لبنان.. بقاء "اليونيفيل" بين إسرائيل والولايات المتحدة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

منذ تأسيسها عام 1978 بقرار أممي (425)، ظلت قوات "اليونيفيل" حارساً دولياً هشّاً في جنوب لبنان، تعمل على مراقبة وقف إطلاق النار ومنع الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله. لكن التحولات الأخيرة على الأرض، والتصعيد الإسرائيلي ضد مهام هذه القوة، باتت تطرح تساؤلات وجودية: لماذا تريد إسرائيل إنهاء مهام اليونيفيل الآن؟ وهل يدفع الجنوب اللبناني فاتورة تقاطع الرؤى الإسرائيلية-الأمريكية في المرحلة المقبلة؟.

هجوم سياسي مقنّع أم مناورة أمنية؟

بحسب عبد الرحمن الشحيتلي، ممثل الحكومة اللبنانية الأسبق لدى اليونيفيل خلال ظهوره ببرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، فإن "الطلب الإسرائيلي بإنهاء مهمة اليونيفيل هو جزء من عملية ممنهجة لنزع الشرعية الدولية عن الوجود الأممي جنوبا"، معتبرا أن "إسرائيل لا تريد من يراقبها، بل تسعى إلى بيئة أمنية مفرغة تمهّد لتحرك حر في الساحة الجنوبية".

في الواقع، تبدو الحملة الإسرائيلية على اليونيفيل، التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، وكأنها تسعى لتفكيك الشاهد الدولي على الخروقات المستمرة من الجانب الإسرائيلي، وتحويل الجنوب إلى ساحة أمنية بلا شهود.

ويُلاحظ أن دعوات إنهاء التفويض الأممي تتزامن مع اتساع رقعة الاشتباكات على الحدود، وتصاعد نبرة المواجهة مع حزب الله.

إسرائيل تسعى لشرعنة "الفراغ الأمني"

في تحليله لنية إسرائيل، يذهب اللواء الشحيتلي إلى أبعد من مجرد اتهام مباشر، فهو يعتبر أن "إسرائيل لطالما شعرت أن وجود اليونيفيل يعقّد من حركتها الاستخباراتية واللوجستية في الجنوب اللبناني".

ويضيف: "وجود المراقب الأممي يقيد قدرتها على تنفيذ عمليات خارج السياق، ويضعها في موقع المساءلة الأممية عند أي خرق، وهو ما لا تريده".

ما يثير الانتباه أن تصريحات الشحيتلي تتقاطع مع تقارير أممية تشير إلى تصاعد حدة التوتر في المناطق الحدودية، خاصة مع تسجيل عشرات الخروقات الجوية والبرية من قبل الجيش الإسرائيلي.

ويضيف: "في حسابات تل أبيب، اليونيفيل لم تعد ورقة ضغط على حزب الله بل أصبحت عبئا ميدانيا يُقيّد حركتها العسكرية".

اليونيفيل على مفترق طرق

تعمل قوات اليونيفيل حالياً بموجب القرار 1701 الصادر عام 2006، والذي جاء بعد حرب يوليو بين إسرائيل وحزب الله، وينص على وقف الأعمال العدائية وإنشاء منطقة خالية من السلاح جنوب الليطاني، باستثناء الجيش اللبناني.

لكن الواقع الميداني أظهر أن مهمة اليونيفيل باتت شبه رمزية في ظل التغييرات الجيوسياسية والتوترات العسكرية. ويقول الشحيتلي: "اليونيفيل لا يمكنها استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس. وبالتالي، فإن وجودها أصبح وجوداً معنوياً أكثر منه ردعياً". وبرأيه، فإن الضغط الإسرائيلي لتقليص التفويض أو سحبه كلياً هو محاولة لاستغلال الغموض في بنود القرار 1701، وإعادة تعريف دور الأمم المتحدة بما يخدم الأجندة الأمنية الإسرائيلية.

"ضوء أخضر" أميركي

لا يمكن عزل التحركات الإسرائيلية عن الدعم غير المشروط الذي تتلقاه من واشنطن في المحافل الدولية. اللواء الشحيتلي يربط بين "الهجمة على اليونيفيل" والتوجه الأمريكي لإعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة. ويقول: "ثمة مؤشرات على وجود توافق ضمني بين إسرائيل وبعض الدوائر في واشنطن على إعادة هندسة الوضع الحدودي بما يلائم سيناريوهات المواجهة المقبلة".

ويوضح: "الإدارة الأميركية، في ظل المعطيات الإقليمية المتغيرة، لا تمانع في تفكيك بعض الأدوار الأممية التقليدية، إذا كانت لا تصب في خانة الاحتواء الكامل لحزب الله وإيران".

في هذا السياق، فإن أي انسحاب أو تقليص لدور اليونيفيل سيفتح الباب أمام مزيد من الانفلات الميداني، وربما يسرع من احتمالات اندلاع مواجهة واسعة.

ماذا تريد إسرائيل؟

تكمن مفارقة الطرح الإسرائيلي في أنه يتناقض مع ما طالبت به تل أبيب مرارا في السابق من "تعزيز صلاحيات اليونيفيل". لكن الشحيتلي يفكك هذا التناقض بالقول: "عندما كانت إسرائيل تطالب بمنح اليونيفيل صلاحيات أوسع، فإن هدفها الحقيقي كان دفع هذه القوات للاشتباك مع حزب الله. وعندما لم يتحقق ذلك، تغيّرت المقاربة إلى استراتيجية الإلغاء".

وأضاف: "هي لا تريد قوة محايدة.. إسرائيل لا تقبل إلا قوى تابعة تدور في فلك رؤيتها الأمنية، وهذا ما لم تنجح في فرضه على اليونيفيل".

من الجانب الآخر، فإن إنهاء مهمة اليونيفيل لا يُعد بالضرورة مكسباً لحزب الله. فكما يرى مراقبون، فإن الوجود الأممي يوفر نوعاً من "التوازن الردعي" الذي يمنع إسرائيل من شن عمليات عسكرية واسعة، ويمنح الحزب غطاء دبلوماسيا لاتهام إسرائيل بالخرق الدائم للقرارات الدولية.

في هذا الصدد، يقول الشحيتلي: "اليونيفيل هي صمام أمان نسبي، وكل تراجع في دورها أو وجودها يعني فتح الحدود على سيناريوهات خطيرة. لا أحد في لبنان يريد أن يتحوّل الجنوب إلى ساحة حرب مفتوحة".

ويضيف: "الحديث عن إنهاء التفويض لا يمكن أن يكون مجرد تكتيك سياسي، بل هو جزء من إعادة إنتاج البيئة الحدودية بطريقة تسمح لإسرائيل بالمناورة وفرض قواعد اشتباك جديدة".

هل تتراجع الأمم المتحدة؟

في ظل الضغوط الإسرائيلية المتزايدة، تواجه الأمم المتحدة اختبارا حقيقيا في الحفاظ على حياديتها ودورها. وقد رُصد في الآونة الأخيرة تراجع نسبي في حزم اليونيفيل تجاه الخروقات، ما أثار تساؤلات عن مدى قدرتها على أداء مهامها بشكل فعلي.

وفي هذا السياق، يحذر اللواء الشحيتلي من "تآكل تدريجي في دور القوة الأممية"، قائلا: "عندما تُفرغ القوة الدولية من مضمونها، وتتحوّل إلى عنصر رمزي أو شاهد صامت، فإن وجودها يصبح شكلياً، ويُفقدها معناها الحقيقي".

سيناريوهات ما بعد اليونيفيل

إذا ما تحقق السيناريو الإسرائيلي وتم إنهاء التفويض أو تقليصه إلى حدوده الدنيا، فإن المنطقة قد تشهد تحولات خطيرة، أبرزها:

فراغ أمني دولي: يُتيح لإسرائيل تنفيذ عمليات استباقية دون رقابة أممية.

اشتداد الاشتباكات الحدودية: نتيجة غياب قوة ضابطة للميدان.

تزايد الضغوط الدولية على لبنان: خاصة من مجلس الأمن والولايات المتحدة، بحجة فقدان السيطرة على الجنوب.

فتح الباب أمام مواجهات أوسع مع حزب الله: في حال اعتبار أي نشاط دفاعي "خرقاً" من دون رادع أممي.

من يحتاج اليونيفيل؟

اللافت أن أكثر من يحتاج اليونيفيل ليس المجتمع الدولي فحسب، بل أيضاً لبنان كدولة، وحتى بعض أطراف الصراع كحزب الله، لتأمين نوع من الضبط الميداني ولو كان محدود الفاعلية.

تصريحات اللواء الشحيتلي تكشف بوضوح أن إسرائيل لم تتخل عن استراتيجيتها القائمة على التحكم الكامل بالمشهد الحدودي. إنها تريد جنوبا بلا شهود، وتفويضا دوليا بلا مضمون، وحدودا مشتعلة دون مساءلة. لكن هل سيتحوّل الجنوب اللبناني إلى "منطقة فراغ دولي" بفعل إرادة إسرائيل وحدها؟ أم أن هناك من سيتحرك في اللحظة الأخيرة للحفاظ على آخر خطوط التماس الأممي؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق