المنامة في 04 يونيو / بنا / اختتمت الجلسة الثالثة من المؤتمر الوطني لمناقشة تطبيقات العدالة الجنائية ضمن إطار الإصلاح والتطوير، والتي ركزت على أحدث الممارسات في تبني نهج إصلاحي يوازن بين حفظ الأمن وحقوق الأفراد.
وتم خلال الجلسة استعراض تجارب دولية رائدة في مجال العدالة الإصلاحية، مع التأكيد على أهمية العقوبات البديلة ودورها في تعزيز إعادة التأهيل والإدماج المجتمعي.
وترأس الجلسة السيد علي أحمد أميني مدير إدارة الوقاية من الجريمة بوزارة الداخلية بمملكة البحرين، والذي أشار إلى أهمية تبني برامج الإصلاح الجنائي الحديثة التي تدعم الأمن المجتمعي وترفع من كفاءة منظومة العدالة في البلاد.
وأكد أن التوجه الإصلاحي يسهم في تحقيق العدالة بطريقة إنسانية تراعي حقوق المتهمين والمجتمع معًا.
وقدم القاضي أيوب علي أبو جعفر رئيس قسم السياسة الجنائية في وزارة العدل بالمملكة المغربية، شرحًا مفصلًا عن التطورات التي شهدتها منظومة العدالة الجنائية في المغرب، والتي اعتمدت مبدأ التدرج في تطبيق العقوبات البديلة كجزء من الإصلاحات التشريعية الهادفة إلى تقليل العقوبات السالبة للحرية، مؤكدًا دور العقوبات البديلة في تحسين فعالية النظام القضائي وتعزيز حقوق المتهمين.
وأوضح أن مشروع القانون المغربي اعتمد مبدأ التدرّج في العقوبات، بحيث تُطبق البدائل على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، مشيرًا إلى أن النظام المغربي الجديد يتضمن عقوبات بديلة مثل العمل من أجل المنفعة العامة، والغرامات اليومية، والمراقبة الإلكترونية، إلى جانب التدابير الرقابية والعلاجية، باستثناء بعض الجرائم الخطرة التي لا يُسمح فيها بالاستفادة من هذا النظام، وذلك حرصًا على حقوق الضحايا وحماية الأمن المجتمعي.
وأشاد بتجربة مملكة البحرين الرائدة في مجال تطبيق العقوبات البديلة، معتبرًا أنها تمثل نموذجًا متقدمًا يجمع بين الفعالية القانونية والأبعاد الإنسانية، ويسهم في إعادة دمج الأفراد في المجتمع بشكل إيجابي.
من جانبه، تحدث العميد الدكتور القاضي محمد الشديفات مدير القضاء الشرطي ممثل المملكة الأردنية الهاشمية، عن منظومة العقوبات البديلة التي تم تطبيقها في بلاده، مبينًا أن التشريعات الأردنية تضمنت نصوصًا محددة لتنفيذ عقوبات مجتمعية مثل العمل المجتمعي والرقابة الإلكترونية بهدف تحقيق العدالة الإصلاحية وتقليل الاكتظاظ في السجون.
وأوضح أن النظام الأردني للعقوبات البديلة يشمل أربعة أنواع رئيسية، وهي: العمل المجتمعي، المراقبة المجتمعية، المراقبة الإلكترونية، وحظر التردد على أماكن معينة، مشيرًا إلى أن تطبيق هذه العقوبات مشروط بتقييم الحالة الاجتماعية للمحكوم عليه، على ألا يكون من أصحاب السوابق، وألا تتجاوز مدة العقوبة الأصلية سنة واحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا يشكّل تواجده في المجتمع خطرًا على الأمن العام.
وأشار إلى أن الأردن تواجه بعض التحديات في التطبيق، منها تقبل المجتمع لهذه العقوبات وضمان وجود برامج تأهيلية فعالة لمساعدة المحكوم عليهم على العودة للمجتمع بشكل إيجابي، مبينًا أهمية دور الجهات المعنية في رصد ومتابعة تنفيذ هذه العقوبات لضمان نجاحها.
وقدم المهندس حسن عيسى الشارقي المدير التنفيذي لشركة كيوبلاس للمعاينة واستشارات الجودة في مملكة البحرين، عرضًا حول دور الابتكار في تطوير منظومة تنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة في مملكة البحرين، موضحًا كيف تعتمد الجهات المختصة على تطبيق أفكار مبتكرة تواكب التطورات التقنية لضمان تحسين الأداء وتحقيق نتائج إيجابية.
وأكد أهمية ربط الابتكار بالاستراتيجية اليومية للعمل الإداري، موضحًا أن الثقافة الابتكارية أصبحت ركيزة أساسية لتعزيز جودة الخدمات وتحقيق تطلعات المجتمع في مجال العدالة الإصلاحية، وأن التحول الرقمي والتقنيات الحديثة تسهم في تحسين مراقبة وتنفيذ العقوبات البديلة.
وأشار إلى أن الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام تعمل اليوم وفق نموذج ابتكاري متكامل، يمر بمراحل تشمل رصد الفرص، اختبار المفاهيم، التطبيق والتطوير، بما يضمن تدفقًا مستمرًا للأفكار الجديدة، مضيفًا أن مقاهي ومختبرات الابتكار أصبحت منصات فعالة للتفكير خارج الإطار التقليدي، مما يتيح للمبتكرين العمل بحرية وفاعلية.
وفي سياق متصل، أشاد ديفيد كاليولاني هاسنريتر مدير إدارة المعايير والاعتماد الجمعية الإصلاحية الامريكية، بتجربة "السجون المفتوحة" في مملكة البحرين، واصفًا إياها بأنها نموذج يُحتذى على المستوى العالمي في تطبيق العقوبات البديلة وإعادة التأهيل المجتمعي، حيث تمثل مستقبل العمل الإصلاحي القائم على التوازن بين الحزم والدمج المجتمعي.
وأشار إلى أن ما يميز التجربة البحرينية هو الالتزام الحقيقي من جميع أفراد المنظومة، من القيادة العليا إلى العاملين في الميدان، وإيمانهم العميق برسالة البرنامج الإصلاحي، مشددًا على أن النجاح لا يقتصر فقط على تطبيق المعايير، بل على مدى تفاعل وتعاون الجميع مع هذه الفلسفة الجديدة، لافتًا إلى أن البحرين حققت تحولًا نوعيًا في منهجية العمل الإصلاحي، من خلال التدريب الفعّال والدعم المؤسسي المتواصل.
وأكد أن السجن المفتوح في البحرين لا يقتصر فقط على توفير بديل عن السجون التقليدية، بل يهدف إلى دمج المستفيدين في المجتمع بطريقة آمنة ومسؤولة تقلل من معدلات العودة للجريمة، معززة بذلك فرص بناء مستقبل أفضل لهم وللمجتمع، لافتًا إلى أن نجاح البحرين في كسب دعم جهات التوظيف وتوفير السكن والفرص للمفرج عنهم يمثل إنجازًا كبيرًا مقارنة بالعديد من الدول التي تواجه تحديات في هذا المجال.
واختتمت، البروفيسور سونيتا تور رئيس قسم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية معهد شيفيلد للقانون والعدالة في المملكة المتحدة، بالتأكيد على أن التعاون المثمر مع الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام خلال السنوات الخمس الماضية كان مركزه الأساسي تطوير كوادر متميزة، حيث حرصت قيادة مملكة البحرين، على تجاوز الحد الأدنى من المعايير إلى إنشاء نظام إصلاحي متكامل يُحدث تغييرًا حقيقيًا في المجتمع.
وأشارت إلى أن القيادة الفعالة كانت واضحة على جميع المستويات، مما حفز الجميع على المشاركة وتحمل المسؤولية في تقديم العقوبات البديلة بمهنية ونزاهة، موضحة أن تصميم البرامج تم بناءً على فهم عميق لأهداف الإصلاح، مستفيدين من أبحاث دولية لكن مع تكييفها بما يتناسب مع خصوصية البحرين.
وأكدت أن البرنامج لا يقتصر على إعادة تأهيل المستفيدين فقط، بل يعيد لهم كرامتهم ويوفر لهم فرصًا حقيقية للاندماج الفعّال في المجتمع، مشيرًا إلى أن تجربة البحرين ساهمت في إثراء المعرفة الدولية بهذا المجال.
من: نورة البنخليل
م.ص, خ.س, A.A
0 تعليق