الكويت الاخباري

مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا.. نفق بحري يصل أفريقيا بأوروبا - الكويت الاخباري

مشروع ظل قيد النقاش بين الرباط ومدريد عقودا عدة، بدأت فكرته بإقامة جسر فوق سطح البحر قبل أن يتحول إلى إنشاء نفق تحت قاع البحر، يربط البلدين الجارين ويفتح بذلك الطريق أمام تعزيز التواصل بين أفريقيا وأوروبا بشكل أوسع. تأثر تقدم المشروع فترات طويلة بالخلافات السياسية بين المغرب وإسبانيا بشأن ملفات ثنائية وإقليمية مختلفة، لكنه استعاد زخمه بعد دعم مدريد عام 2022 مشروع الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.

وازدادت أهمية المشروع بعد اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) المغرب وإسبانيا والبرتغال لاستضافة فعاليات بطولة كأس العالم (المونديال) عام 2030، في ظل الاهتمام الإقليمي بتعزيز المبادرات والشراكات الاقتصادية بين أوروبا وأفريقيا.

تاريخ الفكرة

تعود فكرة الربط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ظل المشاريع الاستعمارية الغربية في المنطقة، وهي الفترة التي شهدت افتتاح قناة السويس في مصر وتبلورت فيها فكرة إنشاء ممر ثابت بين فرنسا وبريطانيا عبر بحر المانش (نفق المانش)، وهو ما تحقق في أواخر القرن العشرين عبر نفق للسكك الحديدية تحت البحر افتتح عام 1994.

وتحولت فكرة الربط بين المغرب وإسبانيا إلى مشروع تبناه الطرفان بشكل رسمي عام 1979 باتفاق بين الملك المغربي الراحل الحسن الثاني والملك الإسباني السابق خوان كارلوس.

وفي أولى خطوات تفعيل الفكرة، تم إنشاء "الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق" بالمغرب، و"الشركة الإسبانية للدراسات من أجل الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق"، وتم تكليفهما بمهام دراسات الجدوى والتخطيط التقني للمشروع.

من جسر إلى نفق

في البداية طُرحت فكرة إنشاء جسر يربط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق لاختصار المسافة البحرية بين الشاطئين التي لا تتجاوز 14 كيلومترا. وفي 1983 بدأت سلسلة أعمال تجريبية على ضفتي المضيق، شملت الحفر والدراسات الملاحية المعقدة، بهدف تقييم مختلف البدائل في إطار مرحلة ما قبل الجدوى.

غير أن نتائج الدراسات والتجارب دفعت في 1996 إلى استبعاد خيار الجسر، والاتجاه بدلا من ذلك نحو إنشاء نفق للسكك الحديدية تحت الماء مثل نفق المانش، بطول إجمالي يبلغ 42 كيلومترا، منها 28.5 كيلومترا تمر أسفل قاع البحر.

دراسات الجدوى

بعد أن استقر القرار على خيار النفق البحري بدأت عام 1997 دراسات الجدوى واستمرت حتى عام 2005 بإجراء دراسات جيولوجية إضافية، لا سيما عبر تجارب الحفر العميق في البحر (تحت قطاع مائي يبلغ عمقه 280 مترا).

إعلان

في عام 2007 انطلقت فعليا دراسات الجدوى الشاملة لمشروع الربط عبر مضيق جبل طارق، وتم بحث مسارين محتملين للمعبر تحت الماء: الأول بطول 14 كيلومترا وعلى عمق 800 متر، لكنه اعتُبر شديد الخطورة، والثاني يُعرف بمسار "أومبرال"، ويمتد 28 كيلومترا تحت البحر على عمق 300 متر فقط، مما جعله الخيار الأنسب نظرا لاعتداله الجيولوجي.

وبناء على نتائج هذه الدراسات، توصّل المغرب وإسبانيا عام 2009، في الدورة الـ42 للجنة المشتركة بينهما، إلى ضرورة إزالة الشكوك المتعلقة بتكوينات قاع المضيق، مع الاستعانة بأحدث تقنيات حفر الأنفاق المتاحة آنذاك.

توقفت النقاشات المتعلقة بالمشروع فترات طويلة، خصوصا ما بين 2010 و2021، بسبب التوترات الثنائية والإقليمية.

عودة المشروع إلى الواجهة

في عام 2022 عاد مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا إلى دائرة الاهتمام السياسي، بعدما أعلنت مدريد للمرة الأولى دعمها مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.

وشكّل ذلك منعطفا في مسار التعاون بين البلدين، تُوج عام 2023 بتوقيع مذكرة تفاهم جديدة هدفت إلى تحديث ومراجعة دراسات الجدوى المنجزة في العقود السابقة.

منذ ذلك التاريخ تم توحيد الإطارين التنظيمي والعملياتي لكل من الشركة المغربية لدراسات مضيق جبل طارق والشركة الإسبانية للدراسات من أجل الربط الثابت عبر المضيق، مما أسهم في تعزيز التنسيق وجعل قنوات التواصل أكثر فعالية.

ولترسيخ هذا التعاون تم في 2024 إدماج شخصيات دبلوماسية رفيعة في إدارة المؤسستين؛ إذ عُيّنت سفيرة المغرب بمدريد كريمة بنيعيش عضوا في مجلس إدارة الشركة الإسبانية، في حين انضم السفير الإسباني بالرباط إنريكي أوخيدا إلى مجلس إدارة إدارة "الشركة المغربية لدراسات مضيق جبل طارق".

وتضمنت خطة العمل للفترة بين 2024 و2026 تنفيذ أشغال رئيسية، أبرزها:

التعاون مع مراكز ومعاهد علمية وتقنية على المستويين الوطني والدولي. إجراء حملات استكشاف جيولوجي في البر والبحر لرسم المسار الأمثل للنفق. إنجاز تقييمات تقنية واقتصادية واجتماعية وبيئية وجيوستراتيجية للمشروع. الترويج للمشروع على الصعيدين الإقليمي والدولي.

كما شملت دراسات الجدوى تطوير نموذج هندسي مستوحى من نفق المانش، إلى جانب تزويد قاع البحر بتجهيزات للرصد الزلزالي، وإبرام شراكات علمية بين مراكز البحث المغربية والإسبانية لتعميق الفهم الجيولوجي والهندسي للممر. وتُقدر التكلفة الإجمالية لهذه الدراسات والأشغال بحوالي مليار يورو.

مشروع في مهب السياسة

منذ انطلاق التفكير فيه عام 1979، ظل مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا رهينا بالتقلبات السياسية وحالة المد والجزر التي طبعت علاقات البلدين، على خلفية الكثير من الملفات المعقدة بين البلدين منها قضية السيادة على مدينتي سبتة ومليلية (الواقعتين في الأراضي المغربية والخاضعتين للسيادة الإسبانية)، وملف الصحراء التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني حتى 1975 وضمها المغرب إلى سيادته، فضلا عن قضية الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإسبانية انطلاقا من المغرب.

توقفت النقاشات المتعلقة بالمشروع فترات طويلة، خصوصا ما بين 2010 و2021، بسبب التوترات الثنائية والإقليمية. غير أن التحول الجوهري جاء في مارس/آذار 2022 حين أعلنت الحكومة الإسبانية دعمها مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، مما أعاد الزخم للمشروع وأدى إلى استئناف اجتماعات اللجنة المشتركة، وصولا إلى توقيع اتفاقيات تقنية ومؤسساتية بين عامي 2023 و2024.

إعلان

كما حظي المشروع بدفعة معنوية إضافية مع قبول الملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، الأمر الذي عزز الإرادة السياسية لتسريع وتيرة الدراسات التقنية ودراسات الجدوى الخاصة بالنفق البحري.

كما تنامى الاهتمام الأوروبي بالعوائد الإستراتيجية والاقتصادية للمشروع في ظل تحول التحالفات الدولية وتزايد جاذبية مضيق جبل طارق ضمن المشاريع الجيوسياسية العابرة للقارات.

المواصفات

المسار: يربط بين حي مالاباطا في طنجة بالمغرب، ومنطقة بونتا بالوما قرب مدينة طريفة الإسبانية، باعتباره الممر الأكثر ضحالة بين الضفتين. الطول: يبلغ إجمالي المسافة بين نقطتي البداية والنهاية 42 كيلومترا، منها 28 كيلومترا تحت سطح البحر والبقية عبر نفق بري. التصميم: مخصص لحركة القطارات التقليدية والعالية السرعة، إضافة إلى الحافلات المكوكية لنقل المركبات الخفيفة والثقيلة. البنية التحتية: يشمل المشروع سكتين حديديتين ورواقا خاصا بالخدمات والإغاثة. العمق: أقصى عمق يصل إلى 475 مترا بما يتناسب مع ضغط المياه. التوقعات التشغيلية: نقل 13 مليون طن من البضائع سنويا، ونقل نحو 13 مليون مسافر في الاتجاهين على المدى المتوسط.

مراحل التنفيذ

المرحلة الأولى: إنشاء نفق أحادي السكة بقطر 7.9 أمتار. المرحلة الثانية: إنشاء نفقين إضافيين للسكك الحديدية.

الربط الإقليمي

يتم ربط النفق بالقطارات الفائقة السرعة في إسبانيا نحو مدريد وبرشلونة، وفي المغرب نحو الدار البيضاء وأغادير، مما يقلص زمن السفر إلى 6 ساعات بين طنجة ومدريد، و10 ساعات بين طنجة وباريس.

الأهمية الإستراتيجية

يُتوقع أن يشكل النفق شريانا اقتصاديا حيويا بين أوروبا وأفريقيا، وأن يخفف الضغط المتزايد على مضيق جبل طارق المزدحم.

تكلفة المشروع

تتباين التقديرات بشأن التكلفة الإجمالية للمشروع، إذ ترى الحكومتان المعنيتان، المغربية والإسبانية، أن الميزانية المطلوبة تبلغ نحو 15 مليار دولار.

غير أن الدراسات الفنية الأولية أشارت إلى أن التكلفة الفعلية قد تتجاوز 30 مليار دولار نظرا للتحديات الجيولوجية المعقدة في منطقة المضيق، مثل صلابة الصخور، والعمق البحري الذي يبلغ نحو 900 متر، إضافة إلى النشاط الزلزالي وقوة التيارات البحرية.

تداعيات دولية

ترى العديد من الأطراف أن المشروع قد يتجاوز كونه مجرد ربط ثابت بين بلدين، ليصبح مبادرة إقليمية تربط أوروبا بأفريقيا عبر إدماجه في شبكة النقل الأوروبية، مما يعزز البنية التحتية الأورومتوسطية.

وتزايد الاهتمام الدولي بالمشروع بعد إبداء بريطانيا، التي تسيطر على صخرة جبل طارق، اهتمامها بتمويله بعد أن تخلت عن فكرة الربط القاري بين جبل طارق ومدينة طنجة لأسباب سياسية وتقنية، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

كما برز الاهتمام الأوروبي بالمشروع من خلال مساهمة برنامج "الجيل الأوروبي المقبل" بـ1.6 مليون دولار لدراسات الجدوى، مع انخراط صناديق أوروبية في تقييم سيناريوهات العائد الاقتصادي للمشروع.

من جهة أخرى، يتقاطع المشروع مع مبادرات مغربية أخرى ذات امتداد إقليمي، منها ميناء الداخلة الأطلسي ومبادرة الولوج إلى المحيط الأطلسي، مما يحوّل المغرب إلى محور لوجستي يربط القارة السمراء بأوروبا.

تحديات وعوائق

أشارت الكثير من التقارير إلى أن الربط القاري بين المغرب وإسبانيا طموح للغاية من الناحية الهندسية وقد يتأثر بالتحولات السياسية في المنطقة، مما يطرح أمامه الكثير من التحديات بعضها تقني والآخر سياسي:

التحديات التقنية

يواجه المشروع صعوبات كبيرة بسبب الطبيعة الجيولوجية المعقدة لمنطقة المضيق، حيث تلتقي الصفيحتان التكتونيتان الأوروبية والأفريقية، مما يجعل المنطقة غير مستقرة ويصعب البناء فيها، إلى جانب التيارات البحرية القوية.

كما أن طبيعة التربة الطينية تشكل تحديا إضافيا للحفر، مقارنة بتربة بحر المانش التي تحتوي على أحجار كلسية تسهّل أعمال الحفر.

إعلان

التحديات السياسية

تمثل التوترات السياسية بين المغرب وإسبانيا إحدى أبرز العقبات المحتملة، إضافة إلى الخلافات الإقليمية المتعلقة بمقاربات التعامل مع الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا.

ومن المرجح أن تتحفظ بعض دول الاتحاد الأوروبي على المشروع نظرا لمخاوفها من تداعيات الهجرة.

أخبار متعلقة :