يعتبر كوب القهوة الصباحي جزءا من طقوس يومية لا غنى عنها لدى الكثيرين، إذ يفضل البعض كوبا معينا ليبدؤوا يومهم به، في حين لا يهتم آخرون بالشكل أو النوع في ظل شعورهم بالإرهاق عند الاستيقاظ.
لكن، على الرغم من ذلك فإن تأثير الكوب الذي نستخدمه قد يكون أعمق مما نعتقد، فالشكل واللون والنوع يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على تجربتنا مع المذاق، مما يجعل القهوة أكثر من مجرد مشروب يلامس حواسنا.
الارتباط العجيب بين شكل الكوب ومذاق القهوة
وفي الواقع، بينما تلعب ألسنتنا دورا فإن أدمغتنا هي التي تفسر الذوق والطعم والنكهات، وبالتالي يعد التذوق جزءا صغيرا فقط من تجربة شرب القهوة، لأن حواس الشم والبصر واللمس تتعاون بدورها في العملية لمساعدة الدماغ على إدراك النكهة بشكل معقد وفريد.
وقد حدد الباحثون منذ عقود نحو ألف مركّب عطري متطاير في القهوة تسهم في النكهات والروائح التي نستشعرها عند تناول المشروب، منها ما نستشعره من خلال الأنف (الإدراك الأنفي)، ومنها ما نتذوقه بالفم (الإدراك خلف الأنفي)، وهذا كان يعني أننا نتذوق القهوة في كليهما خلال الوقت نفسه.
أما اليوم فتشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن لشكل ونوع الكوب تأثيرا أكبر على تجربة شرب القهوة مما كنا نعتقد.
إعلان
وفي عام 2018 مثلا نشرت عالمة الأعصاب البرازيلية الدكتورة فابيانا كارفالو بحثا يشير إلى أن شكل الكوب لا يؤثر فقط على استمتاعنا العام بنوع معين من القهوة، بل يؤثر أيضا على كيفية إدراكنا حلاوتها وحموضتها.
وقد استند بحثها إلى دراسة مماثلة أخرى أشارت إلى أن لوزن أكواب القهوة وملمسها وشكلها تأثيرا كبيرا على تجاربنا الحسية.
وبتقسيم عينة من المشاركين في الدراسة العلمية البرازيلية إلى 3 مجموعات اختبار -كل منها تحدد وفقا لشكل الكوب- اتضح المزيد من المعلومات عن الموضوع.
بداية، كانت جميع الأكواب مصنوعة من المادة نفسها (السيراميك)، ولها الملمس نفسه (ناعم)، وكانت باللون الأبيض، وارتفاع 6.5 سنتيمترات، وكان لها الوزن نفسه تقريبا، وتم اختبار مدى تذوق المشاركين نكهات المشروب بناء على المرارة، الحلاوة، الحدة، الحموضة، والمتعة العامة.
وفي النتائج، وجد البحث أن جميع السمات المقيّمة لمذاق القهوة تأثرت بشكل الكوب جذريا، فعلى سبيل المثال عند الشرب من الكوب على شكل زهرة التوليب "الخزامى" (كوب ذو جسم بيضاوي بفوهة ضيقة) قال المشاركون إن الرائحة كانت "أقوى" بشكل ملحوظ.
وبناء على بحث الدكتورة كارفالو قد تناسب القهوة ذات النكهة العطرية أكواب التوليب ذات الفتحات الضيقة بيضاوية الجسم، باعتبار أن هذا قد "يحبس" المواد العطرية في الكوب، مما يشجع الشارب على رفع ذقنه، وبالتالي يُحسّن إدراكه للرائحة.
وأظهر البحث أيضا أن المقاهي ومعدي القهوة المتخصصين قد يحققون نتائج أفضل عند تقديم القهوة التي تتميز بمذاق حلو وحمضي في أكواب ذات فوهات واسعة، إذ تساعد هذه الأكواب على توزيع المواد العطرية بشكل أفضل، مما يسهم في تحقيق توازن أكبر بطعم القهوة.
تبخير المواد العطرية وعوامل الأكسدة
وترجع تلك النتائج المتباينة في تغيير مذاق القهوة وفقا لشكل وتصميم الكوب ببساطة إلى تأثير الفراغ العلوي في تعديل مذاق المشروب، والفراغ العلوي هو الحجم بين السائل وقمة أو طرف الكوب، والذي يتيح مساحة من الإناء لانتشار رائحة القهوة ويسمح لحاسة الشم بالتأثير ويزيد حدة نكهات القهوة العطرية.
إعلان
وبالنسبة للكمية نفسها من السائل يسمح الإناء الأصغر/ الأضيق بمساحة علوية أقل، في حين يقلل الإناء الأكبر/ الأعرض حدة نكهات القهوة العطرية.
ومن ناحية أخرى، تُبرز مساحات سطح السائل المختلفة نكهات مختلفة للقهوة، إذ تحدد مساحة سطح السائل المكشوفة في الكوب كمية القهوة المعرضة للهواء مباشرة، والتي تلعب دورا حيويا في تغيير معدل الأكسدة، وبالتالي يمكن أن تكون لها تأثيرات، مثل تحلل مادة العفص في القهوة والتأثير على معدل فقدان الحرارة.
وبالتالي، كلما زاد اتساع سطح السائل زادت عملية الأكسدة، مما يؤدي إلى زيادة الحلاوة، في المقابل، تبطئ مساحة سطح السائل الأصغر معدل الأكسدة، مما يزيد حموضة القهوة.
المادة المصنوع منها الكوب
وليس هذا فحسب، بل يتضح كذلك أن المادة المصنوع منها كوب القهوة تؤثر مباشرة على طعم قهوتك، بالإضافة إلى قدرتها على الحفاظ على سخونتها.
وعلى سبيل المثال، الأكواب المصنوعة من الورق المقوى أو البلاستيك المُصنّع أو المعاد تدويره تتفاعل بشكل سلبي مع المشروب، خاصة إذا كان ساخنا، لأنه يمتص النكهات على المدى الطويل ومع تكرار الاستخدام، أما الأكواب الزجاجية فهي تؤثر في المذاق نتيجة لقلة احتفاظها بالحرارة وسرعة برودة المشروب فيها.
في المقابل، ينصح معظم خبراء القهوة بشراء كوب سيراميك مزدوج الجدار لتناول المشروب والحفاظ على مذاقه الفريد، فالسيراميك مادة محايدة تحافظ على مذاق القهوة كما هو متوقع، في حين تحافظ الجدران المزدوجة على سخونة قهوتك لفترة أطول، وتتيح لك الاستمتاع بجميع النكهات دون هدر أي منها.
والأهم من ذلك أن معظم أكواب السيراميك يمكن تنظيفها بسهولة في غسالة الأطباق، وهي متينة ومستدامة أكثر من الخيارات الأخرى.
لون الكوب قد يغير المذاق أيضا
أما بالنسبة للألوان فكشفت دراسة أسترالية تعود إلى عام 2014 تذوّق الناس حدة القهوة وحلاوتها بشكل مختلف عند شربهم من كوب أبيض، نتيجة لتباين اللون مع القهوة الداكنة فيه وتأثير ذلك على الإدراك الدماغي.
إعلان
لذا، تعد الأكواب البيضاء مثالية لمن يبحثون عن قهوة قوية ومُرّة ذات مذاق مركّز.
ومن ناحية أخرى، ثبت أن الأكواب الحمراء والزرقاء والخضراء تعزز حلاوة القهوة، وتكثر النظريات بشأن هذا السبب، لكن أرجحها تعزى إلى أن العقل الباطن يربط هذه الألوان بالفاكهة، وبالتالي يترجمها لمزيد من الحلاوة، لذلك إذا كنت تحاول تقليل كمية السكر في قهوتك فقد تكون هذه طريقة فعالة لخداع عقلك.
أما الأكواب البنية فيمكن أن تؤثر على طريقة إدراكنا لقوة القهوة، ويرجع ذلك إلى أنه بصريا يرسل كوب بني مع مشروب بني إشارة إلى الدماغ تشير إلى قوة القهوة، خاصة أننا نميل إلى ربط لون القهوة الداكن بغنى المشروب وجودته.
أخبار متعلقة :