نشر موقع "فوكس" تقريرا بعنوان "ترامب يخسر"، يقول فيه إن إدارة الرئيس الأميركي أظهرت خلال أول 100 يوم من ولايته الثانية براعة استثنائية في تحطيم المؤسسات، لكنها لم تتمكن من إنجاز هدفها الأكبر.
وأوضح التقرير الذي أعده زاك بوشامب كبير المراسلين في الموقع الأميركي أن براعة إدارة دونالد ترامب في التدمير الكامل أو الجزئي اتضحت في تقويض مجموعة كبيرة من المؤسسات ما بين تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تفريغ الوكالات الصحية العامة من الموظفين.
وأشار إلى أن نطاق هذا التدمير، الذي قادته وزارة الكفاءة الحكومية، كان واسعا بشكل غير مسبوق، وشمل التخريب السياسي.
وقال إن ترامب يبدو كأنه نجح نجاحا باهرا في تحقيق أهدافه، لكن عند النظر إلى هدفه الأكثر طموحا، وهو "إلغاء الضوابط على سلطاته وتحويل الديمقراطية إلى نظام سلطوي"، فإن الأدلة تشير إلى أنه يخفق في ذلك، حتى الآن على الأقل.
سوابق الاستبداد
ومضى الكاتب ليقول إن هناك وصفة معروفة لتحويل الديمقراطية إلى نظام سلطوي، استخدمت في بلدان مثل الهند والمجر. وهي تتطلب قائدا يقوم بسلسلة من الإجراءات لتقويض مؤسسات الدولة تدريجيا، لكن إدارة ترامب لم تنجح في ذلك.
وأضاف أن الإدارة الأميركية حاولت تقليد النمط السلطوي الأجنبي، لكنها نفذته بطريقة سيئة وغير مدروسة.
إعلان
ونسب إلى لوكان واي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تورنتو القول إنه "علينا الامتنان لحظّنا حيث اختار ترامب أن يفعل ذلك بطريقة غبية جدا".
ومع ذلك يقول بوشامب إن هذا لا يعني أن الديمقراطية الأميركية آمنة تماما، إذ لم يشهد التاريخ الأميركي رئيسا بهذا القدر من الالتزام بتقويض النظام الدستوري والاستيلاء على السلطة.
ويضيف أنه لا أحد يعلم ما إذا كانت المؤسسات الديمقراطية ستصمد عندما يستمر الضغط لسنوات وليس لأشهر، لكن ما حدث خلال أول 100 يوم "يمنحنا سببا للأمل".
كيف تكسر الديمقراطية؟
ولفهم ما يحاول ترامب فعله، ولماذا يخفق بتحقيقه، يقول الكاتب إنه من المفيد دراسة كيف دمر فيكتور أوربان الديمقراطية في المجر.
ويشير إلى أن أوربان، الذي عاد إلى الحكم عام 2010، خطط مسبقا للسيطرة الكاملة على السلطة، ولم يعلن نفسه دكتاتورا بشكل مباشر، بل قام بسلسلة من الخطوات التدريجية والمربكة، مثل السيطرة على القضاء والإعلام، وتغيير قوانين الانتخابات لصالحه، وكل ذلك بهدوء وبوسائل قانونية معقدة.
وقد حاولت إدارة ترامب تقليد النهج المجري. وقال سياسيون مثل نائب الرئيس جي دي فانس وكريستوفر روفو إنهم يرون في المجر نموذجا لأميركا.
وعند مراجعة أكثر من 2700 سياسة ومبادرة لإدارة ترامب الثانية، وجدت العالمة السياسية جينيفر فيكتور أن ثلثي عددها يستهدف سيادة القانون والحريات المدنية.
لكن، ورغم المحاولات، لم ينجح ترامب ومعاونوه في القضاء على الانتخابات الحرة أو حقوق التصويت، وهو ما يعكس إخفاقهم بتنفيذ الخطة السلطوية بشكل فعال.
وتوضح فيكتور أن "إضعاف سلطة القضاء هو الخطوة الأولى في تحويل الدولة إلى نظام سلطوي بالكامل".
إخفاق بإخضاع المؤسسات
ويمضي بوشامب في تحليله ليقول: صحيح أن ترامب حقق بعض النجاحات مثل إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو ترحيل أشخاص دون سند قانوني. لكن النجاح الحقيقي لأي زعيم سلطوي لا يقاس بعدد الانتصارات الفردية، بل بقدرته على فرض سيطرته على النظام بالكامل.
إعلان
ويواجه ترامب مقاومة من معظم مراكز السلطة، وعلى سبيل المثال، هناك 255 دعوى قضائية ضد سياساته، وفي أكثر من 100 منها أوقفت المحاكم تطبيق قراراته، ولم يفز إلا في حوالي 30 قضية فقط.
وحتى المحكمة العليا التي تضم قضاة محافظين لم تتحول إلى أداة مطيعة له. فقد أصدرت حكمين مهمين ضده: أحدهما يجبره على دفع مستحقات للمتعاقدين مع وكالة التنمية، وآخر يوقف عمليات الترحيل مؤقتا.
أما الإعلام، فلم يخضع له رغم محاولات الترهيب، مثل معاقبة وكالة أسوشيتد برس لرفضها استخدام مصطلح "خليج أميركا"، ولا تزال الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست تنشر تقارير استقصائية قوية ضده يوميا.
وكان قطاع الأعمال والمجتمع المدني قد بدآ القبول بالتعامل مع ترامب، لكن وبحلول أبريل/نيسان الماضي، شرعت شركات كبرى مثل تلك الموجودة في وادي السيليكون وبعض الجامعات الكبرى بالمقاومة.
وأورد الكاتب وقائع توضح المقاومة التي أشار إليها، ومنها:
الشركات الأميركية غاضبة من الرسوم الجمركية التي تهدد أرباحها. كبار المستثمرين التكنولوجيين بدؤوا الابتعاد عن الإدارة. جامعة هارفارد رفعت دعوى قضائية ضد قراراته، وأكثر من 150 رئيس جامعة وقعوا خطابا يعارض سياساته. شركات محاماة كبرى بدأت تدعمه ثم تراجعت بعد أن قدم مطالب غير واقعية، مما أدى إلى استقالات داخلية.وببساطة، يقول دوشامب إن ترامب أخفق في فرض الطاعة على المجتمع المدني، وهو عامل أساسي لنجاح أي زعيم سلطوي مثل أوربان.
ترامب يخسر
والأنظمة السلطوية بحاجة إلى دعم شعبي، حتى لو كان نسبيا. فقد استطاع أوربان الفوز بأغلبية برلمانية بفضل قوانين انتخابية منحازة، أما ترامب، فلم يتمكن من تمرير قوانين مشابهة، لذا لا يزال يعتمد على دعم الناس.
وبعد فرضه الرسوم الجمركية، تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها مقارنة بأي رئيس أميركي آخر في القرن الـ21، باستثناء نفسه في ولايته الأولى.
إعلان
وحتى في موضوع الهجرة، الذي طالما كان أحد نقاط قوته، تراجعت شعبيته بسبب قضية أبرغو غارسيا، الذي تم ترحيله بشكل غير قانوني إلى السلفادور. وأظهر استطلاع حديث من نيويورك تايمز أن غالبية الناخبين يرون أنه تجاوز حدوده في فرض سياساته.
ويخفق ترامب لأنه لا يتبع تكتيك أوربان بشكل ذكي أو تدريجي. فقد عمل أوربان على تحييد أعدائه بهدوء وبذكاء، أما ترامب، فتصرف وكأنه يملك سلطة مطلقة من اليوم الأول، وهاجم الجامعات والصحافة والقضاء بشكل مباشر وصاخب.
ونسب الكاتب إلى الباحث السياسي روبرت ميكي القول: "الكثير من خططهم مستعجلة وغير مدروسة. ومع وجود رأي عام وانتخابات نصفية، فهذا يؤذي أهدافهم السلطوية".
وحتى حين أرادت جامعات مثل هارفارد تقديم تنازلات، قدمت إدارة ترامب مطالب مبالغا فيها، مما اضطرها للمقاومة.
وتساءل دوشامب عما إذا كان هذا السلوك يعني أن إدارة ترامب ستخفق وأن الديمقراطية الأميركية بخير، مجيبا: "بالتأكيد، لا".
وختم بأن من الممكن أن يتعلم ترامب من أخطائه أو أن يحاول تحدي القضاء علنا وينجح، مبيّنا أن النجاح في إيقافه يعتمد على مدى التزام المجتمع الأميركي بالمقاومة، وإدراكه أن هذه المعركة يمكن الانتصار فيها لكنها تتطلب العمل.
أخبار متعلقة :