تهدئة على نار التهجير.. غزة بين مطرقة ترامب وسندان الإعمار - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

ورغم المؤشرات الإيجابية التي حملتها زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة، إلا أن حقيقة الخلافات العميقة بين الأطراف، وصيغة الحلول المطروحة، تجعل المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بما فيها إعادة إنتاج واقع جديد في غزة، قد يُفهم على أنه نكبة متجددة تحت غطاء إنساني.

المفاوضات في الدوحة.. تفاؤل حذر وتضييق للفجوات

وصل الوفد الإسرائيلي إلى العاصمة القطرية في مهمة حساسة، هدفها بحث التوصل إلى تهدئة شاملة، وسط ما وصفته مصادر مطلعة بتضييق في الفجوات بين الطرفين.

ورغم عدم تفويض الوفد بصلاحيات تفاوضية كاملة، فإن إيفاده بحد ذاته يُعد مؤشرا على وجود نية سياسية لدى نتنياهو بعدم إغضاب الرئيس دونالد ترامب، لاسيما في ظل زيارته المرتقبة إلى واشنطن.

مصادر إسرائيلية أكدت أن المقترح الأميركي المعدل حظي بتجاوب نسبي من حركة حماس، التي قدمت تعديلات محدودة، أبرزها الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط 2 مارس. إلا أن إسرائيل، بحسب صحيفة "معاريف"، لا تزال ترفض التنازل عن مطالبها الأمنية، حتى وإن تسبب ذلك في تأخير إتمام الصفقة.

من جهة أخرى، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو تعهد لوزراء بارزين بعدم إنهاء الحرب إلا بعد ضمان نزع السلاح من غزة، وهو ما يُعد جوهر الخلاف مع حماس، ويعكس إصرارًا حكوميًا يمينيًا على إنهاء الحرب بشروط إسرائيلية خالصة.

ترامب ومشروع التهجير.. إعادة إحياء لسياسات قديمة

في تطور لافت، كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن ترامب لا يزال متمسكًا بخطة تهجير سكان غزة كمدخل لإعادة إعمار القطاع.

وذكرت أن ثلاث دول أبدت موافقة مبدئية على استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة، بينما تدرس ثلاث دول أخرى الأمر، في مؤشر على وجود تحركات موازية للدبلوماسية التقليدية.

فكرة التهجير، التي عادت للواجهة، أثارت ردود فعل فلسطينية غاضبة، إذ رأى فيها الكثيرون محاولة جديدة لإفراغ القطاع من سكانه الأصليين، وفرض وقائع ديمغرافية تتجاوز حتى حدود الصراع السياسي.

المنطقة الإنسانية جنوب غزة: حلا مؤقتا أم تكريس للوصاية؟

ضمن الرؤية الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب، يجري إعداد خطة لإقامة منطقة إنسانية جنوب القطاع، تمتد بين محوري موراج وفيلادلفيا، وتكون خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. الهدف المعلن، بحسب مصادر إعلامية، هو تجميع السكان وتقديم مساعدات إنسانية، بعيدًا عن سيطرة حماس.

لكن مراقبين يرون أن هذه الخطوة، رغم تسويقها على أنها إنسانية، قد تمهد لتكريس واقع سياسي جديد، من خلال إعادة تموضع السكان تحت إشراف عسكري مباشر، وخلق بيئة قابلة للتوجيه السياسي والأمني، تُقصي حركة حماس وتُعبد الطريق لترتيبات جديدة تشمل دورًا عربيًا مبدئيًا، وربما لاحقًا السلطة الفلسطينية.

إسرائيل أمام فرصة استراتيجية

وصف الباحث في معهد الأمن القومي يوحنان تسوريف الموقف الإسرائيلي بالتحول الاستراتيجي، معتبرًا أن الحكومة ترى أن الوقت بات مناسبا لإنهاء الحرب، بعد تحقيقها عدة أهداف عسكرية وسياسية، أبرزها تفكيك معظم منظومة المقاومة، والحصول على دعم أميركي غير مسبوق.

تسوريف أكد في مقابلة مع سكاي نيوز عربية أن حماس في وضع صعب، وقد قبلت بمرحلة تهدئة أولى لمدة 60 يومًا، تحت ضمانات أميركية - مصرية - قطرية.

كما أشار إلى أن إسرائيل تريد الحفاظ على حقها في العودة إلى العمليات العسكرية إذا فشلت المفاوضات اللاحقة، والتي ستُعنى بمستقبل غزة، ودور حماس فيها.

وأوضح تسوريف أن أي ذكر لحماس كقوة عسكرية داخل غزة لم يعد مقبولًا إسرائيليًا، وأن نتنياهو يحظى بدعم شعبي في هذا الموقف، خاصة في ظل الضغوط السياسية من اليمين المتطرف.

كما اعتبر أن أي تنازل للفلسطينيين قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف الحكومي، ما يجعل نتنياهو بحاجة إلى دعم ترامب لتبرير خطواته أمام اليمين.

مؤشرات خطيرة على نوايا التهجير

من جهته، حذّر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، الدكتور مخيمر أبو سعدة، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار من أن المقترح الإسرائيلي لا يهدف فقط إلى التهدئة، بل يُعد جزءًا من خطة أكبر لإعادة تموضع سكان غزة، وربما تهجيرهم لاحقًا.

وقال أبو سعدة إن إرسال الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة مؤشر إيجابي، لكنه أشار إلى أن الوفد لا يمتلك صلاحيات تفاوضية واسعة، مما يقلل من فرص تحقيق اختراق حقيقي.

كما لفت إلى أن أحد أبرز التعديلات التي طرحتها حماس هو الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 2 مارس، وهي نقطة حساسة قد تعرقل التفاهم.

وحذر أبو سعدة من تحويل المناطق الجنوبية إلى ما يُسمى بـ"المنطقة الإنسانية"، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة مدمرة بالكامل، ولا تصلح لإقامة مراكز إيواء. كما شكّك في قدرة الجيش الإسرائيلي على إدارة هذه المنطقة، خصوصًا مع التوتر الحاصل بين نتنياهو ورئيس الأركان حول دور الجيش في توزيع المساعدات.

التهجير.. سياسة بدأت منذ أكتوبر 2023

يرى أبو سعدة أن خطة التهجير ليست وليدة اللحظة، بل بدأت فعليًا منذ الأسبوع الأول من هجوم 7 أكتوبر، حين أُجبر السكان على مغادرة شمال غزة نحو الجنوب.

ويضيف أن تصريحات ترامب في فبراير حول التهجير أعادت إحياء الفكرة، مما أعطى دفعة لليمين الإسرائيلي لتبنيها بشكل علني.

وأشار إلى أن مئات الآلاف من الفلسطينيين لا يزالون في شمال غزة ويرفضون مغادرة مناطقهم، رغم التجويع والقصف.

كما لفت إلى أن بعض العائلات قد تضطر للانتقال إلى المنطقة الإنسانية تحت وطأة الحاجة، مما يعزز المخاوف من تحول هذه المناطق إلى مراكز عزل طويلة الأمد.

مخاطر المواجهة الداخلية

كشف أبو سعدة عن صدور بيان من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة يهدد من يتعاون مع إسرائيل في توزيع المساعدات.

واعتبر أن هذه المعطيات تنذر بمواجهات داخلية مستقبلية، سواء مع الجيش الإسرائيلي أو مع جهات فلسطينية قد تُتهم بالعمالة.

السيناريوهات المحتملة: ما بعد الستين يومًا؟

بحسب مجمل التصريحات والتحليلات، فإن المرحلة المقبلة من التفاوض ستتوقف على مدى الالتزام بتطبيق المرحلة الأولى من التهدئة. لكن الأهم يبقى مصير غزة بعد هذه المرحلة.

هل سيتمكن الفلسطينيون من استعادة حكمهم الذاتي عبر السلطة الفلسطينية؟ هل تُكرّس المنطقة الإنسانية كحل دائم؟ وهل تكون هذه بداية لصفقة أكبر تشمل تهجيرًا ممنهجًا؟.

تشير بعض الأوساط الإسرائيلية إلى أن عودة السلطة الفلسطينية تبقى خيارًا مطروحًا، ولكن بشرط تنفيذ إصلاحات داخلية كبيرة، وهو ما ربطه تسوريف بقدرة فتح على إعادة إنتاج نفسها ككيان سياسي قادر على الإدارة.

تهدئة مشروطة أم بداية واقع جديد؟

بين المساعي الأميركية - الإسرائيلية - القطرية - المصرية للتوصل إلى تهدئة، والتباينات بين المكونات الفلسطينية، تبقى غزة أمام مفترق طرق حاسم. أي تسوية لا تراعي الحقوق الفلسطينية الكاملة، وتستند إلى خطط إنسانية ظاهرية تخفي مشاريع تهجير أو إعادة هندسة ديمغرافية، لن تكون سوى وقودًا لتوترات قادمة.

إن التساؤل المحوري اليوم لم يعد فقط: "هل تتوقف الحرب؟"، بل أصبح: "أي سلام سيُفرض على غزة؟ وبأي ثمن إنساني وسياسي؟". وإلى حين بلورة الإجابات، يبقى المدنيون في غزة أسرى لحرب بلا نهاية واضحة، ولصفقات تتفاوض على مستقبلهم وهم خارج طاولة القرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق