في خطوة جديدة نحو إعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، بدأت الحكومة المصرية مناقشات برلمانية بشأن مشروع قانون طال انتظاره يتعلق بتعديل أحكام الإيجار القديم. ويهدف هذا المشروع إلى تحرير العلاقة الإيجارية بعد فترة انتقالية محددة، مع ضمان الحفاظ على التوازن بين حقوق الطرفين، وصون السلم المجتمعي، استنادًا إلى أحكام المحكمة الدستورية العليا الأخيرة، التي اعتبرت بعض جوانب قانون الإيجار القديم غير دستورية.
شهدت الجلسة الأولى لاجتماعات اللجنة البرلمانية المشتركة، حضور المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والمهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية. وقد خُصصت هذه الجلسة لمناقشة مشروعي قانونين مقدمين من الحكومة: أحدهما بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن، والثاني لتعديل القانون رقم 4 لسنة 1996، المتعلق بسريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها.
انحياز للعدالة.. لا للمالك ولا المستأجر فقط
أكد المستشار محمود فوزي خلال كلمته أن الحكومة والنواب لن ينحازوا لطرف على حساب الآخر، بل سيكون الانحياز للعدالة والتوازن واستقرار المجتمع. مشيرًا إلى أن العلاقة الإيجارية تحتاج إلى إعادة تنظيم تراعي تطورات العصر، وتحفظ حقوق المالك دون الإضرار بالمستأجر، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
تطور تاريخي وتشريعي طويل
استعرض الوزير التطور التاريخي لقوانين الإيجار في مصر، وأبرز ما يميز "الإيجار القديم" هو ثبات الأجرة والامتداد القانوني للعقد، الأمر الذي تسبب في خلل مستمر بالعلاقة بين المالك والمستأجر.
وأشار إلى أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت 39 حكمًا بشأن قوانين الإيجار، بينها 26 حكمًا بعدم الدستورية، من بينها:
الحكم الصادر عام 1996 بعدم دستورية استمرار شركاء المستأجر في ممارسة النشاط التجاري بعد تخليه عنه.
الحكم الصادر عام 1997 بعدم دستورية استمرار الإجارة لصالح ورثة المستأجر في الأنشطة الحرفية والتجارية.
الحكم عام 2002 بقصر الامتداد القانوني لعقد الإيجار على المستأجر وزوجته وأبنائه لجيل واحد فقط.
الحكم الأهم في عام 2018، والذي قضى بعدم دستورية امتداد عقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى.
خطوات تنفيذية وتشريعات لاحقة
نتج عن هذه الأحكام إصدار عدد من التشريعات، من بينها القانون رقم 6 لسنة 1997 والقانون رقم 10 لسنة 2022، الذي قرر إنهاء امتداد عقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية بعد خمس سنوات من نفاذه، مع رفع الأجرة إلى خمسة أضعاف وزيادتها سنويًا بنسبة 15%.
أما الحكم الصادر في نوفمبر 2024، فقد تضمن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للوحدات السكنية المؤجرة، مما دفع الحكومة لتقديم مشروع القانون الحالي التزامًا بتنفيذه، مع بدء تطبيق آثاره عقب انتهاء دور الانعقاد التشريعي.
ملامح المشروع الجديد
أوضح المستشار محمود فوزي أن المشروع الحالي يتضمن عدة ملامح رئيسية، منها:
تحرير العلاقة الإيجارية بعد فترة انتقالية.
زيادة الأجرة القانونية تدريجيًا، مع وضع فروق حسب الموقع (قرى، أحياء، مدن).
تمييز بين الأشخاص الطبيعيين والمؤجرين لغير غرض السكنى.
منح أولوية للمستأجرين القدامى للحصول على وحدات بديلة بنظام الإيجار أو التمليك من مشروعات الدولة.
وأكد الوزير أن هذه التعديلات تراعي العدالة الاجتماعية دون المساس بحقوق الملكية، مضيفًا أن المشروع يوازن بين الحقوق المشروعة للمالك والمستأجر، ويحترم القواعد الدستورية والقضائية المستقرة.
من جانبه، أشار المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان إلى أن الوزارة ستراعي البُعد الإنساني في التنفيذ، عبر توفير بدائل مناسبة للمستأجرين الذين ستنتهي عقودهم، وهو ما أيده عدد من النواب، من بينهم الدكتور محمد الفيومي، الذي شدد على ضرورة دراسة هذه المادة بشكل أعمق.
استمرار جلسات الاستماع
من المتوقع استمرار جلسات الاستماع مع مختلف الأطراف المعنية، سواء من المتخصصين أو ممثلي المجتمع المدني، للوصول إلى صيغة نهائية تراعي التوازن والعدالة والاستقرار في واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية، والتي تؤثر في ملايين الأسر المصرية.
أخبار متعلقة :