الكويت الاخباري

قراءة في خطاب الشرع.. رسالة مزدوجة للداخل والخارج - الكويت الاخباري

في وقت يشهد فيه المشهد السوري تقاطعات داخلية وإقليمية معقدة، جاء تأكيد الرئيس السوري أحمد الشرع على استحالة تقسيم البلاد بمثابة رسالة مزدوجة للداخل والخارج.

الشرع شدد على أن وحدة سوريا "خط أحمر" وأن محاولات بعض الأطراف الاستقواء بالخارج، وتحديدًا إسرائيل، لا تتجاوز كونها "إزعاجًا سياسيًا" بلا تأثير جوهري على الأرض.

الرئيس السوري أوضح أن العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية الراسخة تحول دون أي سيناريو للتقسيم، مشددًا على أن الشعب السوري يرفض فكرة التقسيم رفضًا قاطعًا، وأن الهوية الوطنية الجامعة تبقى الضمانة الأساسية لاستمرار الدولة.

وفي إشارة لملف الأكراد، كشف الشرع عن مفاوضات قائمة مع "قوات سوريا الديمقراطية" لتنفيذ اتفاق 10 مارس الماضي، متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى حل ملف شمال شرق سوريا خلال بضعة أشهر.

كما تطرق الرئيس السوري إلى البعد الديني-الوطني، بلقائه في قصر الشعب بدمشق البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.

اللقاء شدد على دور الكنيسة الوطني في ترسيخ الوحدة والمواطنة وحماية السلم الأهلي، في إشارة إلى أهمية التلاقي بين مكونات المجتمع السوري في مواجهة محاولات التفكيك.

الجغرافيا السياسية تقف ضد التقسيم

اعتبر محلل الشؤون السورية في "سكاي نيوز عربية" علي جمالو أن خطاب الشرع "أصاب كبد الحقيقة"، موضحًا أن القضية لا تتعلق فقط برغبة بعض القوى في التقسيم، بل بتركيبة جغرافية-طائفية-سياسية لا تسمح عمليًا بإنجاح هذا السيناريو.

جمالو استشهد بمثال السويداء، التي يُطرح أحيانًا خيار "الحكم الذاتي" أو "حق تقرير المصير" بشأنها، ليؤكد أن هذا الاحتمال غير واقعي:

السويداء لا تملك موارد اقتصادية تكفل استقلالها. أقرب منفذ خارجي لها يقع باتجاه الجولان المحتل، ما يجعلها معزولة. الأردن بدوره، كما نقل جمالو عن مصادر خاصة، لا يستطيع فتح ممر أو دعم مشروع تقسيمي لأسباب تتعلق بتركيبته السكانية والسياسية.

من زاوية أوسع، يرى جمالو أن البيئة الإقليمية والدولية لا تدعم سيناريو تقسيم سوريا، إذ ترفضه الولايات المتحدة، أوروبا، تركيا، دول الخليج، وحتى المملكة العربية السعودية، باستثناء إسرائيل التي تنظر إلى الملف من زاوية أطماعها التوسعية ورؤيتها اللاهوتية.

المعضلة الكردية.. بين الحكم الذاتي والاندماج

فيما يخص ملف الأكراد، يؤكد جمالو أن المفاوضات الجارية بين دمشق و"قسد" ليست تهديدًا للوحدة بل محاولة لإيجاد صيغة وسطية. السيناريو المرجح، بحسبه، هو منح نوع من الإدارة المحلية الموسعة مع الحفاظ على الحقوق الثقافية والسياسية، لكن من دون أن يصل الأمر إلى حد التقسيم.

الرئيس الشرع بدوره كان واضحًا بقوله: "سوريا من غير أن تخسر ذرة تراب واحدة، والسلاح بيد الدولة".

وهو ما يعني أن أي اتفاق مع الأكراد لن يتجاوز سقف السيادة المركزية للدولة السورية.

البعد السياسي.. غياب الحل الوطني الجامع

على الرغم من نفي إمكانية التقسيم، يشير جمالو إلى أن غياب الحل السياسي الشامل يبقى المشكلة الجوهرية في سوريا، معتبرًا أن الداخل السوري هو العامل الحاسم في تحديد مستقبل البلاد، وليس رغبات القوى الخارجية.

ويرى أن مؤتمر حوار وطني واسع أو إعلان دستوري جديد قد يشكلان أساسًا لمعالجة التحديات، لكن الفرصة لم تُستغل بعد.

البطريرك يوحنا العاشر: الوحدة المجتمعية سند سياسي

استقبال الرئيس السوري للبطريرك يوحنا العاشر يازجي في قصر الشعب، جاء بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في يونيو الماضي. اللقاء حمل رمزية لافتة: تأكيد على الدور الوطني للكنيسة في ترسيخ المواطنة والوحدة، والتشديد على أهمية حماية السلم الأهلي.

وأكد الشرع أن وحدة سوريا ليست فقط قرارًا سياسيًا، بل مشروعًا مجتمعيًا تشترك فيه كل المكونات الدينية والعرقية. هذا البعد المجتمعي يعزز حجته بأن أي مشروع تقسيمي لن يجد حاضنة شعبية حقيقية، بل سيصطدم بجدار الهوية السورية الجامعة.

رسالة دمشق واضحة: سوريا الموحدة باقية، ومحاولات التقسيم – سواء عبر مطالب محلية أو عبر رهانات خارجية – ليست سوى أوهام.

التحدي الأكبر ليس في مواجهة أطماع إسرائيلية أو مشاريع عابرة، بل في بناء عقد سياسي واجتماعي جديد يضمن مشاركة جميع المكونات ويعالج أزمات الداخل، ليكون صمام أمان لوحدة الدولة السورية.

أخبار متعلقة :