هل تفقد "البيانات الأميركية" مصداقيتها؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

مشهد جديد يسلط الضوء على التداخل الحاد بين السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة، يتضح جلياً من خلال خطوة مثيرة للجدل اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بخصوص إقالة مفوض مكتب إحصاءات العمل وترشيح بديل له،  لتفتح الباب أمام نقاش واسع حول استقلالية المؤسسات الاقتصادية في البلاد.

جاء القرار في توقيت حساس يشهد ترقب الأسواق العالمية لبيانات حيوية يعتمد عليها صناع القرار والمستثمرون في تقييم مسار أكبر اقتصاد في العالم، ما جعل الأنظار تتجه نحو تداعياته المحتملة على الثقة بالبيانات الرسمية.

وبينما يرى بعض المحللين أن هذه التطورات قد تعكس محاولة لإعادة ضبط بوصلة المؤسسات المعنية بالإحصاءات الاقتصادية، يحذر آخرون من انعكاساتها العميقة على مصداقية الأرقام.

قلق

تثير إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس أو مفوض مكتب إحصاءات العمل بعد تقرير الوظائف السلبي هذا الشهر مخاوف المستثمرين من أنه كان يسيّس البيانات الاقتصادية الأكثر متابعة في العالم.

اختيار ترامب لقيادة مكتب إحصاءات العمل، إي جيه أنتوني، وهو من الموالين الشرسين والمشجعين للرسوم الجمركية والاستراتيجية الاقتصادية للرئيس، لم يفعل سوى تعميق القلق، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وينقل التقرير عن الزميل البارز في معهد أميركان إنتربرايز، ستان فيوغر، قوله:

"كان الأمل أن يختار (ترامب) شخصاً يحظى بثقة الناس، ويستطيع قيادة مكتب إحصاءات العمل بكفاءة، ويتمتع بخبرة ذات صلة، ويفضل ألا يكون حزبياً بشكل مفرط.. إي جيه أنتوني هو عكس ذلك تماماً". "حتى الأشخاص الذين قد يتعاطفون إلى حد ما مع آرائه في السياسة الاقتصادية لا يعتقدون بأنه مؤهل".

رشح ترامب أنتوني، الخبير الاقتصادي في مؤسسة هيريتيج اليمينية - وهي المؤسسة الفكرية التي تقف وراء مخطط مشروع 2025 لولاية ترامب الثانية - لوظيفة مكتب إحصاءات العمل يوم الاثنين.

ويأتي هذا الاختيار بعد أقل من أسبوعين من إقالة ترامب لإيريكا ماكينتارفر وزعمه، دون الاستشهاد بأي دليل، بأنها "زورت" تقرير الوظائف في يوليو الذي أظهر أن سوق العمل أضعف مما كان متوقعاً.

وقال ترامب إن أنتوني، الذي يتعين أن يوافق عليه مجلس الشيوخ الأميركي، سوف "يضمن أن تكون الأرقام التي سيتم نشرها صادقة ودقيقة".

لكن حتى خبراء الاقتصاد على اليمين السياسي يشكون في أن الرجل الذي يصفونه بأنه "مجرد أداة عديمة الخبرة في يد الرئيس" سوف يتمكن من تحقيق هذه المهمة، بحسب الصحيفة.

جيسيكا ريدل، وهي زميلة سابقة في مؤسسة هيريتيج تعمل الآن في معهد مانهاتن المحافظ، تقول: "الأمر المحزن هو أن هناك عددا لا يحصى من الاقتصاديين المحافظين الأكفاء والمحترمين -وخاصة في الجامعات- الذين يمكنهم القيام بعمل رائع في إدارة مكتب إحصاءات العمل.. "ولكن لن يقبل أي خبير اقتصادي موثوق وظيفة قد يتم طردك منها بسبب نشر بيانات دقيقة."

على الجانب الآخر، لا يشعر بعض خبراء الاقتصاد بالقلق بشأن ترشيح أنتوني، قائلين إنه سيكون من الصعب على أي رئيس لمكتب إحصاءات العمل بمفرده المساس بالبيانات.

ويقول الأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، ستيف هانكي، والذي عمل مستشاراً اقتصادياً لرونالد ريغان: "لدى مكتب إحصاءات العمل نموذجٌ لكيفية جمع البيانات والإبلاغ عنها. من يتولى القيادة لا يُعتد به.. إن فكرة إمكانية التلاعب بالبيانات بشكل صارخ هي في الواقع مجرد هراء".

مخاوف

يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro ميشال صليبي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

إن اختيار الرئيس ترامب لمفوض لمكتب إحصاءات العمل من شأنه إثارة القلق لعدة أسباب تتعلق بالاستقلالية والثقة في البيانات، وهو ما قد ينعكس على الأسواق بعدة جوانب. استقلالية المكتب وحياده أمر أساسي؛ فهو جهة فنية مستقلة ويُعد المصدر الرئيسي للبيانات الاقتصادية الهامة، مثل بيانات التضخم والبطالة والأجور وغيرها من المؤشرات القوية التي يعتمد عليها الاحتياطي الفيدرالي في قراراته، سواء على مستوى المستثمرين أو صناع القرار. التدخل السياسي في هذه التعيينات القيادية يثير مخاوف من محاولة توجيه أو تلطيف البيانات لخدمة أجندة سياسية. بطبيعة الحال طالما من يتولى هذا المنصب شخصية معروفة بقربها من قوى سياسية مؤثرة، فإن ذلك قد يعزز الشكوك حول مصداقية البيانات، ما يثير مخاوف وول ستريت والمستثمرين من أن الأرقام قد لا تعكس الواقع بدقة.

ويضيف: مثل هذه الشكوك قد تقلل من ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية بالبيانات الأميركية، وهو ما قد يؤثر مباشرة على الأسواق، خاصة أن تقارير الوظائف والتضخم تحرك الأسواق فورياً. وإذا شعر المستثمرون أن هذه البيانات قد تُجمّل أو تُؤخر لخدمة أهداف معينة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التذبذب نتيجة فقدان المرجعية الموثوقة، وربما اللجوء إلى بيانات بديلة من القطاع الخاص.

يدير مفوض مكتب إحصاءات العمل منظمةً تضم حوالي 2000 موظف، تُصدر تقريراً شهرياً عن الوظائف ومؤشر تضخم أسعار المستهلك. يُعدّ هذان التقريران من أهمّ البيانات للمستثمرين العالميين الذين يسعون إلى فهم وضع أكبر اقتصاد في العالم، ويُستخدمان في كل شيء، بدءاً من تحديد مدفوعات المعاشات التقاعدية الأميركية ووصولًا إلى سياسة الاحتياطي الفيدرالي. وغالباً ما أُسندت وظيفة مكتب إحصاءات العمل إلى مرشحين ذوي خبرة إحصائية، ما أكسبهم دعماً من الحزبين.

ووفق صليبي، تأتي حساسية التوقيت والمرحلة الحالية، حيث يجري هذا التعيين في ظل ضبابية بشأن أسعار الفائدة، ومع توجّه الرئيس ترامب نحو خفضها. هذا الوضع يزيد من قلق المستثمرين الذين يسعون للتحوط من التعرض للدولار الأميركي عبر أصول مالية بديلة، ما قد يدفع إلى مزيد من انعدام الثقة خلال هذه المرحلة الانتقالية للسياسة النقدية.

اقتراح مثير للجدل

ويقترح الخبير الاقتصادي الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب لقيادة مكتب إحصاءات العمل، إي جيه أنتوني، تعليق تقرير الوظائف الشهري الذي تصدره الوكالة والذي يحظى بمتابعة وثيقة، بحجة أن منهجيتها الأساسية ونمذجتها الاقتصادية وافتراضاتها الإحصائية معيبة بشكل أساسي، وفق فوكس بيزنس.

في مقابلة أجريت في الرابع من أغسطس- قبل الإعلان عن الترشيح يوم الاثنين- انتقد أنتوني البيانات وراء تقرير الوظائف الشهري ووصفها بأنها غير موثوقة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان، محذرا من أنها تضلل صناع القرار الاقتصادي الرئيسيين من واشنطن إلى وول ستريت.

ويضيف: "كيف يُفترض بالشركات أن تخطط - أو كيف يُفترض ببنك الاحتياطي الفيدرالي أن يُدير سياسته النقدية - في حين أنه لا يعلم عدد الوظائف التي تُضاف أو تُفقد في اقتصادنا؟ إنها مشكلة خطيرة يجب حلها فوراً".

ويستطرد: "حتى يتم تصحيح هذا الوضع، يتعين على مكتب إحصاءات العمل تعليق إصدار تقارير الوظائف الشهرية ولكن الاستمرار في نشر البيانات الفصلية الأكثر دقة"،، مضيفاً: "يعتمد كبار صناع القرار من وول ستريت إلى واشنطن العاصمة على هذه الأرقام، وانعدام الثقة في البيانات له عواقب بعيدة المدى".

صراع البيانات

يوضح المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الرئيس الأميركي أقال رئيسة مكتب إحصاءات العمل السابقة بعد بيانات الشهرين الماضيين، بما في ذلك البيانات المعدلة، وهو ما أظهر نتائج سلبية للغاية لقطاع التوظيف الأميركي، منبهاً إلى أن ترامب اعتبر ذلك تلاعباً بالبيانات لصالح الحزب الديمقراطي، ما يعطي إشارة للمستثمرين بأن الشخص الذي سيعيّنه ترامب لرئاسة المكتب سيكون شخصية مسيّسة.

ويضيف معطي أن رئيسة المكتب السابقة كانت تعمل ببيانات اقتصادية يصعب التلاعب بها، وإذا كان قد حدث تلاعب بالفعل، فيجب أن يكون هناك دليل واضح أو قضية مرفوعة. ويشير إلى أن الوصول لمرحلة التلاعب بالبيانات الاقتصادية الأميركية، في أكبر اقتصاد بالعالم، يثير تساؤلات عما يمكن أن يحدث في اقتصادات الدول النامية، واصفاً الأمر بأنه "غريب ومُعيب" خصوصاً أن ترامب اكتفى بالتصريح دون إجراءات قانونية.

ويؤكد أن السوق تتوقع أن المرشح الذي سيخلفها سيكون موالياً في سياساته لترامب، حتى وإن كانت البيانات التي سيصدرها صحيحة، فإن الأسواق ستنظر إليها بريبة لارتباطه بالرئيس. ويوضح أن هذا الوضع قد يقلل من اعتماد الأسواق على البيانات الاقتصادية الأميركية، وهو ما بدأ بالفعل، إذ لاحظ أن الأسواق لم تعد تتحرك وفق البيانات الرسمية، بل وفق تصريحات ومواقف ترامب.

ويشدد معطي على أن استمرار هذا النهج خلال السنوات الأربع المقبلة سيؤدي إلى تراجع الثقة في التحليلات الاقتصادية الأميركية، وتحول حركة الأسواق إلى التفاعل مع تصريحات الرئيس وأفعاله أكثر من البيانات الرسمية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق