وعلى الرغم من التوترات التي نشأت على خلفية قضايا حقوق الإنسان والتجارة، فإن الصين والاتحاد الأوروبي يظلان شريكين في مجالات متعددة، مثل الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي. ويعتبر التعاون بين الجانبين أمرًا حيويًا للنمو الاقتصادي العالمي، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي من جراء السياسات الحمائية والصراعات التجارية.
وتستعد الصين لرفع العقوبات المفروضة على المشرعين الأوروبيين في محاولتها إحياء اتفاقية استثمارية مع الاتحاد الأوروبي بعد أن فقدت معظم قدرتها على الوصول إلى السوق الأمريكية في الحرب التجارية التي شنها دونالد ترامب، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وأكد متحدث باسم رئيسة البرلمان الأوروبي، هذه الخطوة، التي أوردتها لأول مرة صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية اليومية.
اتخذت بكين هذه الإجراءات ضد عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي في العام 2021 بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بعض الكيانات الصينية بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان ضد الأقلية الأويغورية في منطقة شينجيانغ شمال غرب البلاد. بعد ذلك رفض البرلمان الأوروبي التصديق على اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين والتي كان من شأنها أن تعمل على تعميق العلاقات التجارية بين الجانبين. كثفت بكين جهودها الآن لجذب الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 145 بالمئة تغلق أكبر أسواقها، باستثناء السلع المعفاة مثل الهواتف الذكية . وقال المتحدث يوم الأربعاء إن "المناقشات مع السلطات الصينية مستمرة وهي في مراحلها النهائية".المستشار البارز في مجموعة روديوم الاستشارية، نوح باركين، كتب في منشور له على مدونته إن الصين تأمل أن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وقال: "أخبرني مسؤولون من الاتحاد الأوروبي أن الصين تأمل أن يؤدي رفع العقوبات إلى إحياء اتفاقية التجارة الحرة، وإرسال إشارة قوية حول التعاون بين الاتحاد الأوروبي وبكين، في وقت تتعرض فيه بكين وبروكسل لضغوط شديدة بسبب حرب تجارية عالمية شنها الرئيس دونالد ترامب".
وأضاف أنه على الرغم من أن هذه الخطوة "من شأنها أن تغذي التوقعات بحدوث انفراج بين الاتحاد الأوروبي والصين" قبل القمة المقررة في بكين في يوليو، فإنه لا يزال يرى أن فرص التقارب الحقيقي بين الاتحاد الأوروبي والصين ضئيلة".
مصالح مشتركة
من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، إن المواقف المتشددة والإجراءات التي وصفها بعض الخبراء والمسؤولين الصينيين بالتعسفية، والمتعلقة بفرض جمارك مرتفعة على البضائع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى التهديدات المتكررة من جانب الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية مماثلة على صادرات دول الاتحاد الأوروبي، دفعت الصين إلى محاولة استغلال التوتر القائم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويشير بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الصين تسعى حالياً للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، وإعادة محاولة إبرام اتفاقيات تجارية جديدة، في ظل حاجة دول الاتحاد الأوروبي لتعويض ما قد تخسره نتيجة الرسوم الجمركية المفروضة على منتجاتها.
ويوضح أن بكين ترى في هذا الانقسام بين الحلفاء التقليديين فرصة لتعزيز علاقاتها مع أوروبا، خاصة وأن الثقة الأوروبية في الولايات المتحدة والرئيس الأميركي الحالي تراجعت، ما يجعل الاتحاد الأوروبي غير قادر على الاعتماد على المواقف والسياسات الأميركية في رسم استراتيجياته الاقتصادية والجيوسياسية.
ويشدد على أن مصلحة الاتحاد الأوروبي تكمن في استمرار علاقاته التجارية مع الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ إذ أن المنتجات الصينية تُستورد بأسعار أقل من تكلفة تصنيعها محلياً في دول الاتحاد، ما يجعل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين ضرورة اقتصادية ملحة.
الانفصال عن الصين
ويوم الثلاثاء الماضي، قالت المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي لن ينفصل عن الاقتصاد الصيني كشرط للتوصل إلى اتفاق تجاري مع إدارة دونالد ترامب، وسط تقارير تفيد بأن البيت الأبيض طلب من الدول أن تفعل ذلك بالضبط.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تؤكد هذا الطلب رسميا، فقد بدا ترامب مستعدا لإجبار الدول على الاختيار بين واشنطن وبكين من أجل الحصول على تنازلات دائمة من رسومه الجمركية الشاملة، التي صدمت الحلفاء والخصوم على حد سواء.
قال ترامب لقناة فوكس نيوز ردًا على سؤال عما إذا كان ينبغي لأمريكا اللاتينية الانفصال عن الصين: "ربما بطريقة ما.. ربما ينبغي عليهم فعل ذلك".
إشارة جديدة
من برلين، يقول خبير العلاقات الدولية الاقتصادية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هذه الخطوات الصينية (للتقارب مع أوروبا) تحمل دلالات سياسية واقتصادية واضحة وتهدف إلى إعادة إحياء اتفاقية الاستثمار الشاملة مع الاتحاد الأوروبي التي تعثرت بسبب التوترات السياسية، لا سيما حول ملف حقوق الإنسان في شينغيانغ.
ويستطرد: "تأتي هذه الخطوة في توقيت حساس، إذ تواجه الصين تصاعدًا في الضغوط الأميركية وتزايد التحقيقات الأوروبية في ممارساتها التجارية، مثل دعمها غير العادل لقطاع السيارات الكهربائية، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى فتح تحقيق رسمي في أكتوبر 2023".
ويعتقد بأن بكين "تحاول أن تُظهر مرونة سياسية لتخفيف الضغوط واستعادة الثقة الأوروبية، لكن الطريق لا تزال طويلة، فالاتحاد الأوروبي يُصر على شروط تتعلق بالشفافية، وبيئة الاستثمار، وحقوق الإنسان"، موضحاً أن رفع العقوبات وحده لن يكون كافيا لإقناع البرلمان الأوروبي بالمصادقة على الاتفاق، لكنه بلا شك يمثل أول إشارة حقيقية على أن الصين بدأت تعيد ترتيب أوراقها مع القارة العجوز.
ووفق تقرير لصحيفة SCMP الصينية (South China Morning Post)، فإن "الاتحاد الأوروبي لن يرفع العقوبات المفروضة على مسؤولين صينيين بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، حتى مع تحرك بكين لرفع بعض عقوباتها الانتقامية على المشرعين في الاتحاد الأوروبي".
ونقلت عن متحدثة باسم الذراع الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، التي تشرف على السياسة الخارجية والعقوبات، قولها يوم الخميس إن الاتحاد لا يعتزم الرد بالمثل لأنه لم يلاحظ تحسنا في الظروف في المنطقة الواقعة في أقصى غرب الصين.
وقالت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، لصحيفة واشنطن بوست: "لم يلحظ الاتحاد الأوروبي أي تغييرات في وضع حقوق الإنسان في الصين. ولذلك، يُبقي المجلس على التصنيفات المتعلقة بالصين".
محطات رئيسية
من بكين، تقول الكاتبة الصحافية، سعاد ياي شين هوا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه في مارس 2024، أعلن البرلمان الأوروبي عن إلغاء القيود التي كانت مفروضة على لقاء أعضائه بمسؤولين صينيين، ما عُدَّ مؤشراً على تحسن العلاقات بين الجانبين بعد سنوات من التوترات.
وتضيف: "خلفية هذه التوترات ترجع إلى اتفاق الاستثمار الذي تم التوصل إليه في 2020، والذي واجه عوائق بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الصين في 2021 بسبب ما وصفته بانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، وهو ما ردت عليه الصين بتدابير مضادة".
وتشير إلى أنه رغم استمرار الخلافات حول قضايا حقوق الإنسان والسياسات التجارية، شهد عام 2023 استئنافًا محدوداً للتواصل السياسي، أبرزها زيارة جوزيب بوريل إلى الصين. ورغم أن الزيارة لم تسفر عن نتائج فورية، إلا أنها ساعدت في فتح قنوات الحوار مجدداً. الصين أكدت على موقفها الثابت في رفض التدخل في شؤونها الداخلية، داعية إلى التعامل مع القضايا بشكل "موضوعي وعادل".
من جهة أخرى، تدافع الصين عن تطوير علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي كخيار استراتيجي يعزز التعددية والاستقرار العالمي في ظل التحديات الدولية الراهنة. وتؤكد على أهمية التعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي، فضلاً عن تعزيز التعاون التجاري والابتكار التكنولوجي.
وبحسب الكاتب الصينية، يعتبر هذا التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي أمرًا حيويًا في دعم الاقتصاد العالمي، حيث يشكل الجانبان أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي. يعزز التعاون بينهما النمو ويحد من تأثير السياسات الحمائية، كما يساهم في استقرار سلاسل التوريد ويضمن تناف
أخبار متعلقة :