عاجل

ما الذي ينتظر الاقتصاد السوري بعد رفع العقوبات؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

شكّل إعلانٌ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض الثلاثاء، برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، تطوراً دراماتيكياً لافتاً أشعل حالة من الترقب في الأوساط السياسية والاقتصادية على حد سواء.

وليس خافيًا على أحد العبء الثقيل الذي رزحت تحته سوريا جراء ما يقارب 2879 عقوبة اقتصادية متنوعة شملت قطاعات حيوية كالقطاع التجاري والنفطي، بالإضافة إلى تجميد الأصول المالية وفرض قيود مشددة على حركة السفر، ما أفضى في نهاية المطاف إلى عزل سوريا بشكل شبه كامل عن النظام المالي العالمي.

تأتي خطوة رفع العقوبات والقيود، لتمثل منعطفاً حاسماً في مسيرة البلاد نحو التعافي، وفتح الأسواق السورية أمام تدفق السلع والبضائع الأساسية التي تفتقر إليها البلاد بشدة، بالإضافة إلى تسهيل حصول سوريا على الموارد والتمويل اللازم لعمليات إعادة الإعمار والتنمية.

تُقدر خسائر الاقتصاد السوري منذ 2011 بأكثر من 530 مليار دولار بتأثير مباشر للعقوبات الاقتصادية، خصوصاً العقوبات الأميركية (لا سيما قانون قيصر). تراجع إنتاج النفط بنسبة 90 بالمئة.. فقبل العقوبات، كانت سوريا تنتج أكثر من 380 ألف برميل يوميًا، أما اليوم، فالإنتاج لا يتجاوز 20-30 ألف برميل يومياً. انهيار الليرة السورية والتضخم الجنوني.. فبسبب العقوبات وصلت العملة في السوق السوداء لأكثر من 15,000 ليرة مقابل الدولار في بعض الفترات، ورافقها معدل تضخم تجاوز 130بالمئة. أغلقت آلاف المصانع والورشات، بسبب صعوبة استيراد المواد الأولية والتكنولوجيا تحت وطأة العقوبات. وبحسب غرفة صناعة دمشق، أكثر من 70 بالمئة من المصانع الصغيرة والمتوسطة توقفت عن الإنتاج. قانون "قيصر" تسبب بقطع إمدادات أساسية مثل الوقود والأدوية وحتى مواد البناء، ما أدى إلى انهيار البنية التحتية الصحية والخدمية، وارتفاع أسعار الأدوية بنسبة تفوق 300 بالمئة في بعض المناطق.

فرص أمام سوريا

وللحديث عن التطور المحوري بشأن رفع العقوبات والقيود المفروضة على سوريا تحدث مستشار الاقتصاد السياسي من أوتاوا في كندا الدكتور أسامة القاضي، وأستاذ الدراسات الدولية من دمشق الدكتور شاهر الشاهر، لبرنامج "بزنس مع لبنى" على شاشة سكاي نيوز عربية.

بدأ النقاش بتعليق من الضيفين على قرار رفع العقوبات، وما إذا كان متوقعاً بهذه السرعة، رغم أن تفاصيله لا تزال غير واضحة تماماً، ليوضح القاضي أن سوريا خرجت من "الغيبوبة الاقتصادية" التي وضعها نظام الأسد على مدى أربعة عقود.. ويؤكد على أن الجميع، وليس السوريين فقط، متأثرون بعودة سوريا إلى الحضن العربي والمجتمع الدولي ورفع العقوبات التي كانت "ظالمة" بحق الشعب السوري.

وشدد على أهمية جذب الشركات العالمية مثل "توتال" و "شل"، لإعادة تأهيل قطاع الطاقة السوري المدمّر، وأشار إلى أن بعض الشركات الأميركية بدأت تضغط للعودة إلى السوق السورية.

الشعب السوري استعاد حقه

بينما اعتبر الدكتور شاهر الشاهر، أن رفع العقوبات هو حق استعاده الشعب السوري، حيث فُرضت هذه العقوبات "ظلماً" ولم يكن هناك أي مبرر لاستمرارها طالما أنها استهدفت النظام السابق كما تدعي العقوبات الأميركية. وشدد على أن الشعب السوري دفع ثمناً باهظاً لهذه العقوبات، لكنه يرى أن المفيد اليوم هو أن هذه العقوبات وحدت الشعب السوري الذي أدرك أنها تستهدفه وليس أي نظام سياسي.

وبشأن الجانب التقني لعملية رفع العقوبات، أجاب القاضي بالاستناد إلى التجارب السابقة في عهد الرئيس ترامب، مؤكداً أن الإرادة السياسية تسبق القوانين والتشريعات بكثير. ويستشهد بقرارات سابقة اتخذها ترامب بإقالة مسؤولين وإغلاق وزارات بتوقيعات تنفيذية. ويُضيف أن ترامب يتمتع بدعم كبير من الكونغرس ومجلس الشيوخ، خاصة مع الأغلبية التي يتمتع بها حزبه. وهذا يُفنّد الاعتقاد بأن إلغاء العقوبات يتطلب إجراءات قانونية طويلة، فالقرار السياسي للرئيس ترامب هو الفيصل في هذا الأمر. والإرادة السياسية للرئيس ترامب تتجاوز كل الإجراءات الروتينية.

المشاريع التنموية

وحول ما إذا كانت هناك مطالب محددة من ترامب لدى الرئيس السوري أحمد الشرع أفضت إلى هذه النتيجة، يجيب الدكتور شاهر الشاهر بالإشارة إلى أن الرئيس ترامب يتميز بالقوة، وهي سمة إيجابية ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة.

ويرى أن التعامل الإيجابي مع هذه الإدارة قد يكون مفيداً. إذ يرغب ترامب في استعادة مكانة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر سوريا لاعباً أساسياً. يُشير إلى وجود مشاريع تنموية في المنطقة تتطلب استقرار سوريا.

ويستطرد: سوريا لديها مطالب كثيرة، فهي بلد مدمر يحتاج إلى شرعية سياسية ودعم اقتصادي. وقد نجحت دمشق في بناء الثقة مع الأشقاء العرب والشركاء الإقليميين، وهو ما ساعدها في بناء الثقة مع المجتمع الدولي، بدليل زيارة الرئيس الشرع إلى فرنسا ولقائه بالرئيس الأميركي أخيراً كأحداث تاريخية تشير إلى تحول في توجهات سوريا نحو موازنة مصالحها مع مختلف الأطراف الدولية.

على أرض الواقع.. ما الذي يعنيه رفع العقوبات عن سوريا؟ يجيب الدكتور أسامة القاضي بأن الإجراء العاجل المطلوب هو إعادة سوريا إلى منظومة "سويفت" للتحويلات المالية العالمية، وهو ما سيتم بالإرادة السياسية الأميركية والعربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وهذا سيتيح لسوريا العودة إلى التحويلات المالية وبدء عمل الشركات العالمية والسورية والعربية، ما سينعكس إيجاباً على فرص العمل ومستوى المعيشة.

ويشير إلى أن:

الانعكاس الحالي هو نفسي على الأسواق، وهو ما تجسد في ارتفاع قيمة الليرة السورية بشكل مؤقت بنسبة 28 بالمئة أمام الدولار في السوق السوداء، مسجّلة 8100 ل.س مقابل الدولار، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهذا الارتفاع سيعود إلى وضعه الطبيعي قريباً. التأثير الحقيقي سيظهر مع دخول الاستثمارات خاصة مع وجود الإرادة السياسية. لقاء الرئيس الأميركي بالرئيس الشرع يمثل نهاية لمرحلة العقوبات المفروضة منذ عقود على نظام الأسدين والتي أعاقت التنمية الاقتصادية لسوريا المتهمة برعاية الإرهاب.

الطريق إلى التعافي... طويل

ويجمع الضيفان على أن رفع العقوبات لا يعني نهاية الأزمات، بل بداية طريق معقّد يتطلب إصلاحات تشريعية، استقرار أمني، وشفافية اقتصادية. ويشير الدكتور شاهر إلى التحديات المرتبطة بسعر الصرف، حيث الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي والموازي تشكّل عائقاً أمام جذب الاستثمارات. وأكد الحاجة إلى تشريعات واضحة لحماية المستثمرين، وتطوير البنية التحتية القانونية والمؤسساتية.

في حين  يؤكد الدكتور القاضي على ضرورة طباعة فئة جديدة من العملة (5000 ل.س) لتوفير السيولة، خصوصاً في ظل عودة المغتربين وتزايد الطلب على الليرة.

تأهيل الكوادر

وحول وصول فريق فني من صندوق النقد الدولي إلى دمشق، في زيارة غير مسبوقة تهدف إلى تأهيل الكوادر المصرفية السورية، ووضع أساس قانوني جديد للقطاع المالي. هذه الخطوة يُنظر إليها كإشارة دولية إلى انفتاح حذر على سوريا ما بعد العقوبات.. وهل تمتلك الحكومة السورية الأدوات لاستثمار هذه الفرصة؟ يشدد الدكتور أسامة القاضي على أن لا اقتصاد بلا سياسة، موضحاً أن فهم الاقتصاد السياسي ضروري لإدارة المرحلة المقبل. وأشار إلى أهمية خلق مصالح مشتركة مع دول العالم دون التفريط في الإرادة الشعبية، ضارباً مثالاً على نجاح دول الخليج في تحقيق هذه المعادلة.

الاستقرار الأمني وجذب الاستثمارات

وبشأن التحديات الأمنية في سوريا، يصحح الدكتور أسامة القاضي مقولة "رأس المال جبان" قائلاً إن "رأس المال حكيم" وليس جباناً، موضحاً أن الاستقرار الأمني هو مطلب أساسي بالتأكيد لجذب الاستثمارات إلى سوريا. ويُشير إلى أن كل التحركات في المناطق الهشة في سوريا لها من يحركها في الخارج. وأن الدول العالمية تتدخل في مصائر الشعوب. والآن طالما أن العالم متفق على وحدة واستقرار سوريا، فإن الأمور ستتجه نحو الأفضل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق