بعد 12 يوما من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تخللها دخول الولايات المتحدة بقوة على خط المواجهة عبر ضربات استهدفت منشآت نووية إيرانية، عاد الملف النووي إلى صدارة الاهتمام الدولي.
وبينما توقف إطلاق النار رسميًا، لم تهدأ عاصفة الأسئلة: هل أخفت طهران مخزون اليورانيوم بعيدًا عن مرمى الغارات؟ وهل عادت الدبلوماسية لتأخذ مكان البارود؟ في هذا السياق، برزت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين أميركيين بارزين لتعيد رسم خريطة الاحتمالات، ما بين العودة إلى طاولة التفاوض أو التجهيز لمواجهة جديدة.
في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، نفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل قاطع أن تكون إيران قد خبأت مخزونها من اليورانيوم قبل الضربات.
واعتبر أن القيام بمثل هذه الخطوة "صعب للغاية"، في إشارة إلى رقابة الأقمار الصناعية، ونشاط أجهزة الاستخبارات الغربية، خصوصا في وقت كانت فيه المنطقة على شفير الحرب.
تصريح ترامب يأتي ليقطع الطريق على اتهامات مفترضة بأن إيران ربما تكون قد استبقت الضربة بإخفاء كميات من المواد النووية، ما قد يعني استمرار طهران في امتلاك قدرات تهدد أمن المنطقة رغم الضربات.
عرض الـ30 مليار دولار: حقيقة أم "تسريب مضلل"؟
نفى ترامب أيضا تقارير تحدثت عن نية إدارته تقديم صفقة نووية مدنية لإيران بقيمة 30 مليار دولار لبناء مفاعل للطاقة النووية.
ووصف هذه الأنباء بـ"الزائفة"، مضيفًا: "لم أقدم عرضا في هذا الشأن".
لكنه في الوقت نفسه لم ينفِ وجود نقاش داخل إدارته حول تقديم حوافز اقتصادية مقابل وقف تخصيب اليورانيوم، وهي صيغة تستعيد نماذج تفاوضية مشابهة من عهد أوباما، لكن بشروط أكثر صرامة.
ستيف ويتكوف على الخط.. محادثات أميركية إيرانية قيد التحضير
في تطور مفاجئ، كشفت شبكة "إن بي سي" الأميركية أن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يستعد لعقد لقاءات مع مسؤولين إيرانيين خلال الأيام المقبلة، في محاولة لاستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق يُجمّد التخصيب الإيراني مقابل تخفيف العقوبات. هذه الأنباء تعكس تحولًا من حالة الحرب إلى اختبار حقيقي لنوايا الطرفين، وتُظهر أن واشنطن لم تقطع خط العودة إلى المسار الدبلوماسي.
الموقف الإيراني: عراقجي يعرض استئناف المفاوضات... دون تنازل
من الجانب الإيراني، خرج وزير الخارجية عباس عراقجي بتصريح يحمل رسائل مزدوجة. فعلى منصة "إكس"، كتب أن "الإيرانيين ضحوا بدمائهم لا بشرفهم"، مؤكدًا رفض طهران للاستسلام. لكنه في الوقت ذاته أبدى "استعدادًا مبدئيًا" لاستئناف المفاوضات مع واشنطن، وهو ما يُفهم على أنه محاولة لحفظ ماء الوجه داخليًا، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام التسوية.
إيران "أُصيبت في العمق"... لكن التهديد قائم
أوضح مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون السياسية والعسكرية مارك كيميت ، خلال حديثه إلى برنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية أن "الضربات ألحقت ضررا بالغا بالمرافق النووية الإيرانية، وأعادت البرنامج سنوات إلى الوراء"، لكنه حذر من أن "المعرفة والقدرات ما زالت بيد الإيرانيين"، ما يعني أن الخطر لم يُستأصل بعد.
كيميت شدد على أن الولايات المتحدة وضعت خطًا أحمر واضحًا: لا تخصيب لليورانيوم، ولا حيازة لسلاح نووي.
هل تصمد الدبلوماسية أمام "البرنامج الثلاثي" الإيراني؟
يشير كيميت إلى أن الأزمة النووية الإيرانية لا يمكن اختزالها في ملف التخصيب فقط، بل تتضمن أيضًا برنامج إيران الصاروخي وأذرعها الإقليمية.
وفي هذا الإطار، يرى أن طهران تسعى إلى تجزئة الملفات الثلاثة لمقايضتها بشكل منفصل، بينما تصر واشنطن على مقاربة شاملة. هذا التباين في المنهجيات التفاوضية يهدد بانهيار أي حوار مرتقب ما لم تُضبط شروطه بوضوح منذ البداية.
ويطرح كيميت تساؤلا جوهريا: من سيحسم القرار في طهران؟ البراغماتيون الذين قد يرون في صفقة نووية مدنية ومساعدات اقتصادية فرصة لانتشال البلاد من أزمتها، أم العقائديون الذين يعتبرون التخلي عن التخصيب "خيانة للمقاومة"؟ يشير كيميت إلى أن "العرض الأميركي مغرٍ"، لكنه يعتمد على من ستكون له الكلمة داخل النظام الإيراني. فالصراع بين التيارين – السياسي والآيديولوجي – قد يحدد مصير المفاوضات المقبلة.
الضربة التالية: خيار مطروح أم مجرد ورقة ضغط؟
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل تكون الضربة التالية مجرد تهديد؟ أم أنها خيار حقيقي قيد الإعداد؟ كيميت يلمّح إلى أن الولايات المتحدة قد تشارك في ضرب مواقع نووية "يصعب تدميرها من قبل إسرائيل وحدها"، ما يعني أن واشنطن تحتفظ بخيار عسكري محدود لكنه مؤثر، في حال أظهرت طهران أي نية لاستئناف التخصيب لمستويات عالية.
شروط أميركية جديدة: التفكيك، الرقابة، والتخزين
من اللافت أن كيميت تحدث عن "مرونة أميركية" في تفاصيل التفاوض، مثل شروط تفكيك البرنامج، أو كيفية تخزين اليورانيوم. لكنه أكد أن "عصر التساهل انتهى"، وأن الحصول على سلاح نووي أو حتى الاقتراب منه لم يعد مسموحًا. هذا يوضح أن الولايات المتحدة مستعدة لتسويات تقنية محددة، لكن الإطار السياسي العام سيبقى صارمًا.
0 تعليق