قفزت الليرة السورية بشكل مفاجئ مقابل الدولار في السوق الموازية، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وُصفت بالتاريخية. وشهدت مدن سورية عدة احتفالات شعبية بعد القرار، وسط آمال بمرحلة اقتصادية جديدة.
وخطفت العملة السورية الأضواء، فقد ارتفعت بنحو 21.7 بالمئة، ليجري تداولها عند 8300 ليرة للشراء و8700 للبيع، بعدما بلغت في وقت سابق من يوم الاثنين 10600 ليرة للشراء 10700 ليرة للبيع. بحسب منصات محلية تتابع تحركات السوق.
وكان ترامب قد أكد في كلمته خلال منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي أن الهدف من القرار هو "منح الشعب السوري فرصة جديدة"، مشيرًا إلى أن التنسيق مع القيادة السعودية كان حاسمًا في الوصول إلى هذه الخطوة.
واعتبر وزير المالية السوري يسر برنية أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الثلاثاء رفع العقوبات عن سوريا، وتطبيع العلاقات معها، خطوة بالغة الأهمية لتعيد سوريا بناء نفسها كدولة فاعلة في استقرار المنطقة وتنميتها.
وقال وزير المالية في تصريح لوكالة الأنباء السورية "سانا" أن " قرار رفع العقوبات سيساعد سوريا في بناء مؤسساتها، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب وسيخلق فرصاً كبيرة لجذب الاستثمار وإعادة الثقة بمستقبل سوريا".
انطلقت في عموم المدن السورية احتفالات بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا اليوم الثلاثاء.
انتعاش الاقتصاد
ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى تحوّل جذري في الاقتصاد السوري، من خلال فتح الأسواق أمام السلع الأساسية، وتسهيل دخول المواد الغذائية والدوائية.
هذا القرار من المتوقع أن ينعش الإنتاج المحلي وتعزيز الاكتفاء الذاتي السوري، رغم التحديات المستمرة التي تواجه الاقتصاد السوري.
تأثير الدومينو
كما قد تؤدي الخطوة الأميركية إلى "تأثير الدومينو"، حيث قد تتبعها خطوات مماثلة من دول أوروبية وجهات دولية أخرى، مما يخلق مناخا مشجعا للاستثمار.
حيث أن وجود بيئة استثمارية مستقرة يعد عاملا أساسيا لعودة المستثمرين المحليين والدوليين إلى السوق السورية.
فرص إعادة الإعمار
رفع العقوبات قد تعيد الزخم إلى مشاريع إعادة الإعمار، لا سيما في البنية التحتية المتضررة مثل المدارس والمستشفيات والطرق.
قد نرى مدخلا لإطلاق مشاريع واسعة في قطاعات الطاقة والسياحة والزراعة، ويضع الأساس لبناء اقتصاد جديد بعد سنوات من الدمار.
مرونة وسط العقوبات... وتطلعات لما بعد رفعها
في سياق الحديث عن تداعيات القرار الجديد، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مازن ديروان، المستشار الأول لوزير الاقتصاد والصناعة السوري، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن رفع العقوبات "يشكل فرصة كبيرة لتوسيع نطاق المشاريع الاستثمارية، لا سيما الكبرى منها، التي كانت الأكثر تضرراً من القيود الأميركية خلال السنوات الماضية".
وأوضح الدكتور ديروان أن العقوبات "كانت تؤثر بشكل كبير على التحويلات المالية والمشاريع الضخمة الضرورية لإعادة الإعمار، لكنها لم توقف عجلة الاقتصاد السوري بشكل كامل، ولا سيما في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة".
وأكد الدكتور ديروان أن ما يقارب 90 بالمئة من الاقتصاد السوري يعتمد على هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي أثبتت مرونتها وقدرتها على التكيف في أحلك الظروف، حيث استطاع أصحابها خلال السنوات الماضية تأمين المواد الأولية والآلات اللازمة للإنتاج، رغم القيود المفروضة.
وشدد على أن الرغبة في العمل والتطوير كانت ولا تزال أقوى من كل التحديات، وأن العقوبات – رغم إزعاجها وتأثيرها في بعض الأحيان على تدفق المدفوعات – لم تُثنِ من يملك الإرادة عن مواصلة العمل.
وأشار إلى أن رفع العقوبات، من شأنه أن يسهم في تسهيل عمليات إعادة الإعمار وتوسيع نطاق المشاريع الاستثمارية الكبرى، لكنه ليس وحده كافياً لنهضة شاملة ما لم يترافق مع إصلاحات داخلية.
وختم ديروان تصريحه قائلاً: "عندما تكون في القاع، أي طريق هو نحو الأعلى. لكن المهم أن نمتلك الشجاعة والإرادة للقفز إلى الأعلى بأقصى سرعة وأكبر قوة ممكنة. الأهم من كل ذلك هو أن يشعر المواطن والمستثمر بالحرية والطمأنينة على حياته وماله، لأن ذلك هو أساس أي نهوض اقتصادي حقيقي".
سوريا بعد العقوبات.. فرص استثمار هائلة
بدوره، قال المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن رفع العقوبات الاقتصادية، ولا سيما عن المصرف المركزي السوري، يمثّل تحولاً جذرياً في المشهد الاقتصادي، إذ يعني انضمام سوريا مجدداً إلى منظومة التحويلات المالية العالمية (سويفت)، ما يتيح للشركات العالمية إمكانية فتح حسابات مصرفية داخل سوريا وتحويل الأموال إليها، ومن ثم الانطلاق بورش عمل ضخمة في مختلف القطاعات، من العقارات والصناعة إلى السياحة والطب والزراعة والتكنولوجيا والتعليم".
وأوضح القاضي أن هذه الخطوة تمهّد لخلق فرص عمل واسعة للسوريين، وتسهّل تدفق الأموال دون المخاطرة أو التردد من قبل المستثمرين الدوليين، الذين طالما تجنّبوا السوق السورية بسبب العقوبات الأميركية الصارمة. وأضاف: "هذا التطور يعني خروج سوريا من السجن الاقتصادي الذي ظلت مأسورة فيه لعقود، منذ تصنيفها كدولة راعية للإرهاب عام 1979، ثم صدور قانون محاسبة سوريا عام 2004، وتوالي العقوبات الغربية، بما فيها قانون الكبتاغون، الذي ألحق أضراراً بالغة بسمعة البلاد وأعاق تدفق الاستثمارات".
وأكد الدكتور القاضي أن زوال العقوبات يفتح الباب أمام انطلاقة اقتصادية حقيقية، ويمنح البلاد فرصة جديدة لتأسيس شراكات دولية وبناء اقتصاد حديث.
كما أشار إلى أن دخول شركات التطوير العقاري الكبرى سيسهم في عودة السوريين إلى بيوتهم ومحافظاتهم، مع ما يرافق ذلك من فرص عمل واسعة في مختلف التخصصات، وارتفاع الطلب على مواد البناء والعمالة المهنية، وتنشيط الأسواق وقطاع النقل.
وختم المستشار الاقتصادي القاضي بأن سوريا ستكون خلال الأعوام العشرة المقبلة ورشة عمل عملاقة، تمضي بثبات نحو التعافي، وتلتحق بركب الدول الناهضة، لتأخذ مكانها من جديد ضمن منظومة العولمة الاقتصادية العالمية.
0 تعليق