التحلل في الحج يُقصَد به خروج المُحرِم من حالة الإحرام، وبالتالي يُصبح ما كان ممنوعًا عليه أثناء الإحرام مباحًا مرة أخرى، حسب ما تسمح به الشريعة الإسلامية.
وأجمع الفقهاء على أن الإحرام له محظورات يجب على المسلم تجنبها طالما هو في هذه الحالة، مثل تغطية الرأس، أو حلق الشعر أو نتفه من أي مكان في الجسد، أو قص الأظافر، أو استخدام الطيب، أو مخالطة الزوجة بأي شكل فيه شهوة سواء باللمس أو التقبيل، أو لبس المخيط الذي يكون مفصلًا على الجسم، أو التعرض لصيد البر أو قطع شجر الحرم.
وبالرجوع إلى أحكام الفقهاء، يتضح أن الحج له نوعان من التحلل: تحلل أصغر وتحلل أكبر، ويُطلق عليهما أحيانًا التحلل الأول والثاني.
وهذان النوعان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بأداء الحاج لأعمال يوم النحر الثلاثة، وهي: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، ويُتبع طواف الإفاضة بسعي الحج إن لم يكن الحاج قد أدّاه من قبل، وذلك وفقًا لتفصيلات فقهية دقيقة.
التحلل الأول أو التحلل الأصغر
يختلف الفقهاء في تحديد ما يُحققه على النحو التالي:
في مذهب المالكية، يتحقق التحلل الأصغر بمجرد رمي جمرة العقبة الكبرى. أما الحنفية، فيرون أن الحلق أو التقصير هو الذي يُخرج الحاج من الإحرام جزئيًا. بينما يرى الشافعية في قولهم المشهور، والحنابلة في الرواية الصحيحة عندهم، أن التحلل الأصغر يتحقق بفعل اثنين من أعمال يوم النحر الثلاثة. وهناك وجه آخر عند بعض الشافعية، ورواية ثانية عن الإمام أحمد، تقول إن التحلل الأول يتحقق بفعل عمل واحد فقط من الأعمال الثلاثة.وعند تحقق هذا النوع من التحلل، يُصبح للمحرِم أن يفعل كل ما كان ممنوعًا عليه بسبب الإحرام، باستثناء النساء وما يتصل بهن من عقد نكاح أو جماع أو أي صورة من صور المباشرة كالقبلة أو اللمس بشهوة. وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى هذا الرأي. وأضاف المالكية إلى ذلك أن الصيد يظل محظورًا، كما أن استخدام الطيب يبقى مكروهًا حتى يتحقق التحلل الثاني.
وقد نقل الفقهاء هذه الأحكام في كتبهم بوضوح، فقال الإمام علاء الدين السمرقندي الحنفي في كتابه "تحفة الفقهاء":
"إذا حلق حل له كل شيء إلا النساء".
وقال الإمام الكاساني الحنفي في كتاب "بدائع الصنائع":
"أما حكم الحلق: فحكمه حصول التحلل، وهو صيرورته حلالًا يباح له جميع ما حظر عليه الإحرام إلا النساء".
أما العلامة أبو البركات الدردير المالكي، فقال في كتابه "الشرح الصغير":
"(وحل بها) أي: بالعقبة، أي: برمي جمرتها، كل شيء يحرم على المحرم (غير نساء وصيد، وكره) له (الطيب) حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا هو التحلل الأصغر".
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب":
"يحل بالأول جميع المحظورات إلا الوطء، وبالثاني يحل الوطء".
أما عند الحنابلة، فنقل العلامة أبو السعادات البهوتي في كتابه "شرح منتهى الإرادات":
"(ثم) بعد رمي وحلق أو تقصير (قد حل له كل شيء) حرم بالإحرام (إلا النساء) نصًا، وطئًا ومباشرة وقبلة ولمسًا لشهوة وعقد نكاح".
أما التحلل الثاني أو التحلل الأكبر، فيتحقق عندما يُكمل المُحرِم أعمال يوم النحر الثلاثة جميعها: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة (ويُتبع بالسعي إن لم يكن قد أداه من قبل).
وعند ذلك، تزول جميع محظورات الإحرام بلا استثناء، ويصبح الحاج حلالًا له كل شيء، بما في ذلك النساء وما يتعلق بهن.
وقد انعقد إجماع العلماء على هذا الحكم، حيث قال الإمام ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع":
"اتفقوا على أن من طاف طواف الإفاضة يوم النحر أو بعده، وكان قد أكمل مناسك حجه ورمى، فقد حل له الصيد، والنساء، والطيب، والمخيط، والنكاح، والإنكاح، وكل ما كان امتنع بالإحرام".
وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في كتابه "تحفة المحتاج في شرح المنهاج":
"(وإذا فعل الثالث) الباقي من أسباب التحلل: (حصل التحلل الثاني، وحل به باقي المحرمات) إجماعًا".
الخلاصة:
التحلل الأصغر يُبيح للمحرِم كل ما كان ممنوعًا عليه في الإحرام، عدا النساء وما يتعلق بهن من نكاح أو جماع أو مباشرة. والمالكية يضيفون إلى ذلك استمرار تحريم الصيد وكراهة استخدام الطيب. أما التحلل الأكبر، فيُبيح للحاج كل ما كان محظورًا عليه أثناء الإحرام بلا استثناء، وهذا باتفاق أهل العلم.
أخبار متعلقة :