عاجل

خطة "مراكب جدعون" تهدد بتصعيد التوتر بين مصر وإسرائيل - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في مشهد تتسارع فيه الخطى نحو مزيدٍ من التصعيد، تقف غزة على حافة كارثة إنسانية وسياسية، حيث أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طرح ما بات يُعرف إعلاميًا بـ"خطة التهجير"، تحت ذريعة "توفير الحماية للسكان"، بينما الحقيقة، وفق قراءات كثيرة، تشير إلى محاولة تفريغ القطاع من سكانه، وتكريس سياسة "الأرض المحروقة" التي تخلط الأوراق وتعيد صياغة التوازنات في المنطقة.

الخطة الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم "مراكب جدعون" تتضمن، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي، نقل المدنيين الفلسطينيين إلى مناطق محددة في جنوب القطاع، قرب الحدود مع مصر، مع إنشاء مراكز توزيع مساعدات تحت إشراف إسرائيلي مباشر.

وعلى الرغم من محاولة الحكومة الإسرائيلية تسويق الخطة كإجراء "إنساني"، فإن ما يتضمنه من حصر لمئات آلاف الفلسطينيين في مساحة ضيقة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، يُثير المخاوف من تنفيذ تهجير قسري على مراحل، ما يعيد شبح نكبة 1948 إلى الواجهة.

نتنياهو يلعب بالنار.. والمستهدف هو الأمن القومي المصري

رسم الخبير في الشؤون الإسرائيلية صبحي عسيلة خلال حديثه إلى برنامج الظهيرة على "سكاي نيوز عربية" ملامح ما وراء الخطة، معتبرا أن "التهجير" لم يكن يوما تكتيكا مرحليا، بل جوهر السياسة الإسرائيلية منذ بداية الحرب.

وأوضح عسيلة أن خطة نقل السكان جنوبًا ما هي إلا تمهيد لفرض وقائع جغرافية وديموغرافية جديدة على الأرض، مضيفًا: "نتنياهو يريد غزة دون فلسطينيين، غزة كأرض بلا بشر، يتصور أن هذا قد يسهل عليه استعادة الرهائن أو تدمير حماس. لكنه في الحقيقة يسعى لتصفية القضية الفلسطينية، متخفيًا خلف شعارات إنسانية زائفة".

ويذهب عسيلة إلى أبعد من ذلك حين يحذر من أن تنفيذ هذه الخطة يمثل "تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري"، مؤكدا أن "حشر الفلسطينيين عند تخوم رفح يعني خلق قنبلة ديمغرافية موقوتة على حدود مصر، وهو ما لن تقبله القاهرة بحال".

ويُذكّر بأن اتفاق السلام المصري الإسرائيلي لم يكن معزولا عن القضية الفلسطينية، بل نص صراحة على ضرورة تحقيق السلام الشامل في المنطقة، معتبرًا أن "العبث بهذه المعادلة الآن يضع اتفاق السلام نفسه على المحك".

عسيلة وصف تماهي إدارة ترامب مع توجهات نتنياهو بأنه "ضوء أخضر لارتكاب جريمة دولية"، مشيرًا إلى أن الحديث عن "الهجرة الطوعية" ما هو إلا قناع لتهجير قسري تحت النار والحصار.

وأضاف: "مصر، من موقعها التاريخي كوسيط، لا تزايد على أحد، لكنها ترفض وبشكل قاطع أن تكون شريكًا أو صامتًا في أي خطة تؤدي إلى ترحيل الفلسطينيين من أرضهم. هذه مسألة مبدأ، وليست ورقة تفاوضية".

إسرائيل لن تتسامح مع حماس.. ومصر قادرة على لعب دور حاسم

في المقابل، قدم الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي إلحنان ميلر قراءة مغايرة، وإن بدت أكثر واقعية من التوجهات الحكومية الإسرائيلية. ورغم انتقاده الضمني لخطاب نتنياهو، فإنه اعتبر أن المخاوف الإسرائيلية من بقاء حركة حماس على حدودها "مبررة"، لاسيما بعد هجمات السابع من أكتوبر، مشددًا على أن "الشارع الإسرائيلي لن يقبل بوجود سلطة مسلحة مثل حماس على بعد كيلومترات من مستوطناته".

ميلر أقر بصعوبة تنفيذ خطة تهجير جماعي، قائلا: "لا أعتقد أن نتنياهو، رغم كل أخطائه، يجهل استحالة نقل مليون فلسطيني إلى مصر. هذا ببساطة يُفجر اتفاق كامب ديفيد، ولن تقبل به إسرائيل أو مصر". لكنه في ذات الوقت دعا القاهرة إلى "ممارسة ضغط فعال على حماس"، معتبرًا أن استمرار وجودها كقوة مسيطرة يمنع أي مسار سياسي مستقبلي أو إعادة إعمار جادة للقطاع.

وأضاف ميلر أن "المعضلة الكبرى هي غياب شريك فلسطيني موحد"، موضحا أن السلطة الفلسطينية لم تُبدِ استعدادًا كافيًا لاستلام القطاع حتى بمساعدة عربية، بينما تصر حماس على التمسك بالسلاح.

من وجهة نظره، فإن أي تسوية تبدأ من "تجريد حماس من سلاحها"، داعيًا إلى دور مصري أكثر فعالية في هذا المسار.

ومع اعترافه بأن "التجويع خط أحمر"، شدد على ضرورة أن "يفهم العالم العربي أن إسرائيل، بعد ما حدث في 7 أكتوبر، لا يمكنها أن تتعايش مع الوضع الراهن في غزة". وعلى الرغم من تحفظه على التصعيد، أكد أن "التهديدات الإسرائيلية قد تكون جزءا من استراتيجية الضغط على حماس، لكنها تعكس أيضًا أزمة داخلية في إدارة الأزمة، بعدما رفع نتنياهو سقف الوعود إلى مستويات يستحيل تحقيقها دفعة واحدة".

وفي ضوء ما كشفه صبحي عسيلة من تحوّلات في الخطاب الإسرائيلي، وما أبرزه إلحنان ميلر من مراهنات على "حلول ممكنة" خارج الصندوق، تتبدى معالم أزمة مركّبة تتجاوز حدود غزة لتطال بنية التفكير السياسي الإسرائيلي نفسه.

فالمراهنة على استثمار الدم والحصار في صناعة واقع جديد اصطدمت بجدار صلب من الرفض الفلسطيني، والتحفظات الإقليمية، والدولية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق