الكويت الاخباري

زلزال إسطنبول الكبير هل بات حدوثه مسألة وقت؟ - الكويت الاخباري

رغم مرور الزلزال الأخير بقوة 6.2 درجات على مقياس ريختر الذي شهدته مدينة إسطنبول التركية -دون خسائر تذكر- إلا أنه أثار مخاوف من أن يكون مقدمة للزلزال الأكبر الذي يتحدث عنه الخبراء منذ فترة ليست بالقصيرة.

وتحدثت الكثير من الدراسات عن "الوحش الزلزالي" النائم تحت إسطنبول تلك المدينة التي تتقاطع تحتها خطوط الصدع النشطة، وبات السؤال الذي يشغل الخبراء والمواطنين على حد سواء: هل كان الزلزال الأخير مجرد إنذار من باطن الأرض للتذكير بأن الأسوأ لم يأت بعد؟

لم يشهد الشق الشرقي من فالق شمال الأناضول زلزالا كبيرا منذ زلزال إزميت عام 1999 (الفرنسية)

صدع شمال الأناضول

لا تستبعد عالمة الزلازل جوديث هوبارد من أن يلعب الزلزال الأخير دورا مساعدا في التسريع من وتيره استيقاظ هذا الوحش الزلزالي النائم، عبر تأثيره على الشق الشرقي للصدع الذي وقع فيه الزلزال الأخير.

وفي تصريح للجزيرة نت تقول هوبارد وهي أستاذ مساعد زائر بجامعة كورنيل الأميركية "الفترة التي تلي أي زلزال متوسط أو قوي تكون حساسة، حيث تزداد خلالها احتمالات وقوع زلازل أخرى قريبة، منها ما قد يكون أقوى".

ولم يصل العلم بعد إلى التحديد الدقيق لموعد حدوث مثل الأحداث الزلزالية، إلا أن المؤكد -حسب هوبارد- أن الشق الشرقي لصدع شمال الأناضول الذي وقع فيه الزلزال الأخير لا يزال يخزن طاقة زلزالية، ولم يشهد هزات كبيرة منذ زمن طويل، مما يجعل احتمالية انفجاره قائمة.

إعلان

ويمتد صدع شمال الأناضول لمسافة تتراوح بين 1200 و1500 كيلومتر عبر شمال تركيا، من منطقة كارليوفا في الشرق حتى بحر إيجه في الغرب، ويقع الشق الشرقي لهذا الصدع -الذي أشارت له هوبارد- في منطقة بحر مرمرة (جنوب إسطنبول) والذي يُعتبر من أكثر المناطق عرضة للزلازل المدمرة.

ولم يشهد هذا الشق زلزالا كبيرا منذ زلزال إزميت عام 1999، مما يجعله منطقة "فجوة زلزالية" تُخزن فيها الطاقة التكتونية، وقد تكون مصدرا لزلزال مدمر مستقبليا.

وأشارت الكثير من الدراسات لهذا السيناريو الكارثي، واختلفت التقديرات في النسبة المئوية لوقوع هذا الحدث، لكها اتفقت جميعا على شيء واحد، وهو أن "الاحتمال مرتفع بالفعل".

وتقول هوبارد "رغم أن الزلزال الأخير يزيد هذه النسبة قليلا، إلا أن الفوالق الزلزالية لا تعمل وفق جدول زمني دقيق، وبالتالي فإن قرب وقوع الزلزال الكبير يظل احتمالا واردا، لكن موعد حدوثه يظل غير مؤكد". وتضيف "بمعنى آخر، نحن نقترب تدريجيا من الزلزال المنتظر، لكننا لا نعلم متى سيحدث بالضبط".

احتمالان للزلازل

وبعد مرور نحو عام من زلزال أزميت، وضعت دراسة نشرتها دورية "نيتشر" احتمالا بنسبة 50% لوقوع زلزال بقوة 7 درجات أو أكثر في إسطنبول بحلول عام 2030، وارتفعت هذه النسبة إلى 90% بحلول عام 2070.

ووفق هذه الدراسة التي حملت عنوان "المخاطر الزلزالية في منطقة بحر مرمرة في أعقاب زلزال إزميت في 17 أغسطس/آب 1999" فإن الزلزال المدمر بقوة 7.4 درجات الذي ضرب مدينة إزميت، الواقعة على بعد 100 كيلومتر شرق إسطنبول، على امتداد صدع شمال الأناضول، كان جزءا من سلسلة زلازل بدأت منذ عام 1939، حيث تحركت الزلازل تدريجيا من الشرق إلى الغرب على طول الصدع، مما أدى إلى تمزق أكثر من 900 كيلومتر من طوله البالغ 1600 كيلومتر.

وتقول الدراسة "رغم أن زلزال إزميت كان مدمرا، فإنه لم يفرغ التوتر الزلزالي المتراكم في الجزء الغربي من الصدع، وتحديدا تحت بحر مرمرة (جنوب إسطنبول) وهذا الجزء، المسمى (الشق المارماري) لم يشهد زلزالا كبيرا منذ عام 1766، مما يعني أن التوتر الزلزالي فيه مستمر في التراكم منذ أكثر من 250 عاما".

إعلان

وتشير أيضا إلى أن زلزال إزميت 1999 زاد من التوتر على الشق المارماري، مما يزيد من احتمال نسبته 50% لوقوع زلزال بقوة 7.0 درجات أو أكثر في إسطنبول بحلول عام 2030، مع ارتفاع هذه النسبة لـ90% بحلول 2070.

سلسلة زلازل متتابعة

وتكشف دراسة ثانية لباحثين ألمان، أجريت بعد 10 سنوات من الدراسة الأولى ونشرتها دورية "نيتشر جيوساينس" إلى أن الزلزال الكبير المدمر الذي يتوقعه العلماء قد لا يأتي دفعة واحدة، ولكن ربما يكون على شكل سلسلة زلازل متتابعة، كل منها يحمل دمارا جزئيا.

واستخدم الباحثون بالدراسة التي حملت عنوان "تقلب معدل الانزلاق والتشوه الموزع في نظام صدع بحر مرمرة" نماذج جيوميكانيكية ثلاثية الأبعاد لتحليل حركة الصدع الرئيسي في بحر مرمرة، وهو الجزء الذي يقع مباشرة جنوب إسطنبول، والمعروف بكونه مركز الزلزال القادم المحتمل. ووجدوا أن معدل الانزلاق الزلزالي (السرعة التي تتراكم بها التوترات الأرضية على الصدع) أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقا، حيث يتراوح بين 12.8 و17.8 مليمترا في السنة، مقارنة بتقديرات سابقة وصلت إلى 27.9 مليمترا كل سنة.

وتقول الدراسة إن "هذا الانخفاض يشير إلى وجود تشققات داخلية وتوزيع غير منتظم للتوتر، مما يزيد احتمال وقوع زلازل متفرقة بدلا من زلزال واحد كبير".

تراكم التوتر الزلزالي

وأجريت دراسة ثالثة عام 2014، باستخدام 3 أجهزة لرصد الزلازل في قاع البحر لمدة 3 أشهر، بهدف فهم النشاط الزلزالي تحت الجزء الغربي من بحر مرمرة، وتحديدا تحت الصدع الرئيسي المعروف باسم "الصدع المرماري".

وخلال هذه الدراسة المنشورة بدورية "إيرث & بلانتس آند سبيس" والتي حملت عنوان "النشاط الزلزالي البحري في غرب بحر مرمرة، كشفته مراقبة قاع المحيط " تم رصد سلسلة من الزلازل الصغيرة على أعماق تتراوح بين 13 و20 كيلومترا، مع وصول بعضها إلى عمق 25 كيلومترا، مما يشير إلى أن النشاط الزلزالي يمتد إلى الطبقات السفلى من القشرة الأرضية.

إعلان

وأظهرت البيانات أن الصدع يمتد بشكل شبه عمودي نحو الأسفل، مما يزيد من تعقيد سلوكه الزلزالي، كما أوضحت أن هذه الزلازل الصغيرة تتكرر كل 2- 3 سنوات، مما يدل على أن الصدع يقوم بتفريغ جزء من التوتر المتراكم بشكل دوري.

ورغم أن هذه الزلازل الصغيرة تساعد في تفريغ بعض التوتر، فإنها لا تمنع حدوث زلزال كبير. بل على العكس، فإن النشاط الزلزالي المتكرر قد يكون مؤشرا على تراكم التوتر الذي قد يؤدي في النهاية إلى زلزال مدمر.

ويتم تفريغ التوتر -الذي يمكن أن يؤدي إلى زلزال كبير- عبر عدد كبير جدا من الزلازل الصغيرة. فعلى سبيل المثال، يتطلب تفريغ التوتر المكافئ لزلزال بقوة 6 درجات حوالي 32 زلزالا بقوة 5 درجات، أو ألف زلزال بقوة 4 درجات، أو 32 ألف زلزال بقوة 3 درجات.

وبالتالي، فإن الرسالة التي أرادت تلك الدراسة توصيلها أن "النشاط الزلزالي المتكرر يمكن أن يكون مؤشرا على تراكم التوتر الزلزالي، مما يزيد من احتمال وقوع زلزال كبير في المستقبل. لذلك، من المهم مراقبة هذا النشاط وفهمه بشكل جيد لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر الزلزالية".

وتقول هوبارد "في المناطق التي تشكل تهديدا زلزاليا، يمكن للأفراد أن يعملوا بشكل فردي أو جماعي لتقليل تعرضهم للمخاطر، من خلال تنفيذ إجراءات لتحسين سلامة أماكن سكنهم وعملهم، كما يمكنهم المطالبة بتغييرات واسعة النطاق على المستوى الحكومي، مثل تحديث قوانين البناء وطرق الإخلاء، ورغم أن هذه التغييرات لا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها، وأن تكلفتها مرتفعة نظرا لأن المباني الحالية قد لا تلتزم بالمعايير الزلزالية الحديثة، فإن التحسينات التدريجية على المدى الطويل يمكن أن تحدث فرقا كبيرا".

وتختم "نظرا لأننا لا نعرف متى سيحدث الزلزال الكبير المقبل بالقرب من إسطنبول (أو في أي مكان آخر) فإن الطريق الوحيد الممكن هو البدء في هذه الأعمال الآن، فأي تحسينات تدريجية يمكن أن تسهم في تحسين النتائج عندما يضرب الزلزال في النهاية، سواء كان ذلك العام المقبل أو بعد 50 عاما".

إعلان

أخبار متعلقة :