في خطوة وصفت بالمفصلية، قدمت حركة حماس مقترحا جديدا ضمن جهود التهدئة في غزة، يقضي بتخليها عن حكم القطاع مقابل الاحتفاظ بسلاحها.
هذا التطور، الذي وصفته مصادر سياسية ودبلوماسية بـ"المرونة المحسوبة"، يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة تتداخل فيها حسابات الداخل الفلسطيني مع اشتراطات إسرائيل، التي ترفض أي صيغة لا تشمل نزع سلاح الحركة بالكامل.
هذا التباين بين العرض الحمساوي والرد الإسرائيلي يعكس طبيعة المأزق، فهل يمكن لحماس أن تغادر السلطة دون أن تجرد من سلاحها؟ وهل يمكن لإسرائيل أن تقبل بكيان مسلح خارج سيطرتها في قطاع غزة؟
بين السلطة والسلاح
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة حسام الدجني، خلال حديثه إلى برنامج التاسعة على "سكاي نيوز عربية"، أن ما قدمته حماس "ليس تنازلا اضطراريا بقدر ما هو إعادة تموضع استراتيجي يعكس إدراك الحركة لتعقيدات الواقع الدولي والإقليمي".
ويؤكد الدجني أن "التحول في خطاب حماس ليس وليد اللحظة، بل بدأت مؤشراته منذ الأشهر الأولى للحرب، ومن تلك المؤشرات موافقتها على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي الخالية من أي تمثيل للحركة أو أنصارها، ثم موافقتها لاحقا على المبادرة المصرية العربية التي تقترح إدارة انتقالية بقيادة تكنوقراط فلسطينيين، وأخيرا الورقة السياسية التي نقلها القيادي في فتح جبريل الرجوب إلى الرئيس محمود عباس، التي تعزز هذا التوجه".
خط أحمر
ورغم هذه التنازلات السياسية، يبقى السلاح خارج أي مساومات بالنسبة لحماس، التي تصر، كما يوضح الدجني، على أن السلاح "خط الدفاع الأخير عن الشعب الفلسطيني، وتجريده يعني فعليا إنهاء المقاومة".
ويشير الأكاديمي الفلسطيني إلى أن إسرائيل تسعى لتكريس احتلال دائم، مستشهدا بوثائق قدمتها للوسطاء، إحداها في 28 مارس والأخرى في 14 أبريل، تشترط نزع السلاح من كل غزة ليس فقط من حماس، في إشارة إلى رغبة إسرائيل في إزالة أي قدرة ردع فلسطينية، حتى وإن كانت رمزية.
ووفقا لتقارير نشرتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، عرضت حماس وقفا طويل الأمد للعمليات العسكرية، يشمل تجميد حفر الأنفاق وتطوير الأسلحة، مقابل تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط، في محاولة للتموضع كنموذج مشابه لحزب الله في لبنان: خارج الحكم وداخل الأرض ومسلح".
لكن هذا الطرح اصطدم برفض إسرائيلي حاد، عبر عنه وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش حين قال الإثنين إن "القضاء على حماس هو الهدف، وليس استعادة الرهائن"، مما يكشف عن نية الاحتلال الكامل والدائم لغزة، الذي بدأ عمليا بإنشاء 15 موقعا عسكريا في "منطقة العزل" شمالي القطاع.
مقاومة متعددة الأشكال
وينفي الدجني أن يكون تمسك حماس بالسلاح رفضا للمسار السياسي، بل يرى أنه جزء من استراتيجية تعددية في أدوات المقاومة، ويشرح قائلا: "الشعب الفلسطيني جرب كل الوسائل: من المقاومة السلمية في مسيرات العودة، إلى العمل السياسي والقانوني في الضفة، وحتى المواجهات الميدانية، وكل هذه الأشكال تم قمعها، وبالتالي فإن الجمع بينها بات ضرورة لا خيارا".
كما شدد على أن "أي اتفاق سياسي مستقبلي يجب أن يضمن للفلسطينيين الحق في تشكيل دولتهم، عندها فقط يمكن لأي فصيل أن يتحول إلى حزب سياسي وتوضع الأسلحة تحت مظلة الدولة الفلسطينية الرسمية".
أخبار متعلقة :