عاجل

سباق الشحن.. كيف أشعلت رسوم ترامب فوضى الاقتصاد العالمي؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

دفعت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشركات من مختلف أنحاء العالم إلى الدخول في سباق محموم لنقل بضائعها إلى الولايات المتحدة، قبيل بدء سريان تلك الرسوم بشكل رسمي. وهو ما أحدث اختلالات لافتة في حركة التجارة العالمية، وشوّه البيانات الاقتصادية، وأربك موازين الميزان التجاري الأميركي.

وبحسب تقرير أعدّته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الشركات العالمية التي تبيع كل شيء من المشروبات إلى معدات الاتصالات، وصولاً إلى مستحضرات التجميل، سارعت خلال الربع الأول من عام 2025 إلى ملء الحاويات بالسلع وشحنها إلى أميركا قبل بداية شهر أبريل، موعد بدء تطبيق ما بات يُعرف برسوم "يوم التحرير"، وهو ما تسبب في قفزة ضخمة في الواردات الأميركية.

وانعكس تسابق الشركات العالمية للهروب من الرسوم الجمركية الأميركية فوراً على الأرقام، حيث أظهرت بيانات نُشرت الأربعاء الماضي أن واردات الولايات المتحدة قفزت بأكثر من 40 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول من 2025.

وكنتيجة مباشرة لذلك، اتسع العجز في الميزان التجاري الأميركي لناحية السلع إلى مستوى غير مسبوق، مسجلاً 162 مليار دولار في مارس، بحسب تقديرات أولية.

في المقابل، ساهمت الصادرات إلى الولايات المتحدة في نمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة كبيرة غير متوقعة بلغت 1.4 في المئة في الربع الأول من 2025، بينما توسّع اقتصاد تايوان بنسبة 9.7 في المئة على أساس سنوي.

موجة ثانية من الزحف التجاري

لكن تداعيات اندفاع الشركات العالمية لشحن بضائعها إلى الولايات المتحدة لن تتوقف بانتهاء الربع الأول من العام، فالقرار المفاجئ للرئيس الأميركي الصادر في 9 أبريل، والقاضي بتعليق الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوماً على جميع الشركاء التجاريين باستثناء الصين، فجّر موجة ثانية من سباق الشحن نحو الأسواق الأميركية، خصوصاً أن التعريفات الأميركية بعد انقضاء مهلة الـ90 يوماً قد تتجاوز 40 في المئة على الواردات الآسيوية، و20 في المئة على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي.

التراجع عن الرسوم فاقم الضرر

وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن المفارقة تكمن في أن الدينامية المتقلبة والمربكة التي خلقتها السياسات الجمركية الأميركية، تهدد بتحقيق عكس ما يسعى إليه الرئيس دونالد ترامب.

فبدلاً من تقليص العجز التجاري وتقوية القطاع الصناعي الأميركي، ساهمت طريقة فرض الرسوم ومن ثم التراجع عنها مؤقتاً، في تضخيم فجوة الميزان التجاري لأميركا.

وتشهد حالياً بعض شركات التصنيع الأوروبية والآسيوية طفرة مؤقتة في تلبية الطلب، فقد أظهرت استطلاعات الرأي للشركات الأوروبية التي أُجريت في أبريل تفاؤلاً مفاجئاً، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع إنتاج الصناعات التحويلية، حيث قفز مؤشر "ستاندرد آند بورز غلوبال" لإنتاج الصناعات التحويلية في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات، وفقاً لقراءة مبكرة.

وبحسب شركة "بانثيون ماكرو إيكونوميكس"، فقد سجل عدد شاحنات النقل على الطرق في ألمانيا ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأسابيع الأخيرة، في مؤشر يعكس تنامياً في النشاط الصناعي. وفي الوقت نفسه، وبسبب ضغط الطلب، واصلت تكلفة شحن الحاويات بحراً من مدينة "هو تشي منه" الفيتنامية إلى كاليفورنيا الأميركية ارتفاعها خلال أبريل، وهو اتجاه مشابه لما تشهده أسعار الشحن البحري من إندونيسيا وأوروبا إلى الولايات المتحدة، وفقاً لجوداه ليفين، رئيس قسم الأبحاث في شركة "فريتوس" المتخصصة في حجز الشحنات.

مرحلة ما بعد يوليو

ومن المؤكد أن حمى الشحن المسبق إلى أميركا ستتلاشى في الأشهر المقبلة، مع انتهاء فترة تعليق ترامب للتعريفات الجمركية في يوليو، إذ من المتوقع أن ينكمش حجم التجارة العالمية للسلع بنسبة 0.2 في المئة في عام 2025، بعد أن ارتفع بنسبة 2.9 في المئة عام 2024، وفقاً لمنظمة التجارة العالمية.

ويقول جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ING في نيويورك، إن هناك انتعاشاً على المدى القريب نظراً لزيادة الصادرات إلى أقصى حد، ولكن العالم قد يشهد انخفاضاً طفيفاً في نمو الصادرات في وقت لاحق من العام.

واردات الهروب تشوه البيانات

يقول المحلل الاقتصادي محمد أبو الحسن في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما نشهده اليوم من تسارع الشركات العالمية في شحن البضائع إلى الولايات المتحدة لتفادي الرسوم الجمركية، أو ما يُعرف بـ "واردات الهروب"، ليس مجرد ظاهرة ظرفية، بل يعكس واحدة من أخطر التشوهات التي يمكن أن تصيب البيئة التجارية العالمية، والمتمثلة بـ "اللا يقين السياسي المنقول إلى قرارات الشركات".

ويشير إلى أن فرض رسوم مفاجئة ثم تعليقها فجأة يؤدي إلى تغييرات حادة وغير طبيعية في تدفقات التجارة، ويؤثر بالتالي في مصداقية البيانات الاقتصادية التي تستند إليها الحكومات والبنوك المركزية في تخطيطها.

ويكشف أبو الحسن أن العالم شهد هذا السيناريو سابقاً بصيغ مختلفة، فمثلاً خلال الحرب التجارية الأولى بين واشنطن وبكين عام 2018، قفزت الواردات الأميركية من الصين بشكل غير معتاد في فترات قصيرة سبقت فرض الرسوم، لتنهار بعدها فجأة، مما جعل قراءة النمو الاقتصادي الأميركي ومعرفة اتجاهات الاستثمار الحقيقيين أمراً معقّداً للغاية.

وتتكرر هذه الظاهرة اليوم، ولكن بزخم أكبر، نظراً لحجم الرسوم الجمركية الأميركية التي تم أو سيتم فرضها على جميع دول العالم، وليس الصين فقط.

التضخم المستورد

بحسب أبو الحسن، فإن تسارع الواردات لا يخلق فقط اختلالاً في الميزان التجاري الأميركي، بل يساهم أيضاً في تغذية التضخم المستورد في البلاد.

فحين تكدّس الشركات الأميركية البضائع المستوردة تحسباً للرسوم، فإنها غالباً ما تدفع أسعاراً أعلى لشحنات عاجلة أو تخزين طويل الأمد، وهي الكلفة التي تنتقل لاحقاً إلى المستهلك النهائي. ويشير إلى أنه إذا نظرنا إلى بيانات أسعار المستهلك في أميركا خلال الربع الأول من 2025، نلاحظ بالفعل بداية ضغوط تضخمية في بعض السلع المعمّرة والمستوردة.

وشدّد أبو الحسن على أن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى توقعات مستقرة وقواعد واضحة أكثر من حاجته إلى حماية صناعية طارئة. فصحيح أن بعض الاقتصادات كتايوان أو ألمانيا استفادت مؤقتاً من طفرة الصادرات إلى أميركا، لكن هذه الفورة لا تبني اقتصاداً مستداماً. إذ أن المطلوب اليوم هو إطار تجاري طويل الأجل يعيد بناء الثقة، لا ردود فعل متقلبة تربك الجميع وتؤجل القرارات الاستثمارية الكبرى.

سلوك الاندفاع قبل التنفيذ

من جهتها، تقول المحللة والكاتبة رلى راشد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحدث حالياً يسلّط الضوء على واحدة من أكثر المفارقات تعقيداً في السياسة الجمركية، ففي حين تسعى أميركا لتقليص العجز من خلال فرض الرسوم، إلا أن العكس يحصل، وهذا ما يُعرف في الاقتصاد بسلوك "الاندفاع قبل التنفيذ"، حيث تتسابق الشركات إلى ملء السوق الأميركية بالبضائع قبل سريان الرسوم، ما يخلق فقاعة مؤقتة في الواردات، ويؤدي إلى تكدّس المخزون داخل أميركا، ما قد يُضعف الطلب الداخلي لاحقاً.

ماذا بعد الـ90 يوماً؟

وترى راشد أنه بعد انتهاء مهلة الـ90 يوماً التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعليق الرسوم الجمركية الجديدة، يُرجّح أن يشهد العالم تحولات اقتصادية متعددة الأوجه، تشمل تباطؤاً في الطلب على الواردات خلال النصف الثاني من 2025، وركوداً مؤقتاً في نشاط الشحن العالمي، خاصةً في آسيا وأوروبا، وضغطاً على شركات الخدمات اللوجستية الأميركية نتيجة انخفاض الطلب.

وتؤكد راشد أن الشركات العالمية باتت تتعامل مع السياسة الجمركية الأميركية كما تتعامل مع حالة طوارئ مستمرة، مشددةً على أنه إذا استمرت واشنطن في اعتماد الرسوم كأداة تفاوضية قصيرة الأجل، دون استراتيجية متكاملة للعرض والطلب وسلاسل التوريد، فإن نتائج هذه السياسات قد تكون مضادة لأهدافها، إذ أن الاقتصاد الأميركي بحاجة إلى سياسة تجارية أكثر ثباتاً، لا إلى سياسات تجارية تنقلب على نفسها وتؤدي إلى ارتفاع الواردات بهذه السرعة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق