الكويت الاخباري

لماذا لا يملك كيان الاحتلالإسرائيل دستوراً مكتوباً.. ولماذا لم يضع حدودا لكيانه؟ - الكويت الاخباري

في حالة فريدة من نوعها بين معظم دول العالم، لا يمتلك كيان الاحتلال دستوراً رسمياً واحداً ومكتوباً. هذا الغياب ليس وليد صدفة، بل هو نتيجة صراعات أيديولوجية عميقة تعود إلى لحظة تأسيسه، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية أخرى لا تقل تعقيداً: عدم ترسيم حدوده النهائية بشكل رسمي وقانوني.


معضلة الدستور: صراع الدين والدولة

عند تأسيس كيان الاحتلال عام 1948، نشأ خلاف جوهري بين قادته حول طبيعة وهوية الدولة، وهو ما حال دون كتابة دستور موحد.

وبحسب مؤرخين ومحللين قانونيين، انقسم النقاش بين تيارين رئيسيين:

التيار الديني: بقيادة الأحزاب الدينية، التي رأت أن التوراة والشريعة اليهودية (الهالاخاه) هي الدستور الأعلى والأبدي للشعب اليهودي، وأن أي دستور وضعي (من صنع الإنسان) سيكون في مرتبة أدنى وقد يتعارض مع الأحكام الدينية.

التيار العلماني: بقيادة شخصيات مثل ديفيد بن غوريون، الذي كان يطمح إلى دستور ديمقراطي حديث على غرار الدساتير الغربية، لكنه أدرك أن فرض دستور علماني سيؤدي إلى انقسام عميق في المجتمع الهش حديث النشأة.

وللخروج من هذا المأزق، تبنى الكنيست عام 1950 حلاً وسطاً عُرف باسم "تسوية هراري".

وبموجب هذه التسوية، تقرر عدم كتابة دستور موحد في ذلك الوقت، بل إعداد الدستور "فصلاً فصلاً" من خلال سن مجموعة من "القوانين الأساسية" التي ستُجمع في المستقبل لتشكل الدستور المكتمل.

وحتى اليوم، لم يتم تجميع هذه القوانين، وبقيت "القوانين الأساسية" تعمل كدستور غير رسمي، حيث منحتها المحكمة العليا مكانة دستورية تستخدمها لمراجعة التشريعات.

حدود لم تُرسم أبداً: سياسة "الغموض الاستراتيجي"

إن السؤال عن حدود كيان الاحتلال المنصوص عليها في الدستور لا يمكن الإجابة عليه، لأنه ببساطة لا يوجد دستور لترسيم هذه الحدود. لكن الأمر أعمق من ذلك؛ فالغياب ليس نتيجة فقط، بل هو سياسة متعمدة انتهجها قادة الحركة الصهيونية منذ البداية.

تُظهر وثائق تاريخية أن ديفيد بن غوريون رفض بشكل قاطع ترسيم حدود الدولة عند إعلان قيامها، وذلك لترك الباب مفتوحاً أمام التوسع المستقبلي. هذه السياسة، التي يُطلق عليها أحياناً "الغموض الاستراتيجي"، سمحت لكيان الاحتلال بالتمدد واحتلال أراضٍ جديدة دون أن يكون ملزماً قانونياً بحدود معينة.

وعلى مر التاريخ، كانت هناك عدة تصورات للحدود، لكن لم يتم اعتماد أي منها كحدود نهائية ورسمية:

حدود خطة التقسيم (1947): أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 181 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع تحديد دقيق للحدود. ورغم قبول الوكالة اليهودية بالخطة آنذاك، إلا أن الحرب التي تلتها غيرت الواقع على الأرض.

"الخط الأخضر" (حدود 1967): هي خطوط الهدنة التي تم التوصل إليها عام 1949 بعد حرب 1948، ويعتبر المجتمع الدولي هذه الحدود أساس حل الدولتين، لكن كيان الاحتلال يرفض الاعتراف بها كحدود دولية نهائية، ويتعامل معها كخطوط وقف إطلاق نار مؤقتة.

عقيدة "إسرائيل الكبرى" كعائق أساسي

يزداد تعقيد قضية الحدود بسبب نفوذ عقيدة "إسرائيل الكبرى"، خاصة داخل حزب الليكود والتيار الديني القومي.

هذه العقيدة، التي تستند إلى تفسيرات توراتية متطرفة، ترى أن "أرض إسرائيل التاريخية" تمتد "من النيل إلى الفرات"، وتشمل على الأقل كامل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر.

هذه الأيديولوجية التوسعية تجعل من المستحيل سياسياً على أي حكومة يمينية الاعتراف بحدود نهائية، خاصة حدود عام 1967، لأن ذلك سيعتبر تخلياً عن "أراضٍ توراتية".

وقد تجلت هذه العقيدة بوضوح في تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة، وفي الخريطة التي عرضها في الأمم المتحدة عام 2023 والتي محت فلسطين بالكامل.

وعليه، إن غياب الدستور وعدم ترسيم الحدود هما وجهان لعملة واحدة، ويعكسان الصراعات التأسيسية التي لم تُحل بعد داخل كيان الاحتلال: الصراع بين الهوية الدينية والهوية العلمانية للدولة، والصراع بين فكرة الدولة القومية المحدودة جغرافياً، وبين الطموحات التوسعية لعقيدة "إسرائيل الكبرى". وهذا الغموض المتعمد يخدم سياسة فرض الأمر الواقع، ويسمح بالاستمرار في التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة دون أي التزام قانوني أو دستوري بحدود معينة.

أخبار متعلقة :