تحول دراماتيكي وغير متوقع شهدته أسواق المال العالمية؛ مع نجاح الروبل الروسي في أن يقلب الطاولة على توقعات المحللين والأسواق العالمية، ويتربع على عرش الأصول الأفضل أداءً منذ بداية هذا العام الجاري 2025.
هذه المفاجأة المدوية لم تستثنِ العملات الرئيسية كالدولار واليورو، بل امتدت لتشمل ملاذات آمنة تقليدية، ليصدم الجميع بصعوده الصاروخي في وجه العقوبات الغربية الشديدة ويصبح عن جدارة "نجم الأسواق"!.
المفارقة أن عملة دولة رزحت تحت وطأة ما يقارب 19 ألف عقوبة اقتصادية فرضتها عليها قوى عظمى كأميركا وأوروبا وكندا وأستراليا، والتي طالت كافة قطاعات اقتصادها وتضمنت تجميد أصول روسية تقدر بنحو 300 مليار دولار، نجحت في كسر الطوق وتمكنت ليس فقط من الصمود، بل والتفوق على عملات واقتصادات الدول التي فرضت تلك العقوبات؟
الأرقام تتحدث بوضوح لا يقبل التشكيك؛ ومن أبرز ما يلفت الانتباه في هذا الإطار:
ارتفع الروبل أمام الدولار بنسبة مذهلة بلغت 34 بالمئة منذ بداية العام.. هذا الصعود القوي يأتي في ظل تراجع ملحوظ للدولار الأميركي. معدلات الفائدة المرتفعة التي يتبناها البنك المركزي الروسي والتي تصل إلى 21 بالمئة، مما يجعل الروبل جذاباً للمستثمرين الباحثين عن عوائد مجدية. اتباع سياسات صارمة للحد من الواردات وتعزيز استخدام العملة المحلية.. فبرغم استمرار العقوبات الغربية منذ عام 2022، حافظ الاقتصاد الروسي على استقرار عملته من خلال هذه السياسات النقدية المتشددة وإلزام المصدرين ببيع جزء من عائداتهم بالعملات الأجنبية. وقد جذبت هذه العوائد المرتفعة المستثمرين عبر "تجارة الفائدة". في المقابل، تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر، متأثراً بتقلبات السياسات الأميركية وتراجع ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية وسندات الخزانة. كما أسهمت إشارات التقارب بين موسكو وواشنطن في زيادة الثقة في الأصول الروسية وجذب رؤوس الأموال نحو الروبل رغم العقوبات.إلى جانب ذلك، يلوح في الأفق تفاؤل حذر بإمكانية رفع بعض العقوبات عن الاقتصاد الروسي، خاصة مع التقارب المحتمل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا الاحتمال يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتأثير ذلك على المشهد العالمي برمته.
سيناريو رفع العقوبات.. ماذا سيحدث؟
عن هذا التساؤل المحوري، تحدثت الدكتورة علا شحود، أستاذة العلاقات الدولية في معهد الاستشراق في موسكو، مع برنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، والتي تقول إن التقدم الذي حققه الروبل كان مفاجئًا للجميع، خاصة بعد أن تجاوز سعر الدولار الواحد عتبة الـ 100 روبل في بداية العام، ليقف اليوم عند مستوى يتراوح بين 81 و 82 روبل حالياً.
سياسياً، تشير إلى أن الرئيس ترامب قد يتمكن من تحسين الوضع والعلاقات الاقتصادية وإزاحة بعض العقوبات عن روسيا، لكنه لن يستطيع فعل ذلك بشكل كامل؛ فـ "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، على حد تعبيرها، تمارس ضغوطًا حقيقية عليه لعدم السير في هذا المسار، وهي غير راضية عن أي تقارب محتمل مع روسيا، خاصة بعد الوعود التي قطعها ترامب بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتلميحاته لعقد حلف اقتصادي مع بوتين.
تخفيف العقوبات.. شرط أساسي للكرملين
وفي إجابتها على سؤال حول ما إذا كان تخفيف العقوبات يمثل شرطًا غير قابل للتفاوض بالنسبة للكرملين، تؤكد أن هذا ليس شرطًا أساسياً، مستشهدة بتحسن أداء الروبل على الرغم من وجود هذا الكم الهائل من العقوبات، مضيفة أنه بلا شك، فإن إزاحة بعض العقوبات الاقتصادية سيؤدي إلى تحسن ملحوظ في الوضع الاقتصادي الروسي وتعزيز قوة الروبل بشكل أكبر.
وتلفت أيضاً إلى التطورات الميدانية في أوكرانيا، حيث قامت روسيا بتمدد عسكري في بعض المناطق وفرضت سيطرتها الرسمية عليها، ما يؤكد أن روسيا تعتبر هذه الأراضي جزءًا من أراضيها ولا يمكنها التنازل عنها تحت أي ضغط أو صفقة.
وفيما يتعلق برد فعل ترامب المحتمل في حال الفشل في إنجاز اتفاق سلام مستقبلي مع الرئيس الروسي، ترى الدكتورة شحود أن وضع ترامب ليس مثالياً، خاصة إنه فشل في الوفاء بوعده بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة أثناء حملته الانتخابية، فهو الآن يقترب من إتمام 100 يوم في الحكم دون تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف.
وتشير إلى أن ترامب هدد بالفعل بفرض المزيد من العقوبات حتى على الدول التي تتعامل تجاريًا واقتصاديًا مع روسيا، وهو ما اعتبرته تضييقًا من جانبه على بوتين شخصيًا. ورجحت هذا السيناريو في الأيام القادمة في ظل غياب أي أفق حقيقي لإنهاء الحرب.
عزل موسكو عن الصين
أحد الأهداف المعلنة لدونالد ترامب هو عزل موسكو عن الصين. وحول هذا السياق، توضح الدكتورة شحود، أن:
العلاقات بين روسيا والصين قوية ومتينة على الصعد الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، وهي أقوى بكثير من العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. أي تحسن في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، حتى لو تحقق، سيكون مؤقتًا نظرًا للتاريخ الطويل من العداء الاقتصادي والسياسي بين البلدين. في المقابل، فإن التحالف أو التعاون أو الصداقة بين روسيا والصين يمتد لأمد طويل وليس وليد اللحظة أو نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. العلاقات الصينية الروسية قد تلعب دورًا متقدمًا في إجراء محادثات سلام جديدة قد تحقق نتائج إيجابية أكثر من تلك التي يمكن توقعها مع ترامب، الذي يبحث عن مصالحه الاقتصادية الخاصة ويسعى لتصوير نفسه كقوة سلام لتحسين صورته الداخلية.أوروبا تخسر.. وتترقب الصفقة
أما عن موقف أوروبا من أية صفقة محتملة تعقدها واشنطن مع موسكو، تشير إلى أن.
أوروبا ستكون الطرف الأضعف في حال تحقق أي تسوية أو محادثات سلام. الاتحاد الأوروبي، الذي دعم أوكرانيا بشكل كبير وراهن على انتصارها، سيكون الخاسر الأكبر سواء انتهت الحرب أم لم تنته. حتى في حال استمرار الحرب وعدم التوصل إلى حل سريع، ستضطر أوروبا إلى تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والأموال، ما يستنزف مواردها بشكل كبير.أخبار متعلقة :