الكويت الاخباري

هل تحمي الرسوم الجمركية الاقتصاد الأميركي؟ - الكويت الاخباري

تبرز الرسوم الجمركية الأميركية كأداة تحمل في طياتها وعود الحماية من جهة، ومخاطر الانكماش من جهة أخرى، لكن تقارير حديثة تشير إلى الفرص التي قد تسفر عنها تلك الرسوم بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم.

أطلق صانعو القرار في واشنطن هذه السياسة باعتبارها وسيلة لدعم الصناعات الوطنية وتعزيز قدرة الاقتصاد الأميركي على مواجهة المنافسة العالمية. غير أن جدوى هذه الأدوات ظلت موضع شك ونقاش حاد بين الخبراء، وسط تباين الآثار بين مكاسب محدودة لبعض القطاعات وتكاليف متنامية على المستهلكين والشركات.

لكن وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيف الائتماني، تقول في أحدث بياناتها إن الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على قوتها الائتمانية على الرغم من الضربة المالية التي لحقت بها نتيجة مشروع قانون الإنفاق الأخير، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن عائدات التعرفات الجمركية سوف تقلل من الألم.

وأكدت الوكالة تصنيفها الائتماني طويل الأجل للولايات المتحدة عند AA+، وكذلك تصنيفها الائتماني قصير الأجل عند A-1+، وذلك في إعلان لها.

وكتب المحللون، بمن فيهم ليزا شينيلر، في مذكرة: "وسط الارتفاع في معدلات الرسوم الجمركية الفعلية، نتوقع أن تعوض إيرادات الرسوم بشكل ملموس التدهور في النتائج المالية العامة، الذي كان من الممكن أن يرتبط بالتشريعات المالية الأخيرة، والتي تتضمن في الوقت نفسه خفضاً وزيادات في كل من الضرائب والإنفاق".

ونقل تقرير لـ "بلومبيرغ" عن كبيرة استراتيجيي العملات في شركة مالايان بانكينغ بي إتش دي، فيونا ليم، قولها إن هذه الخطوة (تأكيد تصنيف الوكالة للاقتصاد الأميركي) قد تكون إيجابية للدولار بعد أن أثار مشروع قانون الضرائب والإنفاق الرائد للرئيس الأميركي دونالد ترامب شكوكاً حول استدامة الدين الأميركي. لكن المحرك الأكثر ديمومة سيأتي من محاضر مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في جاكسون هول يوم الجمعة، على حد قولها.

وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد خفضت تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة من Aaa إلى Aa1. وألقت باللوم على الإدارات المتعاقبة والكونغرس في تضخم عجز الموازنة، الذي قالت إنه لا يبدو أنه سيتراجع. وكانت وكالتا فيتش وستاندرد آند بورز قد خفضتا تصنيف الولايات المتحدة من AAA سابقاً.

ويتوقع المحللون في ستاندرد آند بورز أن "انتعاش الإيرادات واسع النطاق، بما في ذلك دخل التعرفات الجمركية القوي، سوف يعوض أي انزلاق مالي ناجم عن تخفيضات الضرائب وزيادات الإنفاق" المخطط لها في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.

يأتي هذا الحكم بعد أن فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية جديدة على العشرات من شركائها التجاريين حول العالم. وقد وصلت الرسوم الجمركية على الواردات إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من قرن، مما أثار مخاوف من أنها ستكبح النمو الاقتصادي العالمي.

حماية سريعة

يقول الرئيس التنفيذي لشركة V I markets، طلال العجمي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

إن الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب تعطي حماية سريعة لقطاعات معينة داخل الاقتصاد الأميركي مثل مصانع الحديد أو بعض خطوط إنتاج السيارات.. هذه القطاعات تستفيد لأنها تواجه منافسة أقل من الواردات. لكن على مستوى الاقتصاد الكلي، التأثير مختلف؛ إذ إن الرسوم ترفع تكاليف الاستيراد، ومع الوقت تبدأ الشركات بتمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين، وبالتالي ترتفع الأسعار، ما يعني أن المواطن الأميركي يدفع فاتورة الحماية بشكل غير مباشر.

ويضيف: الأرقام الأخيرة تشير إلى أن هذه الرسوم رفعت مستوى الأسعار فعلياً بنسبة تتجاوز 2 بالمئة، وتؤثر على النمو الاقتصادي سلبياً بحوالي نقطة مئوية واحدة، وهذا يوضح أن الفائدة تبقى محدودة في قطاعات معينة، بينما الكلفة تنتشر على الجميع.

وبالمقابل، في بعض الأحيان "قد تعطي هذه الرسوم انطباعاً سياسياً أو انتخابياً بأن الحكومة تحمي الوظائف، لكن الأسواق تلتقط النتائج بسرعة"، بحسب العجمي، الذي يضيف: "رأينا كيف هزّت هذه الرسوم أسواق الأسهم في أبريل، وهو ما أجبر البيت الأبيض على إبطاء وتيرة التنفيذ".

50 مليار دولار

ويقول المحللون في ستاندرد آند بورز قالوا إنه في حين أن العجز بين الإنفاق الحكومي الأميركي والدخل "لن يتحسن بشكل ملموس، فإننا لا نتوقع تدهوراً مستمراً على مدى السنوات القليلة المقبلة". وأضافوا: "التغييرات الجارية في السياسات المحلية والدولية لن تؤثر على مرونة الاقتصاد الأميركي وتنوعه".

في السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن:

عائدات الرسوم الجمركية الأميركية ارتفعت بنحو 50 مليار دولار في الربع الثاني، وهي الأشهر الثلاثة الأولى من سريان التعرفات العالمية. وارتفعت الرسوم الجمركية على بعض الدول في ظل سعي فريق الرئيس لتأمين صفقات تجارية جديدة. ارتفعت نفقات العجز في الولايات المتحدة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث بلغ عجز الموازنة 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لبنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس. ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاما إلى 4.9 بالمئة، وهو ما يقترب من أعلى مستوياته في عامين، في ظل توقعات المستثمرين بتدفق كميات كبيرة من سندات الخزانة الأميركية الجديدة على السوق. قالت وكالة ستاندرد آند بورز إن صافي الدين الحكومي العام من المرجح أن يقترب من 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مع إنفاق الوكالات الفيدرالية على السكان المسنين.

تأثيرات متباينة

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الرسوم الجمركية تمثل "موضع جدل اقتصادي واسع" لما تحمله من تأثيرات متباينة على الاقتصاد الأميركي.

الهدف المعلن من تلك الرسوم كان حماية الصناعات الأميركية من المنافسة الأجنبية، وخاصة من الصين، عبر تحفيز الإنتاج المحلي وخلق فرص عمل جديدة. ساعدت الرسوم في بعض الحالات على تنشيط صناعات مثل الصلب، والتصنيع عموماً، حيث أظهرت بعض التقارير تحسناً نسبياً في عودة الإنتاج إلى الولايات المتحدة وحماية بعض الوظائف، فضلًا عن مساهمتها في تقليص العجز التجاري وتحقيق إيرادات إضافية للحكومة. لكن "الصورة الشاملة ليست إيجابية"؛ إذ جاءت التداعيات الاقتصادية لتلك الرسوم غالباً سلبية على المديين المتوسط والطويل.

ويضيف: لقد أدى ارتفاع الرسوم إلى زيادة تكلفة الواردات، ما انعكس بارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات الأميركية وتراجع كفاءتها الاقتصادية.. وذلك أسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض الأجور الحقيقية للعمال، إذ اضطرت الشركات لتقليص عدد الموظفين أو التراجع عن رفع الرواتب، كما تأثر المستهلكون بارتفاع أسعار العديد من السلع وتراجع قدرتهم الشرائية.

كما يلفت إلى أن ردود الفعل الدولية مثل فرض رسوم مضادة زادت من حدة التوتر التجاري، ما انعكس سلباً على الصادرات الأميركية، موضحاً أن الفجوة التجارية لم تنخفض بشكل مستدام، بل شهدت زيادة في بعض الفترات، رغم فرض الرسوم.

ويختتم حديثه بالقول: "يمكن اعتبار الرسوم الجمركية أداة وفرت حماية مؤقتة لبعض القطاعات الصناعية، لكنها ليست بالفاعلية الكاملة لحماية الاقتصاد الأميركي أو تعزيزه بشكل مستدام.. بل ترافقت مع أضرار بالغة في النمو والكفاءة والأجور، إلى جانب زعزعة حالة الاستقرار الاقتصادي العام.. هي بوضوح استراتيجية ذات تكلفة اقتصادية مرتفعة وأثر سلبي على المستهلك والشركات على حد سواء".

أخبار متعلقة :