أعلن حزب العمال الكردستاني عن بدء إجراءات تسليم سلاحه، في خطوة أولى من نوعها منذ أكثر من أربعة عقود من النزاع مع الدولة التركية، على أن تنطلق هذه العملية رسميا في 3 يوليو من مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق.
وبحسب ما نقلته قناة "روداو" الكردية، فإن هذه الخطوة وُصفت في الأوساط السياسية الكردية بأنها "إجراء لبناء الثقة" و"بادرة حسن نية"، تهدف إلى فتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة بين أنقرة والحزب.
تشكيك كردي وتساؤلات سياسية
لكن رغم الأجواء الإيجابية المعلنة، يعبّر العديد من المراقبين والناشطين الأكراد عن شكوك عميقة حيال أهداف المبادرة، واعتبروها "استعراضًا أكثر من كونها مصالحة حقيقية"، خاصة في ظل غياب أي بوادر مقابلة من الجانب التركي.
وفي حديثه إلى برنامج "ستوديو وان مع فضيلة" على سكاي نيوز عربية، قال أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة كويا، الدكتور سربست نبي، إن "الشارع الكردي لا يثق بهذه العملية"، مؤكدًا أن الخطوة جاءت "بناء على نداء من زعيم الحزب المعتقل عبدالله أوجلان"، الذي دعا إلى التخلي عن كل المطالب القومية مثل الفيدرالية والحكم الذاتي، والتركيز على وحدة تركيا.
وأضاف نبي: "كان من المفترض أن تبادر الدولة التركية بخطوة مماثلة، لكنها على العكس من ذلك، تسوّق الأمر داخليًا على أنه انتصار وإذعان ونهاية للإرهاب، دون أي اعتراف بالمشكلة الكردية أساسًا".
سياق داخلي وخارجي معقد
يأتي هذا الإعلان في وقت تواجه فيه تركيا تحديات إقليمية متصاعدة، وسط صراع نفوذ على الأراضي السورية.
ويرى نبي أن أنقرة تسعى إلى "استثمار الورقة الكردية في سوريا للضغط على مسار الأحداث الإقليمي، مشيرًا إلى أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدرك أن فرص إعادة انتخابه باتت مهددة، ويأمل في استمالة الأصوات الكردية وتحييد المعارضة من حزب الشعب الجمهوري".
انعكاسات محتملة على "قسد"
وفي ضوء ما يُتداول من رسائل من أوجلان إلى قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، تتضمن دعوة للتقارب مع تركيا، يُطرح تساؤل حول مدى استعداد عبدي للتخلي عن مكتسبات الأكراد في سوريا، مقابل مشروع تسوية إقليمي أكبر.
ويؤكد نبي أن هناك "مخاوف حقيقية من ضغوط تمارس على الأكراد في شمال سوريا لإذابة مطالبهم وحقوقهم في سبيل تمرير أجندة تركية أوسع"، في ظل غياب أي ضمانات واضحة لحقوقهم السياسية والثقافية.
مصالحة تحت ظلال الانقسام
ورغم حديث حكومة إقليم كردستان العراق عن دعمها لأي مساعٍ للتهدئة، شدد نبي على أن حكومة الإقليم "تلتزم بالسياسة الخارجية العراقية، ولا ترغب في التدخل بالشأن التركي"، مؤكدا أن "أي حل لا يعالج جذور المشكلة الكردية داخل تركيا، سيبقى معرضًا للانهيار".
وأضاف أن "المبادرة، حتى وإن وصلت إلى نهايتها المفترضة بحل الحزب وتسليم السلاح، لن تلغي جوهر القضية، التي تتعلق بحقوق ملايين الأكراد في تركيا".
وبينما تترقب أنقرة والمجتمع الدولي ما ستؤول إليه المرحلة المقبلة، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل يُبنى على هذه المبادرة مسار مصالحة حقيقي؟ أم أنها ستتحول إلى مجرد محطة رمزية في صراع لم يُحسم بعد؟
0 تعليق