني.. في رصيد الأسعد العديد من الدواوين والروايات.. وهذه دردشة معه:
* ظاهرة الشعراء السفراء معروفة في العالم العربي.. سامي البارودي ونزار قباني وآخرون..
الانتقال إلى العيش ضمن مناخ ثقافي واجتماعي مختلف إلى أي حد سيعمق نص السفير الشاعر؟
- أعتقد أنني لم أبتعد كثيراً عن دائرة اهتمامي، بل ربما كانت في مضمار جديد، لكنها تجربة تضاف إلى تجاربي السابقة، فيها تنوع ثقافي من سياسة وأدب وفنون وعلاقات مختلفة، وأنا لم أكن السفير الأول، القادم من محيط ثقافي فقد سبقني إلى ذلك كثير من الشعراء والأدباء ممن دخلوا هذا المعترك.
* ضمن هذا التنوع وفي إطار هذه التجارب، هل كتبت نصوصاً ملفتة تعتز بها هناك؟
- صحيح، فقد أنجزت روايتي عن سمرقند التي ربطتني بها علاقة حميمة، لا تزال أصداؤها تعشش في داخلي وتداعب ذاكرتي، كما كتبتُ عدداً من القصائد، وإضافة لذلك، كتبتُ كرّاسات، حول القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني.
* على صعيد العمل الثقافي التابع للسفارة، كيف قدمت السفارة ثقافتنا هناك؟ وهل هناك أهمية لذلك في بلد مسلم؟
- لا بد من ذكر أن البلاد التي عملت فيها سفيراً كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، وحملت كثيراً من سمات ذلك الاتحاد، سلباً أو إيجاباً، هذه الشعوب كانت مغلقة على نفسها، ربما لم يعرف الكثير من شعوبها أين تقع فلسطين وماذا حل بأهلها، ولذلك كانت أمامنا تحديات كثيرة لشرح عدالة القضية الفلسطينية، وأعتقد أننا نجحنا في ذلك، إلى حد كبير.
* كنت يوماً ما رئيساً لتحرير أشهر مجلة أدبية فلسطينية هي "الكاتب".. كيف تشعر تجاه هذا التجربة على ضوء اختفاء معظم التقاليد الصحافية الثقافية التي انخرطت فيها؟
- عندما حلت بنا "نكسة 67"، وجدنا أنفسنا في ضياع مطلق، وكان لا بد من النهوض بجانب مهم في نضالنا ضد الاحتلال من أجل تحقيق هويتنا الوطنية، فانتهزنا أول فرصة لتأسيس منبر وطني تقدمي يأخذ بيد الشباب نحو آفاق جديدة، بهدف التأسيس لهويتنا الوطنية. صدرت مجلة "الكاتب" الفلسطينية بعد أن أغلقت مجلة "الكاتب" المصرية. كان صدورها متواضعاً، لكنها احتوت على مواد أدبية لا عهد لنا بها في السابق، كما أخذت على عاتقها الاهتمام بالمبدعين من الشباب، والأقلام الجديدة، ولذلك احتوت على أدب ومواد ثقافية لكتاب كبار، وأيضاً لناشئين.. أذكر كثيراً من الكتاب الذين كتبوا لأول مرة عبرها، وصاروا اليوم كتاباً مرسخين، مثل عادل الأسطة مثلاً، وجميل السلحوت، وخليل توما، وكتاب غزة أيضاً، وبينهم: زكي العيلة، وعمر حمش، وآخرون، وحين أقارن بين منجزنا الصحافي الثقافي في مجلة "الكاتب" وبين منجز، إن صحّت التسمية، منجز الصحافة الإلكترونية، أشعر بالفخر على مدى رقيّنا وصدقنا وهيبتنا التي صنعناها في زمن كنا فيه بأمسّ الحاجة لثقافة وطنية جادة تواكب تضحيات الشهداء، وكانت ذات توجه تقدمي.
* يقال إن أسعد الأسعد لم يقدم نصاً شعرياً مُلفتاً بعكس نصوصه النثرية.. هل توافق؟
- إلى حد كبير نعم، حيث أنني لا أعتبر نفسي شاعراً محترفاً.. أنا أحاول أن أعبر عما لديّ من مشاعر مختلفة، بأي صنف أدبي لائق، فمثلاً، مع بداية الاحتلال في العام 1967، لم أطق أن أعيش خارج فلسطين، حيث كنت حينها أدرس في بيروت، فعدت إلى البلاد متسللاً.. أذكر يومها أن جندياً أردنياً منعني من عبور النهر إلى الضفة الغربية، ودار حوار بيني وبينه ما زلت أذكره، وخرجت منه بنتيجة مفادها سؤال ظل يتردد في ذهني، حول إمكانية أن يكون أحدٌ محايداً أمام الاحتلال، حاولت أن أجيب عن هذا السؤال شعراً، فبدأت أكتب، فكانت روايتي الأولى "ليل البنفسج"، لأجد نفسي أجيب عن السؤال نثراً وليس شعراً، كان ذلك في العام 1989، أي بعد الانتفاضة الأولى المباركة، لذلك أستطيع القول: إنني انتقلت من الشعر إلى الرواية بمعنى أنني بدأت شاعراً وانتهيت روائياً، فقد انجذبت إلى الرواية أكثر من الشعر.
* صدر لك كتاب سيرة ذاتية تحكي فيه عن أهم محطات حياتك شعرياً ووطنياً وإنسانياً.. ما المحطة الأخطر في حياتك؟
- تجربة العمل الدبلوماسي أخطر وأعقد مراحلي، أحياناً كان عليكَ أن تحشر نفسك في تصرفات وسلوكيات معينة تُعتبر خروجاً عن العمل الدبلوماسي، وهذا كان يسبب لي ضيقاً وضغطاً، حيث أنني شخص يعشق الحرية والعفوية وأكره القيود والمهام الرسمية.
* هل يمكننا القول إنه كان ثمة صراع داخلك بين السفير والكاتب؟
- أستطيع أن أقول: إنني فصلت بذكاء وحكمة بين أسعد السفير وأسعد الشاعر، واستطعت أن أتعايش مع هذا الفصل.. كانت لي شطحاتي كشاعر، وكان للسفير رسمياته وواجباته أيضاً.
* تقترب من الثمانين - أطال الله في عمرك - ما الذي يمكن أن يكتبه إنسان ثمانيني؟
- إن كان هذا الثمانيني صادقاً مع نفسه، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن الكتابة عنها.. الكتابة عندي مرتبطة بالتنفس. ما دمت أتنفس فثمة احتمال لنص جديد.
* أنت أول رئيس لاتحاد الكتاب الفلسطينيين وأحد أهم مؤسسيه.. حدثنا عن سياق فكرة تأسيس أول اتحاد كتّاب فلسطيني تحت الاحتلال؟
- المعروف أننا جزء لا يجزأ من الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، لذا دفعنا تعاظم دور الثقافة في فلسطين إلى التفكير في تأسيس اتحاد للكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة.. في البداية واجهتنا عدّة عقبات، أهمها الحصول على ترخيص من الاحتلال، وثانيها تعريف هذا الاتحاد ما إذا كان الأصل أم الفرع، حيث كان الأصل مُؤسساً منذ عدة سنوات في الخارج، وضم معظم الكتاب والأدباء الذين كان لهم الدور الكبير في تأكيد الهوية الفلسطينية الوطنية، وأذكر منهم: غسان كنفاني، ومعين بسيسو، وعبد الكريم الكرمي، ويوسف الخطيب، وجبرا إبراهيم جبرا، ومحمد أيوب، وغريب عسقلاني، وغيرهم.. ولذلك نجحنا في البداية أن نقيم تجمّعاً للكتاب تابعاً تارة لمجلة "البيادر" في القدس، وتارة أخرى لجامعة بيرزيت، وأخرى للملتقى الفكري، ثم كان العام 1984، حيث عقدنا أول مؤتمر تأسيسي أعلنا فيه قيام اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة تجنباً لأي خلاف مع الخارج.
* هل شعر الاحتلال بخطورة أن يكون هناك اتحاد كتاب في الأرض المحتلة؟
- منذ البداية تعرّض الكتاب والمثقفون الفلسطينيون إلى أشد أنواع المضايقات، وقد كنت واحداً من هؤلاء، حيث افتتحتُ مكتبة سميتها باسم ابنتي شروق، في أول شارع يافا بمدينة رام الله.. كانت المكتبة تهتم بالكتب التقدمية والوطنية، وقد أصبحت ملتقى للكتاب من الضفة والقطاع، إلى أن تصاعد قمع الاحتلال وملاحقته للثقافة كتباً وأمسيات وفعاليات مختلفة، بحيث تمت مداهمة المكتبة، واعتقالي، ومصادرة الكتب، ومنعي من العمل في الضفة الغربية، بصفتي حاملاً للهوية المقدسية.
أخبار متعلقة :