غزة – "الجزيرة نت": عندما تتجول في أسواق قطاع غزة، هذه الأيام، لا تسمع أكثر من سؤال "هل لديك بيع على التطبيق؟" على ألسنة المتسوقين، في ظل أزمة سيولة نقدية حادة يعاني منها القطاع المحاصر منذ العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول من العام 2023.
يبحث غزيون أنهكهم الجوع عن منافذ للبيع تتيح الشراء باستخدام الدفع الإلكتروني من خلال التطبيق البنكي على أجهزة الهواتف المحمولة، لتجاوز أزمة السيولة النقدية، التي أغرت تجارا ليتقاضوا نسبا مبالغا فيها من أجل صرف النقد.
وبرزت هذه الأزمة مع الأسابيع الأولى للحرب بمنع الاحتلال إدخال السيولة النقدية للبنوك وأسواق القطاع، وأخذت منحى أشد خطورة، بما يمس تفاصيل الحياة اليومية لزهاء 2.3 مليون فلسطيني، إثر تشديد الاحتلال الحصار وإغلاق المعابر ومنع إدخال الإمدادات الإنسانية ومختلف أنواع السلع والبضائع في 2 آذار الماضي.
في سوق مستحدث بشارع النصر الرئيسي في مدينة غزة، وقف بائع فوق طاولة حديدية يروج لبيع عبوات من زيت الطبخ والأرز بالدفع عبر التطبيق البنكي.
كان البائع ينادي على المارة والمتجولين بالسوق "خلي (احتفظ) السيولة بجيبتك وتعال ادفع على التطبيق"، وهذه طريقة ترويجية ناجعة لجذب الزبائن في أسواق غزة هذه الفترة الراهنة، إذ إن السيولة النقدية شحيحة، والأسعار باهظة.
ويرفع تجار وباعة نسبة إضافية على أسعار السلع والبضائع التي يطرحونها للبيع عبر الدفع بالتطبيق البنكي تتراوح بين 10 إلى 30%، ورغم ذلك تلقى رواجا وإقبالا باعتبار هذه النسبة أقل من اللجوء لمن يسميهم الغزيون "تجار العمولة" للحصول على السيولة للشراء نقدا.
تقول النازحة الأربعينية أم أسامة يحيى، وهي تشكو من ارتفاع جنوني للأسعار في الأسواق ونسبة العمولة للحصول على السيولة النقدية، إنهم "يقاسموننا أموالنا وأرزاقنا".
وتضيف، "الشراء باستخدام التطبيق البنكي يخفف حاجتنا لتجار الدم والعمولة، لكنه لا ينهي معاناتنا تماما، بقدر خدمته للباعة والتجار برفعهم أسعار السلع والبضائع عند الدفع الإلكتروني".
وأم أسامة متزوجة من موظف حكومي يتقاضى راتبا شهريا 1500 شيكل (443.16 دولار)، ولديهما أسرة مكونة من 9 أفراد، ويتآكل هذا المبلغ للنصف عند سحبه من تجار السيولة، الذين شغلوا الفراغ الذي أحدثه غياب الجهاز المصرفي التقليدي.
وقال الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، إنها "حرب اقتصادية إلى جانب الحرب العسكرية"، ويضع ذلك في سياق مخطط الاحتلال للتهجير، الذي لا يمكن أن يتحقق في ظل استقرار اقتصادي، ولذلك يعمد الاحتلال إلى خلق أزمات كثيرة مركبة ومتداخلة، للتضييق اقتصاديا على السكان عبر مشكلات السيولة النقدية والتجويع، ومنع إدخال الإمدادات الإنسانية والبضائع.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإنه إضافة لفرضه قيودا مشددة على دخول السيولة النقدية إلى القطاع، يوظف الاحتلال عددا محدودا من التجار في غزة يعملون بأوامر مباشرة منه، لتحقيق مخططه، ويندرج في سياقه إخراج فئات من عملة الشيكل عن الخدمة، لتجفيف السيولة في الأسواق، وتدرجت الأزمة بإعدام الثقة بفئة الـ10 شواكل المعدنية، ورفض التداول بها، وقد اختفت تماما منذ بضعة شهور، وتقليص التعامل بفئة الـ20 شيكلا الورقية، وتقييد التداول بالفئات الورقية الأخرى المهترئة، ولا يتوفر لها بديل.
ويقدر أبو قمر أن ذلك تسبب في إخراج نحو 40% من السيولة النقدية المتوفرة في القطاع عن الخدمة، وهو ما وفر فرصة لتجار السيولة لرفع "نسبة العمولة" مقابل صرف رواتب الموظفين أو حوالات خارجية تأتي كمساعدات من أفراد أو هيئات.
ووصلت نسبة الحصول على السيولة لأكثر من 50% قبل أن تتراجع في الأيام الماضية لنحو 37%، إثر سماح الاحتلال بدخول مساعدات وبضائع، وإن كانت بكميات شحيحة، لتخفيف الضغوط الدولية التي أثارتها مشاهد المجاعة الحادة.
وقال أبو قمر، إن دخول مساعدات، وسماح الاحتلال لتجار غزة بدفع ثمن البضائع إلكترونيا، ساهما في رواج التعامل التجاري في الأسواق باستخدام التطبيق البنكي، وأديا إلى خفض الحاجة لتجار السيولة وبالتالي انخفاض نسبة العمولة.
قبل اندلاع الحرب كان الدفع الإلكتروني نادرا في غزة، لكنه، حسب أبو قمر، بات، اليوم، "خيارا إجباريا".
لكن ثمة معوقات وتحديات تعترض التوجه الأوسع نحو هذه الآلية، أبرزها
عدم وجود بنية تحتية مناسبة تتضمن التوعية والثقافة المالية، وهي محدودة للغاية، وعدم توفر الإنترنت والكهرباء في كثير من مناطق القطاع المدمرة، وعدم تناسب هذه الآلية مع خدمات حيوية مثل المواصلات.
دلال أبو عاصي (29 عاما) امرأة مطلقة تعيل طفلين، لا تمتلك حسابا مصرفيا، أو هاتفا حديثا، وتقول لـ"الجزيرة نت"، "بسبب ذلك حرمت من تلقي مساعدات مالية من متبرعين".
تعيش أبو عاصي النازحة مع طفليها المريضين حياة بائسة في خيمة، وقال أبو قمر، إن حالتها مشابهة لكثير من الأسر التي لا تتوفر لديها مقومات استخدام التطبيق البنكي، أو ربما ليس لديها أي مصدر دخل أساسا، إذ ارتفعت معدلات الفقر والبطالة لمعدلات قياسية جراء تداعيات الحرب والحصار.
ويتفق المختص بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية رامي الزايغ مع أبو قمر على أن الدفع الإلكتروني يعتبر أحد الحلول المهمة والعملية للتغلب على أزمة السيولة النقدية الشحيحة، وكذلك على أزمة مرتبطة بها متعلقة باهتراء العملة الورقية، ورفض الباعة والتجار التداول بها.
وقال الزايغ، إن تدمير الاحتلال فروع البنوك الموجودة في القطاع، وخروج فروع أخرى عن الخدمة بفعل الحصار، وعدم سماح الاحتلال بإدخال النقد تمثل مع أزمتي الكهرباء والإنترنت عقبات تحول دون انتشار أوسع لثقافة التعامل التجاري بالدفع من خلال التطبيق البنكي.
الدفع الإلكتروني يخفّض عمولة تجار السيولة في غزة - الكويت الاخباري

الدفع الإلكتروني يخفّض عمولة تجار السيولة في غزة - الكويت الاخباري
0 تعليق