غزة واليوم التالي.. بين مشاريع الهيمنة ومناورات إدارة ترامب - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

ما تتصاعد أصوات القصف في غزة، تسير خلف الكواليس مشاورات دولية لا تقل ضجيجا، تحاول أن ترسم ملامح ما يُعرف بـ"اليوم التالي" للحرب.

الحديث لم يعد يقتصر على العمليات العسكرية، بل تمددت النقاشات إلى طبيعة السيطرة الإسرائيلية المحتملة، ومقترحات أميركية لإدارة مؤقتة للقطاع تحت مظلة "إعادة الإعمار" و"الاستقرار".

لكنّ ما يبدو على السطح كمشروع تقني إغاثي، يخفي في طياته تحولات استراتيجية كبرى في مقاربة تل أبيب وواشنطن لملف غزة.

ما بعد الحرب مشروع تهجير وإلحاق

في تحليل مباشر حذر أمجد شهاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، خلال حديثه الى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية من أن ما يُطرح حول "إدارة اليوم التالي" ليس إلا إعادة تدوير لمشروع الهيمنة الإسرائيلية على غزة، لكن بصيغة أكثر قبولاً دوليًا.

ويرى شهاب أن إسرائيل تخطط لاستثمار الحرب لفرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال التلويح بخيارات مثل "الوصاية الدولية" أو "الإدارة العربية"، ولكن بهدف تفكيك بنية الحكم الفلسطيني وتحطيم إمكانية قيام دولة فلسطينية موحدة مستقبلا.

ويقول شهاب إن "الحديث عن إدارة أميركية أو دولية لغزة ما هو إلا ستار ناعم لتكريس التبعية الكاملة، ونزع أي سيادة فلسطينية ممكنة".

ويتوقف عند مسألة التهجير القسري التي طُرحت ضمنيًا في بعض الدوائر السياسية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن "تل أبيب تراهن على عامل الزمن، وتآكل الغضب الدولي، لتوسيع مشروع الترحيل نحو سيناء أو إعادة ترسيم التوزيع الديموغرافي في غزة".

الأخطر في قراءة شهاب، هو ربطه بين مشاورات اليوم التالي والتجارب التاريخية، وتحديدًا ما جرى في النكبة عام 1948، إذ يعتبر أن إسرائيل تعتمد على استراتيجيات قديمة بحلّة جديدة: تفكيك، تجويع، تهجير، ثم فرض الأمر الواقع.

لا بد من وجود حاكم عسكري في غزة

في الاتجاه المقابل، لا يُخفي المحاضر في أكاديمية الجليل الغربي، موشي العاد، نظرته الأمنية الصريحة إزاء غزة. حيث يدعو العاد إلى ضرورة استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع، مؤكدًا أن "الخروج الكامل من غزة بعد الحرب سيكون خطأ استراتيجيًا".

ويرى العاد أن "إسرائيل بحاجة إلى حاكم عسكري لضمان عدم عودة حماس أو أي تنظيم مسلح"، مشيرًا إلى أن تجارب الماضي أثبتت فشل الرهانات على الإدارة الفلسطينية أو حتى الحلول الإقليمية.

كما لا يتردد في القول إن "غزة تحتاج إلى إعادة تأهيل سياسي واجتماعي، على الطريقة التي جرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية"، في مقارنة تعكس النظرة الاستعلائية التي تتبناها بعض النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.

واشنطن تتلاعب بالمشهد.. وتراهن على الوقت

من جهتها، تُقدم هبة القدسي، مديرة مكتب صحيفة "الشرق الأوسط" في واشنطن، رؤية أكثر تعقيدًا وديناميكية للدور الأميركي، مؤكدة أن إدارة بايدن لا تمتلك استراتيجية واضحة بشأن غزة، لكنها تسعى لشراء الوقت وتخفيف الضغط السياسي عليها داخليًا وخارجيًا.

وتقول القدسي إن "البيت الأبيض يُجري بالفعل مشاورات مع إسرائيل بشأن خيارات اليوم التالي، من ضمنها نشر قوة متعددة الجنسيات أو تشكيل إدارة مدنية مؤقتة بغطاء دولي، لكنّ واشنطن لا تريد أن تكون في الواجهة، بل تبحث عن شركاء عرب يتولون المهمة".

وتشير إلى أن الهدف الأميركي ليس إنسانيًا أو تنمويًا بقدر ما هو محاولة لضبط المشهد وتقليل كلفة استمرار الحرب.

وأضافت: "أميركا تعود للملف الفلسطيني الآن عبر فكرة إدارة مؤقتة في غزة، لكنها تعلم جيدًا أنها تمشي في حقل ألغام... لا يمكن تجاهل حماس أو السلطة أو حتى المجتمع المدني في غزة"، قالت القدسي، معتبرة أن إدارة القطاع من الخارج دون شرعية محلية قد تخلق فجوة تؤسس لانفجار أكبر".

كما تشير إلى أن زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة قد تحمل محاولة لعرض "صفقة جديدة"، لا يبدو أنها ستنجو من الشكوك الفلسطينية أو حتى التردد الإسرائيلي، في ظل عدم وجود تصور دولي موحّد بشأن مستقبل غزة.

هل نحن أمام سيناريو وصاية جديدة أم تسوية على جثث السياسيين؟

الحديث عن اليوم التالي لحرب غزة، بعد 19 شهرًا من الحرب، ليس مجرد محاولة للتفكير في إعادة الإعمار أو إعادة الحياة، بل هو امتداد للصراع على من يحكم غزة، ومن يُقصى من معادلتها.

بين ضغوط إسرائيل لتكريس واقع أمني جديد، وتحركات واشنطن لقيادة مرحلة انتقالية بلا شريك فلسطيني واضح، يُعاد طرح السؤال الأكبر: هل يمكن فرض مستقبل سياسي على الفلسطينيين دون موافقتهم؟

أمجد شهاب حذر من أن سيناريوهات "نزع السلاح مقابل إدارة محايدة" لا تعني سوى تسليم القطاع على طبق من ذهب للاحتلال، فيما يرى موشي العاد أن أي حضور للفلسطينيين في معادلة اليوم التالي يجب أن يستثني حماس تمامًا، مهما كلف الأمر.

وفيما تتحدث القدسي عن "صفقة ناعمة" لإدارة الأزمة، لا يبدو أن غزة ستقبل بوصاية دون حماية حقيقية أو ضمانات سياسية دولية، لا سيما في ظل التجربة المريرة لاتفاقات سابقة تم التنصّل منها فورًا بعد توقيعها.

غزة ليست كيانًا قابلاً للإلحاق

يبدو أن غزة تُعامل كفراغ جغرافي يجب ملؤه، لا كجزء حي من مشروع وطني فلسطيني. وبين مشاورات واشنطن وتل أبيب، وتصريحات تطالب بعودة الحاكم العسكري، تبرز الحاجة إلى موقف عربي ودولي يعيد الاعتبار للحقوق الفلسطينية، لا لتقنيات "الإدارة" و"الوصاية".

اليوم التالي لغزة ليس سؤالًا عن من سيُنظّم الخدمات، بل عن من يملك الحق في رسم المستقبل. ومادامت إسرائيل تُصر على إملاء الشروط بالقوة، وواشنطن تمارس إدارة الأزمة بدلًا من حلّها، فإن الخطر الأكبر ليس في الخراب المادي، بل في تحويل القطاع إلى نموذج للاحتلال الحديث المغلّف بالشرعية الشكلية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق