إيران وواشنطن.. تنازلات محسوبة أم صفقة اللحظة الأخيرة؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في أجواء سياسية يلفها الحذر والتفاؤل المشوب بالشك، تفتح طهران وواشنطن مجددا باب التفاوض حول الاتفاق النووي، وسط مؤشرات على تقارب غير مسبوق منذ انهيار الاتفاق الأصلي في 2018.

وبينما يُنظر إلى الجولة القادمة من المحادثات باعتبارها فرصة أخيرة لتجنب الانزلاق نحو التصعيد العسكري، يتصاعد جدل محوري: هل قدمت إيران تنازلات حقيقية لإحياء الاتفاق، أم أن ما يحدث هو مجرد إعادة تموضع تكتيكي على طاولة المفاوضات؟

تنازلات أم إعادة تموضع؟

بحسب محمد صالح صدقيان، المحلل الخاص لـ"سكاي نيوز عربية ، فإن رواية "التنازلات الإيرانية" التي تسوقها مصادر أميركية لا تعكس بالضرورة الواقع الإيراني الداخلي.

ويوضح في تحليله أن "الجانب الإيراني لم يؤكد أي من تلك التسريبات عن التوصل إلى توافق، بل إن عباس عراقجي نفسه تحدث عن التمسك بالحق الإيراني في التخصيب"، ما يدل على أن طهران لا تزال تعتبر نشاطها النووي داخل أراضيها خط أحمر.

ويتابع صدقيان في قوله إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية : "الإيرانيون لم يقولوا إنهم تخلوا أو علقوا أو فككوا أنشطة التخصيب"، مؤكدًا أن المقترح الأميركي بإنشاء مجمع صناعي إقليمي لتخصيب اليورانيوم بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يحظى بالقبول فقط إذا أقيم على الأراضي الإيرانية. أما دون ذلك، فسيُعتبر تجاوزًا للسيادة الوطنية.

وإذ يشير صدقيان إلى أن الجولة المقبلة من المفاوضات ستكون "حاسمة"، يكشف عن وجود مقترحات عُمانية "تعرف جيدا خطوط الطرفين الحمراء"، وعلى رأسها تعليق الأنشطة النووية لستة أشهر مقابل تقدم في ملف العقوبات.

لكنه يستدرك قائلاً: "هناك اقتراحات أخرى لتعليق التخصيب لثلاث سنوات، وهي ما تبقى من عهد ترامب، مقابل إزالة شاملة للعقوبات، بما في ذلك فتح منظومة سويفت المالية".

هنا يضع صدقيان النقطة المفصلية: إيران لا تفاوض فقط لحماية برنامجها النووي، بل لإزالة العقوبات الاقتصادية التي تخنقها. ومن هذا المنطلق، فإن كل خطوة "تنازلية" من طهران مرتبطة ارتباطا عضويا بتقدم ملموس في الملف الاقتصادي.

التوقيت والمصلحة.. دوافع واشنطن وطهران

من جانبه، يرى مدير مركز التحليل السياسي العسكري في معهد هدسون ريتشارد وايتز خلال حديثه إلى غرفة الأخبار أن التقارب المفاجئ بين طهران وواشنطن لا يمكن فصله عن حسابات اللحظة السياسية لكلا الطرفين.

ويؤكد أن "الرئيس ترامب متفائل بطبعه ويسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير"، خاصة بعد انسداد أفق الحل في ملفات أخرى مثل أوكرانيا وكوريا الشمالية.

ويشير وايتز إلى أن الوضع الاقتصادي في إيران "لا يزال يتدهور تحت وطأة العقوبات"، إضافة إلى تراجع نفوذها الإقليمي، لا سيما في سوريا ولبنان.

ويضيف: "الميليشيات المرتبطة بإيران باتت أضعف حتى في العراق، فيما تكبدت طهران خسائر كبيرة في هجماتها الدفاعية ضد إسرائيل".

أما من ناحية واشنطن، فيؤكد وايتز أن إدارة ترامب قد تكون مستعدة لإزالة عدد كبير من العقوبات بشرط التوصل إلى صيغة تقيّد قدرة إيران على تصنيع الوقود النووي داخليا.

ويخلص إلى أن الطريق إلى حل وسط قد يمر عبر "هيئة دولية مشتركة" لتصنيع الوقود النووي، تمنح إيران حفظ للكرامة السياسية وتمنح واشنطن ضمانات أمنية، مضيفًا: "معظم الدول التي لديها برامج نووية لا تخصب اليورانيوم".

صفقة مؤقتة أم تسوية شاملة؟

يرى صدقيان أن طهران قد تميل إلى "اتفاق مؤقت" إذا تعذرت التفاهمات السريعة، شرط أن يتضمن إزالة بعض العقوبات، وهو ما يعتبر ضرورة لأي تفاهم قابل للحياة.

ويقول: "إذا لم نتمكن من التوصل لاتفاق خلال الشهرين القادمين، فالاتفاق المؤقت هو البديل.. شرط أن يتضمن مكاسب اقتصادية لإيران".

في المقابل، تبدو إسرائيل غير راضية عن هذا المسار، إذ نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمر الجيش بالاستعداد لشن هجوم أحادي على المنشآت الإيرانية، رغم تحذيرات ترامب.

غير أن صدقيان يستبعد هذا الخيار قائلًا: "كل الأجواء غير مناسبة لمثل هذا العمل العسكري. الدول الخليجية لا تريد حربا الآن، والولايات المتحدة لا تبحث عن تصعيد".

ترامب: بين الدبلوماسية والتهديد

لم يغب الرئيس ترامب عن المشهد بتصريحاته المتضاربة. ففي حين أكد أن "المحادثات تسير بشكل جيد"، لم يتخلَ عن نبرته التصعيدية، ملوحًا بـ"نتائج عنيفة" في حال فشل المفاوضات. وهنا يعلّق وايتز بالقول: "ترامب يرغب بإنجاز، لكنه يستخدم التكتيكات التصعيدية لدفع إيران نحو المزيد من التنازلات".

هذا التناقض، حسب المحللين، ليس سوى جزء من استراتيجية التفاوض التي يتقنها الرئيس الأميركي، حيث يخلط بين التهديد والاحتواء لتحقيق مكاسب تفاوضية أكبر.

التنازلات على المحك.. لكن من الرابح؟

المفاوضات بين واشنطن وطهران تدخل مرحلة حساسة عنوانها الأكبر: من يتنازل أولًا؟ وبينما تحاول إيران الحفاظ على مكاسبها النووية والسيادية، تسعى واشنطن إلى فرض ضوابط دائمة تمنع تصنيع سلاح نووي تحت غطاء سلمي.

غير أن ما يتضح من تحليلات صدقيان ووايتز، أن كلا الطرفين بحاجة ماسة إلى الاتفاق، ترامب لتحقيق إنجاز دولي منذ عودته الى البيت الأبيض، وإيران لفك الطوق الاقتصادي.

في هذا السياق، لا يمكن الحديث عن "تنازلات كبرى" بقدر ما هو إعادة تموضع مرن يمكن كل طرف من ادعاء الانتصار أمام جمهوره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق