في ظل تصاعد غير مسبوق للتوتر في الشرق الأوسط، شهدت جنيف محادثات دقيقة بين وزير الخارجية الإيراني ونظرائه في دول الترويكا الأوروبية، وُصفت بأنها "الفرصة الأخيرة" لتفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة، خصوصا في ظل تهديد أمريكي متزايد بالتدخل العسكري.
وطرح الأوروبيون خلال اللقاء مبادرة شاملة، تتضمن وقف تخصيب اليورانيوم حتى للأغراض السلمية، وتفكيك منشآت الطرد المركزي، لا سيما موقع "فوردو" تحت الأرض، مع عودة المفتشين الدوليين بسلطات رقابية موسعة، تشمل تفتيشا مفاجئا وغير محدود.
كما يطلب العرض الأوروبي فرض قيود صارمة على البرنامج الصاروخي الإيراني، وإدراج تمويل طهران لمليشيات مسلحة كـ"حزب الله" و"الحوثيين" و"الحشد الشعبي" ضمن بنود الاتفاق، في خطوة تعد الأجرأ منذ اتفاق 2015، الذي انسحبت منه واشنطن لاحقا.
غياب أميركي.. وموقف غامض من ترامب
رغم أهمية المحادثات، غابت الولايات المتحدة عن الطاولة. واعتبر محللون أن غياب واشنطن يقلص من فرص النجاح، خصوصًا مع تمسّك إيران بعدم تقديم تنازلات لطرف أوروبي لا يملك القرار النهائي.
وفي حين أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن الاجتماع لا يعني واشنطن، أوضح الرئيس ترامب لاحقا أن "أسبوعين هما المهلة القصوى لاتخاذ قرار بشأن ضرب إيران"، وهو ما يزيد المشهد تعقيدًا وغموضا.
رسائل متعددة.. ومخاوف من الانزلاق
وزير الخارجية الفرنسي أشار إلى أن الأزمة مع إيران يمكن حلها دبلوماسيا، وليس عسكريا، فيما شد نظيره البريطاني على أن امتلاك إيران لسلاح نووي "خط أحمر" قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي أوسع.
من جانبه، شدد وزير الخارجية الإيراني على أن قدرات بلاده الدفاعية "غير قابلة للتفاوض"، مؤكدا أن برنامج إيران النووي سلمي وخاضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع تحميل إسرائيل مسؤولية التصعيد الأخير.
تحركات ميدانية.. وتداعيات متسارعة
جاءت هذه التطورات تزامنا مع تداول مقاطع تُظهر إسقاط مسيّرة إيرانية فوق جنوب لبنان، في وقت أشارت فيه مصادر إسرائيلية إلى أن الترسانة الصاروخية الإيرانية لم تستخدم بالكامل، مما يثير تساؤلات حول "الرد الإيراني المؤجل".
انقسامات في التقدير.. ومناورة إيرانية؟
في نقاش مع "سكاي نيوز عربية"، أكد الخبير في العلاقات الدولية، مهند العزاوي أن إيران "أخطأت في تقدير نوايا إسرائيل"، إذ اعتقدت أن مفاوضاتها مع واشنطن ستمنع أي ضربة عسكرية. فيما اعتبر محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية، موفق حرب أن الإيرانيين "يفاوضون تحت الضرب"، لكنهم يراهنون على كسب الوقت وكشف الانقسامات داخل المعسكر الغربي.
من طهران، نفى محمد غروي، مدير مركز الجيل الجديد للإعلام، وجود مفاوضات مباشرة مع الأميركيين، معتبرا أن ما يُروّج له مجرد "حرب إعلامية هدفها إضعاف الموقف الإيراني"، مؤكدا أن "إيران مستعدة للصبر والمقاومة حتى النهاية".
قلق أوروبي.. وتحركات استباقية
في فيينا، شدد البروفيسور هاينز جارتنر على أن الأوروبيين يسعون للعب دور "ناقلي الرسائل" بين طهران وواشنطن، خصوصًا أن الاتفاق النووي انطلق أساسًا بمبادرة أوروبية عام 2003. لكنه أشار إلى أن "انسحاب ترامب من الاتفاق أضعف الدور الأوروبي كثيرا".
كما لفت إلى أن الأوروبيين قد يقدمون تنازلات فنية مقابل تعهدات من طهران، مثل تجميد تخصيب اليورانيوم وتقديم توضيحات للوكالة الدولية حول الأنشطة المريبة، مقابل الإفراج عن بعض الأصول الإيرانية المجمدة في قطر.
ترامب بين التردد والتصعيد
بحسب ضيوف سكاي نيوز عربية، يتريث الرئيس الأميركي في اتخاذ قرار الحسم، بانتظار ضمان "نصر سريع ونتائج واضحة" دون التورط في "حرب لا نهاية لها"، وهو ما دفعه للتصرف كـ"مراقب"، بحسب توصيف موفق حرب، الذي اعتبر أن "ترامب لم يكن تصعيديا كعادته، وبدت مواقفه أقرب إلى التحليل من اتخاذ القرار".
أخبار متعلقة :