الكويت الاخباري

هل أصبح ترامب المتحكم العالمي في صناعة الرقائق؟ - الكويت الاخباري

يضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في قلب استراتيجيته السياسية والاقتصادية، ساعياً لتحويلها إلى ورقة قوة أميركية عابرة للحدود. فهذه الصناعة، التي تشكل العمود الفقري لكل شيء من الذكاء الاصطناعي إلى الأسلحة المتطورة، لم تعد في عهده مجرد ملف تقني تديره الشركات والمهندسون، بل أصبحت ساحة لصراع النفوذ وصياغة موازين القوى العالمية.

في غضون أشهر قليلة، انتقل ترامب من موقع المراقب إلى دور اللاعب الأول، فارضاً قرارات حاسمة قلبت معادلات السوق ودفعت المصنعين لإعادة حساباتهم. من الرسوم الجمركية المرتفعة إلى القيود على الصادرات نحو الصين، وصولاً إلى التدخل في شؤون كبرى الشركات، باتت الصناعة رهينة لإيقاع البيت الأبيض، ما أثار قلق المستثمرين وصناع القرار الذين يفضلون الاستقرار والتخطيط بعيد المدى في قطاع يستلزم استثمارات بمليارات الدولارات.

وبينما يرى محللون أن هذه التحركات تمثل انحرافاً عن النهج الاقتصادي التقليدي للحزب الجمهوري، يعتبر آخرون أنها جزء من خطة أوسع لـ"استعادة السيطرة الأميركية" على واحدة من أكثر الصناعات حساسية واستراتيجية في القرن الحادي والعشرين. فالرهان لا يقتصر على تأمين سلاسل الإمداد أو حماية الأمن القومي، بل يمتد إلى إعادة رسم خريطة التكنولوجيا العالمية ووضع واشنطن في موقع الصدارة.

هل يتحكم ترامب بالقطاع؟

في هذا السياق، يصف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "يجعل من نفسه القائد الأعلى لصناعة الرقائق".

ويوضح التقرير أن ترامب "أصبح صانع القرار الرائد في قطاع أشباه الموصلات، بدءاً من الرسوم الجديدة على الصادرات إلى الصين وصولاً إلى المطالبة الموجزة بإقالة رئيس تنفيذي لإحدى الشركات (إنتل)".

في غضون ثمانية أشهر فقط، نصب الرئيس ترامب نفسه صانع القرار الأهم في إحدى أهم الصناعات العالمية اقتصادياً واستراتيجياً، والتي تُصنّع مكونات أساسية لكل شيء، من أنظمة الذكاء الاصطناعي العملاقة إلى الأسلحة العسكرية. حوّل الرئيس الأميركي التخطيط الدقيق للشركات، التي كان يقودها المهندسون تاريخياً، إلى لعبة سياسية داخلية. إن التدخل في الأعمال التجارية الخاصة يسلط الضوء على مدى انحراف هذه الإدارة عن فلسفة عدم التدخل الاقتصادي التي تبناها الرئيس رونالد ريغان، والتي وجهت الحزب الجمهوري لعقود من الزمن. وصف مؤرخو الاقتصاد هذه الخطوة بأنها الأكثر عدوانية من قِبَل الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد الأميركي منذ إجراءات إدارة أوباما عام 2009 لإنقاذ البنوك وصناعة السيارات وتجنب تفاقم الأزمة المالية. ويؤكدون أن هذه المرة، لم يكن هناك أي مبرر لهذا التدخل.

ونقل التقرير عن أستاذة الاقتصاد وعميدة كلية هاس للأعمال سابقًا بجامعة كاليفورنيا، آن إي. هاريسون، قولها: "هذه ليست سياسة صناعية عقلانية.. إنها تدخل في إدارة الشركات وتهديدها بعقوبات إذا لم تلتزم بما يقوله ترامب.. إنه يُدير كل شيء بدقة متناهية".

ووفق التقرير، فقد أثارت سياسات ترامب المتشددة قلق صناعة الرقائق الإلكترونية. في وقت يفضل فيه المصنعون القدرة على التنبؤ؛ لأن بناء المصانع يستغرق سنوات ويكلف عشرات المليارات من الدولارات. كما يمضي مصنعو الرقائق سنوات في تصميم الرقائق وعمليات إنتاجها.

لكن مع وجود ترامب في السلطة، لا تعرف الشركات متى قد تُجبر على تغيير خطط أعمالها، وفقًا لجيمي غودريتش، كبير المستشارين في مؤسسة راند والمسؤول السابق عن السياسات في رابطة صناعة أشباه الموصلات.

ويضيف: لم يتبقَّ لقادة الصناعة خيارٌ سوى التملق للحصول على مهلة رئاسية بوعود مالية وهدايا، مثل لوحةٍ ذهبية قدمها الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، للرئيس ترامب الأسبوع الماضي.

استعادة السيطرة الأميركية

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن القرارات المتتالية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما يخص صناعة الرقائق الإلكترونية تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى استعادة السيطرة الأميركية على هذه الصناعة الحيوية، في ظل تصاعد التحديات الجيوسياسية.

ويوضح أن:

هذه القرارات لا تجعل من ترامب "المتحكم العالمي" في صناعة الرقائق بالمطلق، لكنها بالتأكيد تعزز النفوذ الأميركي وتحد من هيمنة دول تملك حصصاً سوقية ضخمة مثل تايوان. الهدف الأساسي يتمثل في "توطين التصنيع داخل الولايات المتحدة"؛ من خلال تحفيز الاستثمارات الكبرى لشركات مثل TSMC لبناء مصانع ضخمة في الداخل الأميركي، وهو ما ينعكس بالفعل على القطاع الاستثماري عبر إعلانات مشاريع تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات. هذا التوجه يعكس رغبة واشنطن في "تأمين سلاسل الإمداد" وتقليل المخاطر الجيوسياسية الناتجة عن الاعتماد على دول تواجه صراعات أو ضغوطاً إقليمية.

بحسب سعيد، فإن التأثير الاقتصادي لهذه القرارات "شامل ومعقد"؛ فعلى المستوى قصير المدى، قد تؤدي التوترات وفرض التعريفات الجمركية المرتفعة إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الإنتاج لشركات التكنولوجيا الأميركية المعتمدة على الرقائق الدقيقة، وربما يبطئ ذلك وتيرة الابتكار بسبب زيادة التكاليف والتعقيدات اللوجستية.

لكن على المدى المتوسط والطويل، من المتوقع أن تعزز هذه السياسات قدرة الولايات المتحدة على استعادة حصة أكبر من السوق، ما يدعم أمنها الاقتصادي والوطني، ويزيد الضغط على الصين ودول أخرى لتطوير صناعات بديلة أو محلية.

 

ويختتم سعيد حديثه بالإشارة إلى أن:

قرارات ترامب تمثل "محوراً استراتيجياً في حرب التكنولوجيا العالمية"، وهي حرب تتجاوز التجارة لتشمل الأمن القومي والسيطرة على التقنيات المتقدمة. رغم التحديات القصيرة الأجل، قد تسهم هذه السياسات في إعادة رسم خارطة صناعة أشباه الموصلات عالميًا، ووضع الولايات المتحدة في موقع أكثر تأثيراً وهيمنة على مستقبل هذه الصناعة، مع بقاء النتيجة النهائية رهينة بمدى نجاح بناء قاعدة تصنيع قوية داخل أميركا وإدارة التوترات التجارية والسياسية المصاحبة.

اتفاق مثير للجدل

وإلى ذلك، يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه منذ يوم التنصيب، يقوم الرؤساء التنفيذيون للشركات بالحج إلى البيت الأبيض لمصافحة الرئيس ترامب في الصفقات الكبرى، وهو ما يعتبره دليلا على أن " أميركا عادت ".

لكن عالم الأعمال وواشنطن لا يزالان في حالة ذهول بشأن اتفاقية واحدة تحديداً: إعلان ترامب هذا الأسبوع منح شركتي صناعة الرقائق، إنفيديا وAMD، الإذن باستئناف بيع بعض أشباه الموصلات القوية للشركات الصينية مقابل منح الحكومة الأميركية نسبة 15 بالمئة.

أثار هذا الضوء الأخضر الواضح قلق بعض المتشددين المناهضين للصين وخبراء الأمن القومي، الذين يخشون أن يضر ذلك في نهاية المطاف بصناعة التكنولوجيا الأميركية، وبالبلاد ككل.

إن قانونية منح شركة أذونات تصدير مقابل حصة من المبيعات غير واضحة. وفي أسوأ الأحوال، يُشبه الأمر ابتزازًا، كما يقول بعض خبراء التجارة.

ترامب يُملي شروطه

بدوره، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه لا يمكن القول بشكل مطلق إن ترامب أصبح المتحكم المطلق في هذا القطاع، لكنه ينجح في فرض شروطه، خاصة على هذا المجال المهم في قطاع الذكاء الاصطناعي، والذي يعتبره أساسياً في الثورة التكنولوجية المقبلة.

ويضيف:

ترامب يسعى لمنح الولايات المتحدة دوراً قيادياً في هذا المجال، من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة بنسبة 100 بالمئة على أشباه الموصلات، ثم قدّم بعض الاستثناءات لشركات كبرى مثل TSMC، أبل وسامسونغ؛ كونها تصنع داخل الولايات المتحدة. كما فرض حظراً على تصدير رقائق شركة "إنفيديا" إلى الصين، قبل أن يرفع الحظر بشرط أن تدفع شركات مثل "إنفيديا" و"AMD" نسبة 15 بالمئة من مبيعاتها لصالح الولايات المتحدة، وهو ما يشبه ضريبة غير مباشرة. بذلك، لا يملك ترامب السيطرة الكاملة، لكنه يلعب دوراً توجيهياً في هذه الصناعة، معتبراً أن ذلك يدخل ضمن حماية الأمن القومي.

ويستطرد يرق: "هذه الصناعات، بما فيها الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تمثل المستقبل ومحركاً أساسياً للاستثمارات الضخمة. من هنا، يسعى ترامب لضمان أن تكون الولايات المتحدة سباقة في هذا القطاع، لأن السيطرة عليه تعني التفوق الاقتصادي والتكنولوجي في المستقبل".

أخبار متعلقة :