الكويت الاخباري

غزة تبحث عن الغد وسط ركام الأمس.. هل الحل "إدارة أميركية"؟ - الكويت الاخباري

في الوقت الذي لا تزال فيه قنابل الحرب تتساقط على غزة، وتتصاعد أعمدة الدخان من بين أنقاض البيوت المدمرة، تنشغل الأروقة السياسية في واشنطن وتل أبيب بسيناريو "اليوم التالي" للحرب.

لكن الواقع في القطاع لا يحتمل التنظير المجرد، فأكثر من مليوني إنسان بين فكي كماشة القصف والمجاعة، وإسرائيل تتحدث بصوت عالٍ عن "غزة غير قابلة للحياة"، فيما تروج أوساطها لمشاريع تهجير تبدو أكثر وقاحة من أي وقت مضى.

في هذا المشهد المتداخل بين الجغرافيا والسياسة، يبرز طرح أميركي بتشكيل إدارة انتقالية للقطاع خارج إطار حماس والسلطة الفلسطينية تحت مظلة واشنطن.

فهل نحن أمام "عراق جديد" بوجه فلسطيني؟ أم أن المشروع الأميركي لا يعدو كونه قناعًا ناعمًا لتهجير ممنهج؟

إدارة أميركية.. بلا فلسطينيين؟

كشفت وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تبحثان إمكانية تشكيل إدارة مؤقتة تقودها واشنطن في قطاع غزة، لا تشمل حماس ولا حتى السلطة الفلسطينية، وتستمر حتى "نزع سلاح" القطاع.

يبدو أن الفكرة تحاول أن ترتدي عباءة "الاستقرار" و"الإعمار"، لكنها في جوهرها تطرح تحديات تمس السيادة الفلسطينية بشكل جذري.

هذه المقاربة الأميركية تفترض ضمنيًا أن الشعب الفلسطيني بلا وكلاء شرعيين، وبلا إرادة سياسية قائمة، ما يعني سحب الملف الفلسطيني من الفلسطينيين أنفسهم، وتسليمه لموظفين دوليين، وربما مرتزقة إداريين، يعيدون صياغة قطاع غزة كمنطقة عازلة أو "محمية دولية".

لكن مقابل هذا التوجه، يواجه الفلسطينيون واقعًا مختلفًا، تظهر ملامحه القاسية في نتائج استطلاع أشار إلى أن 49 بالمئة من سكان القطاع مستعدون للهجرة، لا بحثًا عن الراحة، بل هربًا من القصف والجوع.

فهل تُصبح هذه الأرقام لاحقًا "مبررًا ناعمًا" لمخططات التهجير القسري؟

إسرائيل وخطة التفريغ: الجغرافيا كمعركة

في قلب هذه التحولات، تقف إسرائيل برؤية أكثر صراحة من واشنطن، فهي لا ترى في غزة منطقة قابلة للإدارة، بل عبئًا ديمغرافيًا وأمنيًا يجب التخلص منه.

تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن "تدمير غزة بالكامل خلال أشهر" ليست مجرد تعبير عن تطرف سياسي، بل ملامح سياسة تتجذر في المؤسسة العسكرية.

أما وزير الدفاع يسرائيل كاتس، فذهب أبعد، بطرحه خطة لإجلاء السكان إلى الجنوب، في ظل حكم عسكري إسرائيلي متواصل.

في الواقع، ما يُطرح ليس فقط سيناريو ما بعد الحرب، بل محاولة لصياغة "حقبة ما بعد غزة"، حيث تُمسح الذاكرة، وتُعاد كتابة الجغرافيا بقلم الاحتلال.

غير أن أوروبا والأمم المتحدة حذرتا صراحة من أي تغيير ديموغرافي في القطاع، وسط دعم متجدد للخطة العربية التي تطرح إعادة إعمار غزة تحت مظلة فلسطينية لا إقصائية.

استطلاع الهجرة تحت النار لا يعكس الإرادة بل الرعب

في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، قدّم إبراهيم المدهون، مدير مؤسسة "فيميد"، مقاربة إعلامية تحولت إلى تشخيص سياسي دقيق. حيث قال إن "استعداد نصف سكان غزة للهجرة" ليس تعبيرًا عن إرادة حرة، بل رد فعل طبيعي لشعب يُخير يوميًا بين القتل أو الفرار.

المدهون ذهب أبعد من مجرد نقد الطروحات الدولية، إذ وضع الإصبع على مكمن الخلل في التعاطي الإقليمي والدولي مع غزة، حين قال: "بدلًا من استخدام استطلاعات الرأي لتمرير مشاريع مشبوهة، يجب وقف الإبادة أولًا، وبعدها يمكن الحديث عن خيارات الناس".

حماس: لا حكم ولا استسلام

المفارقة أن حركة حماس، التي تتعرض لهجوم سياسي وعسكري غير مسبوق، أعلنت أنها لا تنوي المشاركة في إدارة غزة، لا الآن ولا لاحقًا، وأنها مستعدة لإطلاق سراح الأسرى مقابل وقف الحرب.

في المقابل، رفضت إسرائيل أي اتفاق لا يتضمن نزع سلاح الحركة وإخراجها من المشهد.

المدهون، في تحليله، كشف عن تموضع حماس الجديد بوصفها حركة سياسية مستعدة للانخراط في حل عربي دولي مشروط بوقف الحرب ورفع الحصار، لكن دون التخلي عن الحق في المقاومة.

"الاحتلال يريد أن يسلبنا السلاح والكرامة معًا،" قال المدهون، "لكن من قدموا أبناءهم شهداء لا يمكن أن يسلموا بندقيتهم دون دولة حقيقية على الأرض".

غزة بين مطرقة الاحتلال وسندان التدويل

ما بين مشروع أميركي لا يزال في مهده، وخطة إسرائيلية تسير بخطى ثابتة نحو التهجير، تبدو غزة عالقة في دوامة من التعقيد، لا صوت للسكان، ولا مكان للشرعية الفلسطينية، بل سباق دولي على تقاسم الإدارة في ظل غياب الحلول الجذرية.

تحذيرات إبراهيم المدهون تكشف زيف الادعاء الدولي بالحياد، وتعيد تسليط الضوء على حقيقة بسيطة: الحل في غزة.

أخبار متعلقة :