المنامة في 24 أبريل/ بنا / في إنجاز نوعي يعكس عمق الإرث الحضاري البحريني، أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار إدراج ملف "النقوش المسمارية لملوك دلمون على الأوعية الحجرية (حوالي 1700 قبل الميلاد)" ضمن برنامج "ذاكرة العالم" التابع لليونسكو، وذلك للمرة الأولى.
وأكدت الهيئة أن هذا الإدراج يشكل اعترافًا دوليًا بقيمة هذه الشواهد التاريخية الاستثنائية، ويلقي الضوء على دور البحرين المحوري في التاريخ الإنساني.
وتأتي أهمية هذه النقوش من كونها توثق وجود سلالة ملكية حكمت مملكة دلمون في الألفية الثانية قبل الميلاد، وتكشف عن تطور بالغ الأهمية في استخدام الكتابة المسمارية في جنوب منطقة الهلال الخصيب، ما يسهم في رسم صورة أكثر وضوحًا عن واحدة من أقدم الحضارات في تاريخ البشرية.
ويتضمن الملف أربعة أجزاء حجرية نادرة، صُنعت من الحجر الناعم (الستياتيت والكلوريت)، وكانت مخصصة للاستخدام في القصر الملكي، وربما خلال طقوس دفن رسمية.
وقد عُثر على هذه الأوعية في موقعين مسجلين على قائمة التراث العالمي لليونسكو، هما: تلال مدافن دلمون في عالي، وقلعة البحرين.
وتشير النقوش المحفورة على هذه الأوعية إلى "قصر يَغلي-إيل، ابن ريموم، خادم إنزاك من أغاروم"، وتُعدّ هذه الشواهد دليلًا نادرًا على حكم سلالة ملكية أمورية الأصل لمملكة دلمون، ما يؤكد الصلات السياسية والثقافية مع حضارات وادي الرافدين آنذاك.
وبحسب نتائج التأريخ بالكربون المشع، فقد استُخدمت هذه الأوعية في القصر الملكي قبل وقت قصير من دفن الملك يَغلي-إيل، وهو ما يدعم فرضية نقلها لاحقًا إلى المدفن كجزء من الطقوس الجنائزية.
دلمون: من الأسطورة إلى التاريخ
لطالما ورد اسم "دلمون" في النصوص السومرية والأكادية بوصفها أرضًا نقية ومضيئة، ومركزًا مقدسًا غنيًا بالمياه العذبة، ومكانًا للتجارة والخلود، ما جعلها تحضر في عدد من أقدم الأساطير الرافدية مثل "إنكي وننهورساج" و"جلجامش".
كما تشير المصادر الرافدية إلى أن دلمون كانت مركزًا للتبادل التجاري بين حضارات وادي الرافدين والشرق، حيث كانت تصدر النحاس والخشب واللؤلؤ والتمور وغيرها من السلع التي دعمت الاقتصاد السومري لعقود طويلة.
اكتشاف علمي غيّر فهم العالم القديم
ورغم أن دلمون كانت تُعرف لعقود فقط من خلال النصوص القديمة، إلا أن البعثات الأثرية التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر وتوّجت بالاكتشافات الدنماركية في خمسينيات القرن العشرين، أكدت أن البحرين هي الأرض التي طالما تحدّثت عنها نصوص الملوك والكهنة في العراق القديم.
واليوم تؤكد الأبحاث الأثرية أن مملكة دلمون، التي كانت عاصمتها على جزيرة البحرين، امتدت من شمال الخليج العربي وصولًا إلى حدوده الغربية، وأنها كانت نقطة وصل مركزية بين حضارات الشرق القديم، وهو ما تعكسه هذه النقوش المسمارية الفريدة.
وقد أطلقت منظمة اليونسكو برنامج "ذاكرة العالم" في عام 1992 بهدف التصدي للمخاطر المتزايدة التي تهدد التراث الوثائقي العالمي. يركز البرنامج على حماية هذا التراث وضمان استمراريته كمصدر موثوق للمعرفة وتوثيق هوية الشعوب، وذلك من خلال جمعه، حفظه، وتيسير الوصول إليه.
ويسعى البرنامج إلى تحديد الوثائق ذات القيمة العالمية وتسجيلها ضمن "سجل ذاكرة العالم"، بهدف تعزيز الوعي بأهميتها وضمان صونها للأجيال القادمة، كما يعمل على تشجيع التعاون بين الدول والمؤسسات للمساهمة في حماية المخطوطات، الأرشيفات، والمواد السمعية والبصرية التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الإنساني المشترك.
م.ص, A.J
أخبار متعلقة :