الكويت الاخباري

الملف النووي الإيراني.. توافق غائب وشروط لا تلين - الكويت الاخباري

تعود عجلة المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران إلى الدوران مجددا، لكن على إيقاع أكثر اضطراب وتشكيك، فبينما تقترب إيران من تقديم ردها على المقترح الأميركي الأخير، ترتفع نبرة التصعيد، ويزداد التباعد في الرؤى والنيات.

في هذا السياق، يتقاطع التصعيد الأميركي مع تصلب المواقف الأوروبية، بينما تتمترس طهران خلف خطوطها الحمراء وحقها في التخصيب، لتتجلى صورة مفاوضات غير مباشرة عنوانها الأكبر: خلافاتنا عميقة.. والتوافق أبعد ما يكون.

يشير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون إدموند غريب خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" إلى أن الكثير من الأسئلة لا تزال دون إجابات حاسم حول طبيعة الاقتراح الأميركي والموقف الإيراني تجاهه.

ويعتبر أن الجولة الأخيرة من المفاوضات كشفت عن تعثر واضح نتيجة استمرار الانقسام في قضايا رئيسية، أبرزها تخصيب اليورانيوم وتخفيف العقوبات.

ويشرح غريب أن إيران ترفض التخلي عن برنامجها النووي، وتعتبر التخصيب مسألة سيادة وطنية، بينما تصر واشنطن على الحد من هذا النشاط، في تناقض جذري يعكس صعوبة التفاهم..

ويلفت إلى أن الإيرانيين لا يرون في المقترح الأميركي ضمان كاف لرفع العقوبات على المدى البعيد، مشير إلى تجارب طهران السابقة مع واشنطن والتي كرست انعدام الثقة بين الجانبين.

ولعل ما يثير القلق، بحسب غريب، هو أن الكونغرس الأميركي، خاصة الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين، يعارضون بشدة أي مرونة تجاه إيران، مما يضع إدارة ترامب في مأزق داخلي قد يعيق فرص التوصل إلى اتفاق.

ويضيف: إسرائيل لا تزال تضغط من أجل تشديد الموقف الأميركي، وقد حاول نتنياهو مرار دفع واشنطن نحو الخيار العسكري، رغم معرفته بعدم قدرة تل أبيب على شن حرب منفردة.

إقالات داخل الإدارة الأميركية.. مؤشر لتغير التوازنات؟

ينبه غريب إلى تغيرات لافتة داخل فريق السياسة الخارجية في إدارة ترامب، قائلا: الصقور يتم إقصاؤهم تدريج، من إريك تريغر إلى مورغان أورتاغوس، وهي أسماء كانت تمثل الصوت الأكثر تشدد تجاه إيران. هذا التحول قد يفسر بمحاولة الإدارة الأميركية التوازن بين الضغط الداخلي والبحث عن مخرج تفاوضي، خاصة في ظل تقارير تفيد بإمكانية تحقيق فوائد اقتصادية كبرى في حال الاتفاق مع إيران، تصل إلى 25 مليار دولار من الاستثمارات الإيرانية المحتملة في السوق الأميركية.

واشنطن تسعى لأمن إسرائيل لا لتوافق نووي

من جانبه، يتخذ مدير دراسات شؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا في الخارجية الإيرانية مجتبى فردوسي موقف أكثر تشدد في وصف المفاوضات، معتبر أن السلوك الأميركي لا يدل على توجه نحو التوافق، بل نحو المواجهة.

ويقول: فرض العقوبات في كل مرحلة من المباحثات هو مؤشر على أن واشنطن اختارت طريق التصعيد لا التفاهم. ويضيف: المباحثات غير المباشرة تدار وفق حسابات تتعلق بأمن إسرائيل، وليس بتسوية نووية مع إيران.

وفي تقييمه للبيئة التفاوضية، يعتبر فردوسي أن وجود اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة لا يزال يشكل عائق كبير أمام أي توافق حقيقي، ويضيف أن هذا اللوبي يدفع بالمفاوض الأميركي نحو خيار الضغط الأقصى بدل من التفاهم المشترك.

الموقف الإيراني.. تمترس خلف خطوط حمراء ثابتة

يوضح فردوسي أن القيادة الإيرانية، وفي طليعتها المرشد الأعلى، وضعت خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، تشمل الإبقاء على حق التخصيب وعدم القبول بتفكيك البرنامج النووي.

ويتابع: "التوافق المشترك لا يمكن أن يقوم على أساس غير متعادل... إيران ليست في موقع ضعف، وتطالب بتوازن حقيقي في الطرح الأميركي".

ويؤكد أن إيران تدير مفاوضاتها من منطلق الندية لا الخضوع، مشير إلى أن طهران لا تعاني من انقسامات داخلية بشأن النووي، على عكس ما يشاع.

أوروبا على الخط.. دعم أميركي للتصلب الأوروبي

يكشف غريب خلال حديثه أن الولايات المتحدة تشجع بعض القوى الأوروبية على تبني مواقف أكثر تشدد تجاه طهران، في إطار استراتيجية مشتركة للضغط.

ويشرح أن الترويكا الأوروبية دفعت باتجاه صدور قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعتبر إيران غير ملتزمة بتعهداتها، مما يعكس اصطفاف دولي ضد طهران في المرحلة الحالية.

وفي الوقت ذاته، لا يخفي غريب وجود تيار أوروبي يسعى للحل، مؤمن بأن العودة إلى اتفاق مشابه لـ5+1 قد يجنب الجميع حرب كارثية.

إلى أين تتجه المفاوضات؟

المشهد العام يظهر بوضوح أن مسار التفاوض بين إيران والولايات المتحدة محفوف بالتعقيد والتناقضات. فبينما تسعى واشنطن لفرض توافق يشبه الإملاء، تتمسك طهران بمواقف تعتبرها سيادية وغير قابلة للتفاوض.

أما أوروبا، فتتأرجح بين دور الوسيط ودور الشريك في الضغط، لكن، وسط كل هذا التصعيد، لم تغلق أبواب التفاوض بالكامل. إذ لا تزال هناك أصوات داخل الإدارتين، الأميركية والإيرانية، ترى في التفاهم المشترك السبيل الوحيد لتفادي حرب شاملة قد تطال المنطقة بأسرها، غير أن السؤال الأهم يبقى: هل تملك هذه الأصوات ما يكفي من النفوذ لفرض منطق العقل؟

أم أن المشهد يتجه نحو مواجهة يكون فيها الخيار العسكري هو الورقة الأخيرة على الطاولة؟

أخبار متعلقة :