كتب يوسف الشايب:
يشير تعبير "مِشكال" إلى أداة عندما ننظر من خلال أحد طرفيها ونوجه الطرف الآخر نحو الضوء، ترى عيوننا مجموعة غنية من الأنماط الملونة ذات التكوينات الفنية، تتغير ألوانها وأشكالها كلّما أدرنا المِشكال قليلاً.
و"مِشكال"، هو الاسم الذي اتخذه مشروع يدمج ما بين إعادة إحياء التراث الثقافي الفلسطيني، وتعزيز ودعم الصناعات الإبداعية في فلسطين، والتعبير الفني لدى الفنانين، الممول من الاتحادد الأوروبي، وينفذ من قبل معهد غوته الألماني والمجلس الثقافي البريطاني، بالشراكة مع تجمع المؤسسات الثقافية للاتحاد الأوروبي ( EUNIC ) في فلسطين.
وحسب شادي بكر، مدير مشروع مِشكال "أداء، إنتاج، تصميم"، فإن المشروع يمتد على ثلاث سنوات، يتوزع على ثلاثة مسارات، أولها يتعلق بالفنون الأدائية ويشرف على تنفيذه المجلس الثقافي البريطاني في فلسطين، ويشتمل على تقديم منح لفناني الأداء والمؤسسات الثقافية لتطوير وتنفيذ أعمال وأنشطة فنية وثقافية تعكس الموروث الثقافي المادي وغير المادي المستوحى من الموروث الثقافي المعماري الفلسطيني في حقول الفنون الأدائية المختلفة، بهدف الخروج بأعمال فنيّة تصب لجهة فكرة "مشاكل الأساسية" المتمحورة حول إعادة إحياء التراث الثقافي الفلسطيني، بحيث تُعرض هذه الإنتاجات خلال صيف هذا العام.
أما المسار الثاني للمشروع، فيختص بالإقامات الفنية في حقول الفنون البصرية والسمعية، ويشرف عليه معهد غوته في فلسطين، عبر دعم هذه الإقامات في مواقع تراثية وتاريخية فلسطينية، ما يدمج بين التراثين المادي متمثلاً في المواقع وغير المادي متمثلاً في طبيعة المشاريع التي يتقدم بها الفنانات والفنانون المقيمون، ويعيد تسليط الضوء على هذه المواقع بهدف إحيائها، وأنجزت النسخة الأولى منه، ونتج عنها معرض "حالة ذاتية"، بينما لا تزال تنتظم الإقامات الفنية في نسختها الثانية، والتي لابد أن ينتج عنها معرض آخر، بتكوين وثيمة وتشكيل مغاير عن سابقتها.
وأشار بكر في حديث خاص، إلى أن الفنانات والفنانين، يقيمون لمدة تقارب الشهرين كل في موقعه، بحيث يعملون على تطوير مشاريعهم الفنية، دون إغفال التفاعل مع المجتمعات المحيطة بهم كل في مكان إقامته، لافتاً إلى أن الإقامات في النسختين توزعت على بلدات ومدن فلسطينية عدّة: غزة، والقدس، وطولكرم، وبيت لحم، ورام الله، وبيرزيت.
وكشف مدير مشروع "مِشكال" إلى أنه من المقرر طرح منح إقامة فنية للفنانين الذين غادروا قطاع غزة، خاصة إبان الحرب المتواصلة، بحيث تنتظم في جمهورية مصر العربية، وإلى أنه من المقرر أن ينتظم المعرض الناتج عن كافة هذه الإقامات والمشاريع الفنية للفنانات والفنانين المقيمين، خلال صيف هذا العام.
ويتمحور المسار الثالث لمشروع "مِشكال" حول "أسبوع رام الله للتصميم"، الذي يركز في دورته الافتتاحية على التقاليد الفلسطينية المتجذرة، ما يمكّن المصممين الناشئين والمحترفين من إعادة تخيل الماضي وإحيائه، من خلال تصميمات مبتكرة ومستدامة تتحدى التفسيرات التقليدية، وتقدم رؤى ديناميكية ومعاصرة للتراث الفلسطيني، سواء أكان ذلك من خلال استخدام تقنيات متطورة، أو عبر مشاريع تعاونية، أو أشكال فنية جديدة.
وقد تم الإعلان عن استقبال المشاريع المتنافسة حتى منتصف أيار الجاري، بحيث يتم تقديم قرابة الثلاثين منحة لمجموعة من المصمّمين في مجالات متعددة كالأزياء، والأثاث، والديكور، والمعمار، والصوت، وتصميم الواجهات بطريقتي (UI) و(UX)، وتصاميم الذكاء الاصطناعي، وغيرها، ليتم العمل على تطويرها لمدة عام، قبل أن تصب جميعها لجهة تنظيم الأسبوع، والمقرر في العام 2026.
ولفت بكر، إلى أن الحاصلين على المنح، سيتستفيدون من إرشاد لمختصين كل في مجال مشروعه، وتدريبات متخصصة ومكثفة في المجالات الإدارية والمالية، بهدف تحويل هذه المشاريع إلى صناعات إبداعية مستدامة، عبر تأسيس شركات ومشاريع ربحية.
واللافت في مشروع مِشكال "أداء، إنتاج، تصميم"، المُغاير والمتفرد في مجالاته، العمل على تطوير الصناعات الإبداعية الثقافية والفنية في فلسطين، بما يحول إبداعاتهم إلى مشاريع تضمن لهم دخلاً مستداماً، وترفد السوق الفلسطينية بمشاريع تعزز هذا الجانب المفقود، وعن ذلك يُفصّل بكر: هذا أمر محوري في المشروع، ويقوم على دعم الصناعات الإبداعية في فلسطين، عبر خلق مشاريع رياديّة جديدة ومتجددة في إطار تجاري، سواء بشكل منفرد، أو عبر بناء شراكات مع مستثمرين من رجال أعمال وشركات ومؤسسات فلسطينية، ما من شأنه أن يساهم ليس فقط في تحويل الإبداع إلى صناعة وتجارة تدر دخلاً لصاحبها، وتدعم الاقتصاد الفلسطيني، بل وتسويق هذه المنتجات عالمياً أيضاً، ما يعزز من خلق فرص عمل تقلل، ولو جزئياً، من منسوب البطالة الآخذة في الارتفاع لدى الشباب الفلسطيني.
وأكد بكر أنه لا تدخل في محتوى المشاريع الحاصلة على المنح من قبل المؤسسات القائمة على تمويل وتنفيذ "مِشكال" بمساراته المتعددة، كون أنه من بين أهداف المشروع الأساسية دعم كافة اشكال التعبير الفني، نافياً ما يُشاع حول التدخل في المحتوى أو المضامين للمشاريع الفنية والإبداعية للفنّانات والفنانين، مشدداً: من تابع الأعمال الفنية في معرض "حالة ذاتية"، أو الكتيب الخاص به، ونتجت عن الإقامات الفنية في نسختها الأولى، سيدرك ذلك بوضوح، فالعديد منها يتكئ على أحداث نضالية أو أخرى تشكل جزءاً من الذاكرة الجمعية الفلسطينية، والتاريخ الحديث والتراث الثقافي لشعبنا الفلسطيني، مضيفاً أن المشاريع التي يتم تمويلها تتم عبر لجان تحكيمية مستقلة.
جدير بالذكر، أن مسارات مشروع مِشكال "أداء، إنتاج، تصميم"، من شأنها أن تساهم في بناء الشراكات والتبادل الثقافي على المستويين المحلي والعالمي، بما يعزز دعم وتوسيع الهوية الثقافية الفلسطينية والتراث الثقافي، فضلاً عن تمكين الشباب والنساء والفاعلين الثقافيين من الحصول على فرص لتنمية ممارساتهم واحترافهم، والاستفادة من العروض الجديدة والفرص الاقتصادية، كما ستساهم في بناء الشراكات والتبادل الثقافي المحلي والدولي، خاصة مع أوروبا، ما يسهم في تعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية وصوت التراث الثقافي، وانتشارهما، إضافة إلى دورها في تمكين النساء والفاعلين الثقافيين الشباب من الحصول على فرص لتنمية ممارساتهم الثقافية، وتعزيز التواصل مع مساحات إبداعية جديدة، من خلال العمل مع الشركاء الفلسطينيين والأوروبيين، كما يساهم المشروع في دعم حفظ التراث الثقافي الفلسطيني كالمواقع التاريخية، والحرف اليدوية، ورواية القصص، والتعبير الفني والثقافي المتنوع، والصناعات الإبداعية الثقافية.
أخبار متعلقة :