كتب يوسف الشايب:
اختارت عازفة البيانو الأرمنية السويسرية الشهيرة، لورينس ماختيريان، والمقيمة في بلجيكا، "تحت السقوط"، عنواناً لعرضها الذي احتضنته قاعة الشارقة في مقر معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بمدينة رام الله، أول من أمس.
وأشارت ماختيريان، التي يأتي عرضها ضمن فعاليات "مهرجان الياسمين 2025"، إلى أنه عادة ما تعزف الموسيقى التي تدعم الإنسان في مواجهة القتل والظلم والكراهية، مشددة على أن الموسيقى يمكن أن تساعد العقل كما الروح في الاستمرار رغم الوضع الذي لا يطاق، والذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات حول ما يحدث في قطاع غزة، وجميع أنحاء فلسطين، مشيرة إلى حكاية شعبها، وتقاطعها مع حكاية الشعب الفلسطيني، ففي كلتا الحالتين تعرض الشعب الأصلاني، ولا يزال، إلى ظلم الاستعمار، والترحيل، والإبادة.
ولفتت ماختيريان، في حديث مع "الأيام"، إلى أن اختيارها "تحت السقوط"، كعنوان لعرضها في رام الله، والذي قدمته لغزة وأهلها وعموم الفلسطينيين، يأتي من باب التأكيد على كون الموسيقى والفنون عامة، والفعل الثقافي بشكل أشمل، تشكل عوامل للصمود، وعدم الوقوع في براثن الانهيار، الذي يسعى النقيض إلى فرضه بشتى الطرق على أصحاب الأرض، وهذا ما يحدث في فلسطين، وخاصة غزة، كاشفة عن أنها كانت أحيت سلسلة عروض في القطاع في العام 2014، حيث مكثت شهرين، علاوة على علاقتها الخاصة بفلسطين، التي بدأت منذ العام 1979 بزيارة برفقة والدها المولود في مصر ويجيد العربية، على عكسها، وتعمقت بزيارات عدّة كموسيقية، لطالما تعاونت مع معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، الجهة المنظمة للعرض كما المهرجان.
وكانت البداية مع مقطوعة الموسيقار الألماني الشهير يوهان سباستيان باخ، الموسومة بـ"تستطيع الأغنام أن ترعى بأمان" إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الموسيقى العالمية عن كلمات سالومون فرانك في العام 1713، وتعرف أيضاً باسم "كانتاتا"، أو "كانتاتا الصيد"، وهي بالعادة ما تعزف كثيراً، أو كانت، في حفلات الزفاف الغربية، لتشير ماختيريان إلى أن اختيارها يأتي من عمق ارتباطها بالمآسي التي تطارد الفلسطينيين منذ عقود، وتتواصل في غزة، التي تمسني كثيراً، باعتبارها رسالة للسلام.
وتحت عنوان "صفحات من أرمينيا"، قدمّت ماختيريان، أربع مقطوعات موسيقية للبلجيكي جان لوك فافشان، وهو عازف بيانو وملحن معاصر، وأعدها خصيصاً لها، من وحي الإبادة الجماعية للأرمن، والثقافة والتراث الأرمني، والتي وجدت فيها جسراً يعبر بالتاريخ من العام 1915 إلى العام 1948 وما يليه، ويمتد من أرمينيا إلى فلسطين، حيث النكبة المستمرة كما الإبادة، بحيث كانت الأولى بعنوان "جولات"، تلتها "صحراء الدم"، فـ"ألف ألف اسم تم محوه"، قبل أن تختم "الصفحات الأرمينية"، بمقطوعة "ما رآه كوميتاس".
و"كوميتاس"، هو الاسم الذي عرف به سوغومون سوغومونيان، الذي هو مؤسسة المدرسة الوطنية الأرمنية للموسيقى في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وكان كاهناً، وعالم موسيقى، وملحناً، ومغنياً، وقائد جوقة، بحيث يعتبر الأب الروحي لموسيقى الشعب الأرمني.
وقدّمت ماختيريان مقطوعتين موسيقيّتين لكوميتاس، أولهما بعنوان "إنه الربيع"، في حين حملت الثانية عنوان "شجرة المشمش".
وعادت لورينس مجدداً إلى أحضان الموسيقى المعاصرة، مقدمة على البيانو ما فيه تجديد غير مُسطّح، عبر مقطوعة "كاثدرائية آني" للبلجيكي جان بيير دولوز.
وكان لافتاً تقديم ماختيريان في عرضها "ضد السقوط" مقطوعتين موسيقّيتين من تأليف الفلسطيني المقيم في إسطنبول، محمود أبو وردة، الأولى حملت عنوان "أنقاض المنازل"، فيما كانت "حلم سماء هادئة" المقطوعة الثانية، لتسبقهما بنص كان الأخير للشاعرة الشهيدة هبة أبو الندى، ضحية حرب الإبادة المتواصلة في غزة، دون أن تتمكن من حبس دموعها.
وختمت عازفة البيانو الأرمينية السويسرية حفلها بثلاثية اشتملت على مقطوعات لثلاثة من عمالقة الموسيقى العالمية عبر التاريخ، فكانت بداية النهاية مع مقطوعة "مادونا فريديك" من تأليف التشيكي ليوش ياناتشيك بين العامين 1900 و1911، ثم "ارتجال في شقة محورية" للنمساوي فرانز شوبرت، ثم مقطوعة ارتجالية لشوبان قدّمتها "في تذكار جميع الضحايا بغزة".
أخبار متعلقة :