بينما يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة أذربيجان الأسبوع المقبل، تزداد المؤشرات داخل إسرائيل على أنه قد يواجه لحظة حاسمة في مستقبله السياسي، وربما أقرب مما كان متوقعا. فمع اقتراب موعد بدء التحقيق المضاد في قضاياه الجنائية، عاد الحديث بقوة في الأوساط السياسية والقانونية عن احتمال التوصل إلى صفقة "إقرار بالذنب" تنهي محاكمته مقابل خروجه من الحياة السياسية.
خطورة بدء التحقيق المضاد
وفقا لما نشرته المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف" آنا برسكي، فإن زيارات نتنياهو الخارجية لم تعد روتينية، بل تحولت إلى عمليات محسوبة ومعقدة. فمنذ أن أصدرت الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحقه، تخضع كل رحلة من رحلاته في طائرة "جناح صهيون" لتخطيط دقيق، بما فيها المسار الجوي لتفادي المرور في أجواء دول قد تعتقله.
وسلطت المراسلة الضوء على أن زيارة نتنياهو المقررة إلى باكو، والتي تستغرق 4 إلى 5 أيام، ليست مجرد زيارة دبلوماسية عادية، بل قد تؤدي أيضا إلى تأجيل بدء التحقيق المضاد في قضيته أسبوعا على الأقل، وهو الإجراء القضائي الأكثر خطورة على أي متهم، بمن فيهم نتنياهو.
ويقصد بالتحقيق الجنائي المضاد استجواب الدفاع للشاهد الذي قدمته النيابة العامة، بهدف التشكيك في أقواله أو إضعاف مصداقيته.
إعلان
وفي حالة نتنياهو، فإن هذا التحقيق هو المرحلة القادمة في محاكمته، إذ سيقوم محامو النيابة باستجوابه بحدة وبأسلوب هجومي، بعد أن أدلى بشهادته الرئيسية (أي أقواله التمهيدية التي قدم فيها روايته للأحداث).
وتعتبر هذه المرحلة خطرة لأن المتهم لا يعرف الأسئلة التي ستوجه إليه مسبقا، إذ ستحاول النيابة إحراجه بطرح أسئلة تفصيلية قد تُظهر تناقضات، كما أن التغطية الإعلامية لهذه المرحلة ستضر بصورته بشدة.
وتشير برسكي إلى أن التحقيق المضاد يعتبر مرحلة شديدة الحساسية في أي محاكمة، وغالبا ما يسقط فيها متهمون بارزون، حتى أولئك الذين يوصفون بالدهاء أو الذكاء القانوني.
ولهذا السبب، حذر العديد من المقربين من نتنياهو على مدار العام الماضي من الوصول إلى هذه المرحلة. وقال أحدهم: "أي عبقري مثله يمكن أن يقع تحت وابل الأسئلة والضغوط. يجب عليه أن يدرس كل سيناريو واقعي لتجنب هذا الموقف".
في المقابل، لا يزال هناك من يشجعه على الاستمرار حتى النهاية، آملين في انهيار القضية وانتصاره الكامل. لكن نتنياهو، كما تصفه الكاتبة، "ضبابي كالعادة ولا يتخذ قرارات نهائية إلا في اللحظة الأخيرة"، مما يصعّب على المقربين منه معرفة توجهه الحقيقي.
اللافت، بحسب التقرير، أن فكرة صفقة الادعاء (الإقرار بالذنب) عادت إلى طاولة النقاشات الداخلية، بل وتُطرح الآن بجدية تفوق تلك التي كانت في المحاولة الفاشلة عام 2022. حينها انهارت المحادثات بسبب رفض نتنياهو الاعتراف بـ"العار الأخلاقي" الذي يفرض عليه مغادرة الحياة السياسية وقتا طويلا. أما اليوم، فإن الوضع تغيّر.
وفي مايو/أيار 2025، بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما تلاها من حرب طويلة وانقسام داخلي حاد، يبدو أن المؤسسة القضائية هي الآن أكثر استعدادا لعرض صفقة بشروط مختلفة تسمح لنتنياهو بالخروج "بكرامة". وكما يقول أحد المقربين: "الأساس هو أن يرحل. هذا كل شيء".
إعلان
وتعكس الأجواء العامة داخل إسرائيل هذا التحول، إذ إن العديد من مؤيدي نتنياهو السابقين – خصوصا في الوسط واليمين المعتدل – باتوا يعتبرونه مصدر الانقسام في المجتمع، ويرون أن مغادرته الحياة السياسية ضرورة، حتى إن كانوا لا يوافقون خصومه على كل شيء.
اعتزال سياسي
في بداية عام 2022، كان نتنياهو زعيم المعارضة، وكان يرى في الأفق عودة سياسية كبرى، مدعومة باستطلاعات إيجابية. ولذلك لم يكن مستعدا لسماع أي كلام عن نهاية حياته السياسية.
أما اليوم، تقول برسكي، إن الواقع مختلف كليا. فحتى بعد كارثة 7 أكتوبر، كانت آماله لا تزال معلقة على تحقيق إنجاز دراماتيكي يعيد إليه الدعم الشعبي، مثل توقيع اتفاق سلام إقليمي شامل يتوج بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية. بل إن بعض السيناريوهات كانت تراهن على عودة دونالد ترامب إلى الحكم لمعالجة الملف النووي الإيراني، وعليه يمنح نتنياهو انتصارا سياسيا حاسما.
لكن هذه الرهانات، كما يبدو، تتهاوى. فترامب نفسه، الذي كان يعتبر "المسيح المنتظر" لليمين الإسرائيلي، بدأ يتحدث عن تقدم في المفاوضات مع الإيرانيين. أما الحرب في غزة، فلا تزال مفتوحة بلا حسم، وتستهلك الوقت والجنود والموارد.
أما على صعيد المشهد الداخلي، فإن فرص التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية بشروط قابلة للتمرير في الكنيست (القبول بالدولة الفلسطينية) تبدو شبه معدومة. وتوضح المراسلة، أن زعيم المعارضة يائير لبيد وزعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس غير مستعدين للدخول في حكومة مع نتنياهو، حتى من أجل اتفاق تاريخي، وهو ما سيحرم نتنياهو من فرصة العودة إلى الحياة السياسية حتى إذا نجا من المحاكمة.
وتقول برسكي، حتى وإن وقّع نتنياهو تنازلات على المستوى الفلسطيني، فإن الحد الأقصى الذي سيحصل عليه من المعارضة اليوم، هو شبكة أمان من الخارج لصالح حدث معين، ولا شيء أكثر من ذلك (مثل إنفاذ صفقة الأسرى).
إعلان
كما أن المراسلة تشير إلى أن أسوأ ما قد يواجهه نتنياهو الآن، هو انسداد الأفق السياسي أمامه. فالحزب الذي يتزعمه (الليكود) ومعه حلفاؤه، قد لا يتجاوزون 50 إلى 52 مقعدا في أي انتخابات قادمة، ما لم تحدث "معجزة". وهذا يعني أن فرصة البقاء في الحكم تتضاءل بسرعة.
وفي ضوء هذه المعطيات، أصبح بعض من كانوا أكثر المدافعين عنه، يدفعونه اليوم نحو التفكير الجاد في الاعتزال السياسي المشرف عبر صفقة قضائية تغلق ملف المحاكمة، وتنقله إلى موقع جديد خارج دائرة الضوء.
أخبار متعلقة :