الضحك هو أرخص دواء في الصباح والمساء ..! - اخبار الكويت

0 تعليق ارسل طباعة
تم النشر في: 

31 مايو 2025, 7:17 صباحاً

عرفت البشرية الضحك منذ قديم الزمن، وما أكثر الأمثال والحكم والمقولات التي ساقها الناس ونثروها في سبيل الضحك وتأكيد أهمية الإبتسامة في دفع عجلة السعادة.

لقد كتبوا عن الضحك الكثير ولو أردت أن أعطي أمثلة سيكون كتاب "البخلاء" من أول الكتب، كما سأشير أيضاً إلى كتاب "الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، وكتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، وإن نسيت فلن أنسى القصص والنكات التي كان يسوقها الكاتب الساخر "جورج برنارد شو" الذي كان يسخر من الأطباء الذين يصفون الدواء ويؤكد على العلاج بالمرح والضحك، وبالمناسبة فقد صدر لي هذا العام كتاب من نادي نجران الأدبي بعنوان "كلام عابر حول الأدب الساخر".

إنّ الشعوب ؛كل الشعوب؛ أحبت الضحك لذلك اخترعت بعض الشخصيات التي تحثها على الضحك، ولقد وجدت لكل شعب "جحا" ذلك الشخص الذي يقول النكت، وأحياناً تُقال على لسانه الطرائف والنوادر.

لقد عرف العرب جحاهم وسموه "أبو الغصن"، كما عرف الأتراك جحاهم الذي كان يحمل اسم "نصر الدين خوجه"، أما أوروبا الشرقية فكان جحاها يحمل اسم "خيتر بيتر".

لقد أحبت الشعوب الضحك وقد صُنّفت شعوباً مثل فرنسا وأسبانيا وإيطاليا على أنها شعوب مرحة ضاحكة، في حين صُنّفت ألمانيا وإنجلترا والعرب على أنها شعوب جادة عابسة.

أما من حيث الأعمار فقد حقّق الأطفال بطولة دوري الضحك بلا منازع، وجاء في المركز الثاني النساء لأنهن يضحكن أكثر من الرجال.

أما من حيث عدد مرات الضحك، فإن الشخص البالغ العادي يضحك تقريباً خمسة عشر مرة في اليوم، بينما الشخص المصاب بالاكتئاب فيضطر للضحك مرة أو مرتين في اليوم.

فوائد الضحك:

يذكر الدكتور الصديق الخلوق "منير لطفي" استشاري الأمراض الباطنية في كتابه بشأن العافية ما يلي: "من أراد أن يركض وهو جالس، أو يهرول وهو مضطجع، فليضحك؛ فبالضحك تتريض عضلات الوجه والصدر والبطن والحجاب الحاجز والكتفين، كما يُنشّط الدورة الدموية ويحرق السعرات الحرارية، حتى قيل إن الضحك بمعدل ٥٠ مرة يوازي ١٠ دقائق من ممارسة رياضة التجديف، وعند زيادتها إلى مئة مرة فإنها توازي ١٥ دقيقة من رياضة ركوب الدراجات، ويقوي الجهاز المناعي ويُفيد القلب ويمد الرئتين بالمزيد من الأكسجين ويحافظ على نضارة بشرة الوجه ويقاوم شيخوختها، علاوة على كبحه لهرمونات التوتر الضارة مثل الكورتيزون والأدرينالين والتي تعرف بالهرمونات الشريرة، وتحفيزه لهرمونات الاسترخاء المفيدة مثل الإندورفين والميلاتونين والتي تُعرف بالهرمونات الطيبة، هذا بالإضافة إلى أن الضحك عدوى تصيب المحيطين، ومغناطيس يذيب الجليد ويجذب الآخرين؛ فيعزز الثقة بالنفس، ويُنمي الروح الجماعية، ويفتح أوسع باب للتعارف وأقصر طريق للتقارب وأنجع وسيلة للتواصل".

وفي هذا جاء تعريف الفيلسوف الفرنسي "هنري برغسون" للضحك بأنه «نشاط إنساني ذو وظيفة اجتماعية»، بينما عرّف "فولتير" الابتسامة بأنها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية.

ومن جانب آخر يؤكد الأستاذ "أحمد أمين" على أهمية الضحك فيقول:

لو أنصف الناس لاستغنوا عن ثلاثة أرباع ما في الصيدليات بالضحك، وذلك لأن الضحكة علاج الطبيعة، والطبيعة أمهر علاجاً وأصدق نظراً وأكثر حنكة».

وورد في بعض الكتب من أنّ (يوحنّا) و (شمعون) كانا من حواريي سيدنا عيسى عليه السلام، وبينما كان يوحنّا لا يجلس مجلساً إلا ضحك وأضحك من حوله، فقد كان شمعون لا يجلس مجلساً إلا بكى وأبكى من حوله، فقال شمعون ليوحنّا : ما أكثر ضحكك، كأنك قد فرغت من عملك.. ؟! فقال له يوحنّا: وما أكثر بكاءك، كأنك قد يئست من ربك..! فأوحى الله إلى سيدنا عيسى عليه السلام:

"إِنّ أحب السيرتين إليّ سيرة يوحنّا".

إنّ الضحك في المحصلة النهائية هو كما ورد في كتاب "الأغاني" على لسان القاضي عياض حين قال: "التحدث بملح الأخبار وطرف الحكايات تسلية للنفس وجلاء للقلب".

من هم الذين يضحكون:

إن الضحك من صفات البشر لأنه يعتمد على الفهم والإدراك ورفاهية الحس ورقة المشاعر، فالجمادات والنباتات والحيوانات كلها لا تضحك ولكن من باب المجاز والتخيل قالوا: "إن المطر هو ضحك السماء والنبات هو ضحك الأرض والزهور هي ضحك الشجر"، كما قالوا: "إن القرد يضحك ولا يبكي بينما الجمل يبكي ولا يضحك".

أنواع الضحك:

قد يكون الضحك عفوياً طبيعياً وقد يكون مصطنعاً وكلاهما مفيد، وقد شبّه الأستاذ "هنري بيتشر" الإنسان الذي لا يضحك بأنه مثل السيارة التي لا يوجد فيها ماصات اصطدام "مساعدات" وبذلك تكون سيارته جافه لا مرونة فيها.

إن الضحك المقصود والضحك الهادف هو المرتبط بأسباب السرور والأفراح، لأن الضحك من غير سبب من قلة الأدب كما قيل في الأمثال، إن الضحك المطلوب هو الذي لا يؤذي أحداً ويغذي القلب والعقل، وقد أحسن الفيلسوف الألماني "هيجل" عندما عرّف الضحك قائلاً: "هو ميل العقل والقلب إلى قول الحقائق بأسلوب مرح" كما أن الضحك المراد هو ذلك الذي يجمع بين عنصرين وهما البهجة والسرور، وقد فرق الأديب والفيلسوف "أنيس منصور" بينهما حين قال: "البهجة أعمق من السرور فهي السرور مضاف إليه الحكمة والتوازن الجسمي والنفسي والعقلي".

حدود الضحك:

كما أن للصبر حدود فإن أيضاً للضحك حدود، وفي هذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تُكثروا الضحك ، فإنّ كثرة الضحك تميتُ القلب".

نعم؛ إن كثرة الضحك تميت القلب، لأن كل ما زاد عن حده انقلب لضده والقصص كثيرة ومنها: ما روي أن الفيلسوف الإغريقي (كريسيبوس) سقى حماره نبيذاً ليرى ردود أفعال الحمار وتأثير النبيذ عليه، ولشدة طرافة ما حدث من الحمار، انخرط كريسيبوس في ضحك هستيري حتى اختنق ومات، وكذلك حادثة البريطاني الذي فقد السيطرة على نفسه إبان مشاهدته لإحدى حلقات مسلسل كوميدي فظل يضحك بقوة وبشكل متواصل حتى وافته منيّته، -ويا للعجب- أن وجهت زوجته رسالة شكر إلى أصحاب المسلسل، على ما اعتبرته نهاية سعيدة ومبهجة لزوجها".

في النهاية أقول:

لقد صدّر الأديب الكبير "ابن قتيبة " كتابه "عيون الأخبار" بهذه العبارة:

المزح إذا كان حقاً وأتى في أحايينه وأوقاته، فرّج عن النفوس وبعثها على النشاط.

نعم؛ إن الصمت والمرح يبعث على النشاط، لذلك؛ لا أكتم سراً إذا قلت أنني في كل صباح أقف أمام المرآة وأضحك لمدة ثلاث دقائق متواصلة، وبعدها أنطلق نحو العمل وأنا أمشي على بساط الأمل.

إنّ الحياة تقوم على التوازن بين الجد والهزل والعمل والراحة، ولذلك ما أجمل نظرية الشاعر حين قال:

أُهازِلُ حيث الهزل يحسن بالفتى

وإني إذا جَدَّ الرجال لذو جِدُّ

وقال الإمام الشافعي:

وللجِدِّ أوقاتٌ وللهزل مثلُها

ولكنَّ أوقاتي إلى الجِدّ أقربُ

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق