كتب يوسف الشايب:
تحت عنوان "الكبّة الحديدية"، قدم الفنان نضال بدارنة، عرضاً سياسياً ساخراً، في قاعة الشارقة بمقر معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، مؤخراً، ضمن فعاليات مهرجان "الياسمين" 2025، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي قدم من عدّة مناطق تمثل كامل الجغرافيا الفلسطينية.
وكشف بدارنة، الذي بدأ عرضه بتوجيه تحية إجلال لأرواح شهداء فلسطين، عن أنه يتعذر عليه إقامة عرض كهذا في الداخل الفلسطيني، كونه منذ السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا، تم خلق حالة من الرعب وصلت إلى حد الخوف من التعبير بكافة أشكاله، ولدرجة أن أشياء كثيرة فينا تغيّرت، وهناك أشخاص لا يتغيرون، من بينهم قيادات سياسية، وعاملون في بعض المهن كموظفي البنوك، الذين يتابعون الرواتب وغيرها لتحصيل القروض، بصرف النظر عن الحروب والكوارث الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، حتى تحوّل احدهم تبعاً لسنيّ عمله، وللنظام العام، إلى رجل آلي أو يكاد.
وفي نهاية شباط الماضي، اعتقلت شرطة الاحتلال الكوميديان نضال بدارنة، من منزله في حيفا، بعد أيام من تهديدها له بعدم تقديم عرضه الذي كان مقرراً في الناصرة، بحيث تواصل احتجازه والتحقيق معه عدة ساعات، بحجة "التصرف بطريقة قد تخل بسلامة الجمهور"، وفي أعقاب حملة تحريضية واسعة وشرسة شنتها جهات يمينية متطرفة ضده، سعت من خلالها إلى إلغاء عروضه، وهو ما نجحت فيه حيث احتجز للحيلولة دون إتمام عرض الناصرة، بعد منع إقامة العرض ذاته في حيفا، في حين ذهب بعض المحرّضين ضد بدارنة إلى المطالبة بسحب حقه في المواطنة، وترحيله إلى قطاع غزة، علاوة على إرسال تهديدات مباشرة له بالقتل والملاحقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وسرد بدارنة بأسلوب ساخر التحقيق معه تبعاً لتقديمه هذا العرض في مدن بالداخل الفلسطيني، ومن بين ما ورد في التحقيق سؤاله عن أغنية "يا ابني" لوديع الصافي التي وظفها فيه، واتهامه بالترويج عبرها لـ"حزب الله"، وكيف تبعا للخوف من الاعتقال، الذي بات سياسة دارجة أكثر من أي وقت سابق، منذ الطوفان، حوّلها إلى "لبنة بلادك لابنك أعطيها كل يوم الصبح ع المدرسة ادهنوا فيها، وإن ما حبها اللبنة بخبز شراك حطها ع إيديك وامعسوا فيها".
ووصف ما يعيشه الفلسطيني في الداخل بحالة "بدك وبدكاش"، كأن تكون من الداخل راغباً بأن يصيب الصاروخ هدفه، وفي الوقت ذاته لا يرغب بذلك خشية أن يسقط الصاروخ فوق رأسه في حيفا، أو غيرها، وكيف فقد صديقه أحد أطرافه نتيجة صاروخ قادم من لبنان أطلقه "حزب الله" في حرب سابقة، وهي ذات الحرب التي برز جليّاً إعجاب والدته فيها بحسن نصر الله، قبل استشهاده، حد أنها عند كل خطاب له، كانت تقوم بتنظيف المنزل و"تعزيله"، وحين كان يسألها عن سبب ذلك، كانت تخبره بأن "نصر الله بدو يخطب"، وكان يجيبها بأنه لن يلقي الخطاب في المنزل "هون"، وكيف كانت تتذمر من تأخير القصف وسقوط الصواريخ، وسط قهقهات الجمهور التي تواصلت قرابة ساعة ونصف الساعة.
وبأسلوبه المحبّب لدى الكثيرين، تطرق بدارنة ليوميّات الحرب للفلسطينيين في الداخل، وتعاطيهم مع ما يسمى "تعليمات الجبهة الداخلية الإسرائيلية"، مطلقاً نكات سياسية على شكل مواقف كوميدية سردها بطريقة انتزعت القهقهات من جمهور مهرجان "الياسمين" 2025، متحدثاً عن "بابا نويل" الفلسطيني الملثّم، من مسقط رأسه في "عرابة البطوف"، مشيراً بوضوح غير ساخر إلى أن فكرة التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيما يعرف بـ"المدن المختلطة"، تحطمت في ظل الحرب المستمرة في غزة ومخيمات الضفة، قبل أن يسرد الحكايات مجدداً بأسلوبه الساخر، حول التعليمات الخاصة بأن كل من يقطن بجانب مسنين عليه مساعدتهم بالاختباء في الملاجئ عند سماع صفارات الإنذار، متسائلاً، كيف سيُقنع رجل أمن إسرائيليا، إذا ما شاهده يحمل جارته الإسرائيلية المسنة، أنه غير متوجه بها إلى غزة!
وتطرق بدارنة في عرضه إلى الحديث عن "السابع من أكتوبر" والأسرى من الإسرائيليين والتايلانديين في غزة، وأحداث الحفلة الشهيرة، وهو ما كان أثار حفيظة الكثير من أنصار اليمين المتطرف، باعتباره تطرق إلى مواضيع تندرج في إطار "التابو".
ومن أجواء حرب الإبادة المستمرة، قدّم عرض "ستاند أب" كوميدي يمكن وصفه كما أشار البعض بالدارجة "حرّاق" أو "بشعط شعط"، تحدث فيه عن "القبة اللي عملت منا كبة".
أخبار متعلقة :