خمسة أعوام مرت على رحيل الشيخ محمد محمود الطبلاوي، نقيب قراء مصر السابق، وأحد أعلام التلاوة في العالم الإسلامي، لكن صوته ما زال يتردد في القلوب قبل المسامع، يملأ الأرجاء بخشوعه وروعته، ويُذكر محبوه دائمًا بأن "القرآن الكريم نزل في مكة، وقُرئ في مصر".
ففي مثل هذا اليوم، الموافق 5 مايو من عام 2020، غيّب الموت صاحب الصوت الذهبي بعد رحلة عطاء دامت أكثر من نصف قرن، ترك فيها إرثًا من التلاوات الخاشعة التي سكنت الوجدان.
مولد الشيخ الطبلاوي
ولد الشيخ الطبلاوي في 14 نوفمبر عام 1934، بحي ميت عقبة بمحافظة الجيزة، ونشأ في أسرة محبة للقرآن، بدأت رحلته مع كتاب الله في سن مبكرة، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره.
لم يكن مجرد حافظ للقرآن، بل امتلك خامة صوتية فريدة مكّنته من أن يكون من أبرز قرّاء الإذاعة المصرية، حيث التحق بها عام 1970 بعد عدة محاولات، حتى أثبت جدارته أمام لجنة الاستماع التي ضمّت كبار القراء في ذلك الوقت.
أسلوبه المميز
عرف الطبلاوي بأسلوبه المتميز في التلاوة، حيث جمع بين المدرسة الحجازية في المقامات والنَفَس المصري العريق، ما جعله محبوبًا في مصر والعالم العربي والإسلامي، قرأ في جميع المحافل الكبرى، داخل مصر وخارجها، وزار عشرات الدول ناقلاً صوت القرآن إلى أصقاع الأرض، وكان من أوائل القراء الذين قرأوا في المسجد الأقصى الشريف قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
الطبلاوي نقيب للقراء
تولّى الشيخ الطبلاوي منصب نقيب قراء مصر عام 2006، خلفًا للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، واستمر في المنصب حتى وفاته، وكان مدافعًا عن حقوق القراء، حريصًا على حفظ هيبة التلاوة وأخلاقيات المهنة.
واشتهر بمواقفه الواضحة تجاه ما اعتبره "مظاهر دخيلة" على ساحة التلاوة، من أداء غير المتخصصين، أو التلاوات المصورة التي لا تُراعي قدسية القرآن.
كان الشيخ الراحل يتمتع بحب واسع بين الناس من مختلف الطبقات، وكان منزله في ميت عقبة قبلة لطالبي العلم ومحبّي التلاوة.
وبالرغم من تقدمه في العمر، ظل حريصًا على أداء واجباته القرآنية حتى اللحظات الأخيرة من حياته.
وفاة الطبلاوي
وقد توفي عن عمر ناهز 85 عامًا، وشيّع جثمانه في جنازة مهيبة اقتصرت على عدد محدود من الأهل بسبب ظروف جائحة كورونا، لكن مشاعر الحب والدعاء أحاطت به من ملايين المحبين عبر الشاشات ومنصات التواصل.
اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على رحيله، لا تزال تسجيلاته تتصدر الإذاعات والبرامج الدينية، ولا تزال نبراته تبكي السامعين وتُشعرهم بجلال القرآن وعظمته.
فقد كان صوت الطبلاوي بمثابة جسر يصل بين الآيات والقلوب، يقرؤها وكأنه يُنزلها على المستمع من جديد، لقد كان مدرسة قائمة بذاتها في التجويد والأداء، ومثالًا يُحتذى في الإخلاص لكتاب الله.
ورغم أن الموت غيّب الجسد، فإن روح الشيخ الطبلاوي باقية بصوته في كل بيت، في كل صلاة جنازة، وكل تلاوة خاشعة قبل الإفطار في رمضان.
رحم الله الشيخ محمد محمود الطبلاوي، وجزاه عن القرآن وأهله خير الجزاء.
أخبار متعلقة :